المتأمل لما يحدث في المستشفيات من تكرار الفحوصات وتكرار وصفات العلاج وكذلك كثرة التردد على المستشفيات من قبل الكثير من المواطنين يكتشف أن غالبية عظمى من هؤلاء المراجعين لا يكتفي بمستشفى واحد ولا علاج واحد ولا خطة علاجية واحدة، وعليه فإنه يحدث وأن يأتي مريض إلى عدة مستشفيات لنفس المرض ويجرى له الكثير من الأشعة والتحاليل الطبية في مستشفى «أ» ويقوم الطبيب بوصف العلاج المناسب أو وضع الخطة العلاجية المناسبة والتي قد تكون حسب نظام علاجي يستغرق بعض الوقت فيستعجل المريض على العلاج أو قد لا يثق بما وصفه له الطبيب في مستشفى «أ» أو قد يثيره بعض الجهلة من الأصدقاء بقوله «هذولا ما عندهم سالفة رح لمستشفى «ب» تراهم أفضل» فيذهب المريض إلى المستشفى «ب» ويخفي على الطبيب هناك بعض تاريخه المرضي والعلاجي لكيلا يقترح عليه الطبيب بالاستمرار في العلاج السابق حسب وصفة المستشفى «أ» فيبدأ المستشفى «ب» بتكرار وسائل التشخيص من أشعة وتحاليل وغيرها ثم يصف له علاجاً قد يكون نفس العلاج ولكن باسم آخر أو بطريقة علاجية أخرى.. وهكذا تتكرر الأشعة والتحاليل بما فيها من هدر مادي وتكرار الفحوصات! ... أو أضرار جسيمة بسبب تكرار الأشعة، وما يتبع ذلك من أضرار صحية خطيرة مثل السرطان وغيره وكذلك التكلفة المادية والوقت والجهد الذي تبذله المستشفيات لخدمة المرضى وهو ما يضيّع فرصة مرضى آخرين يحتاجون للخدمة السريعة. ويحدثني أحد الأطباء بأن لديه مريضة تراجع عنده في مستشفى«أ» ولديها ابن يعمل في قطاع عسكري وقد فتح لها ملفاً في مستشفى ذلك القطاع «مستشفى ب» وابن آخر يعمل في قطاع خاص وقد فتح لها ملفاً في مستشفى خاص «مستشفى ج» وثالث في شركة وقد فتح لها ملفاً في مستشفى «د» وذكر أنها تمر عليه مرة كل شهر وقد مرّت على جميع تلك المستشفيات من قبل وتعرض جسمها للتشعيع التشخيصي عدة مرات بالشهر وتتناول أدوية متشابهة صرفت لها من جميع تلك المستشفيات وحاول أن يشرح لها ضرر تناول أدوية بهذا الشكل ومالهذه الأدوية المتشابهة والمتعددة من أضرار ثانوية وتفاعلية وكذلك تراكمية وقد يسبب لها تسمم في الجسم بسبب زيادة الجرعات أو تداخل الأدوية أو تفاعل تلك الأدوية مع بعضها البعض فقاطعته غير آبهة بقوله ولا نصائحه وقالت «أنا أبحث عن العافية» ولم تلتفت لتحذيراته.. وأسباب ذلك كثيرة ومنها : 1- عدم الثقة ببعض القطاعات الصحية وسوء الخدمات الصحية في بعضها. 2- الازدحام الشديد في بعض المستشفيات وعدم حصول المريض على وقت كاف مع الطبيب من أجل التشخيص والعلاج. 3- عدم وجود أسرة في بعض المستشفيات أو عدم إمكانية استيعاب المزيد من المرضى. 4- عدم وجود بعض الإمكانات الطبية المتقّدمة في بعض المستشفيات «مثل بعض أجهزة التشخيص المتطّورة والتحاليل الخاصة. وعلى ذلك فإنني أقترح أن يكون هناك توحيد للخدمات الطبية وضبط للسجلات الطبية على مستوى جميع قطاعات الخدمات الصحية بالملكة وذلك عبر توحيد أرقام الملفات لتحمل رقم السجل المدني «رقم بطاقة الأحوال» وأن يكون هناك تنسيق طبي بين المستشفيات وتوحيد المعلومات الطبية والسجل الطبي والتاريخ المرضي لكل مريض وإدراج كافة نتائج التحاليل والأشعة ووسائل التشخيص وهذا النظام سيحقق الكثير من الفوائد ومنها: 1- توحيد جهود المستشفيات وتوفير الوقت والجهد الذي تستغرقه عملية إعادة التشخيص. 2- التأكد من صحة التشخيص وكذلك سلامة الإجراءات العلاجية المتخذة واستثمار الطاقات البشرية في جميع تلك المستشفيات لهذا الغرض ولخدمة المريض والاستفادة من الخبرات للتأكد من التشخيص الحصول على وجهة نظر أخرى « second oppinion» للتأكد من صحة التشخيص. ودقة وسلامة الإجراءات العلاجية المتخذة دون الحاجة إلى الذهاب إلى مستشفى آخر. 3- الحفاظ على صحة المريض وحمايته من إعادة بعض الفحوصات والوسائل التشخيصية التي لها آثار جانبية مثل التشعيع التشخيصي «X-ray» أو الأنواع الإشعاعية الأخرى أو أي إجراء طبي آخر «تشخيصي أو علاجي» له أعراض ثانوية بعيدة أو قريبة المدى. 4- التوفير المادي الذي سيتحقق وسيوفر على الدولة وعلى تلك القطاعات الكثير والكثير من الأموال والجهود والوقت وتقليل تكرار بعض الإجراءات الطبية غير الضرورية. 5- إتاحة الفرص الكثيرة لعلاج المزيد من المرضى لاحقاً بعد استبعاد تكرار تشخيص وعلاج الآخرين الذين يراجعون في مستشفيات أخرى. 6- تقليل أوقات الانتظار وقوائم الانتظار والمواعيد لأن بعض المرضى لن يحتاج إلى تكرار بعض الإجراءات الطبية التي تم اتخاذها في مستشفى آخر فقد يكتفى بما تم إجراؤه هناك. والمرضى الجدد لن يحرمهم المرضى القدامى فرصة الحصول على موعد قريب. 7- الاستفادة من جميع الطاقات البشرية في جميع المستشفيات «الأطباء و أطباء وفنيي المختبرات وأطباء وفنيي الأشعة... الخ» في التشخيص والعلاج والإجراءات الطبية دون الحاجة إلى نقل المريض وفتح ملف آخر في مستشفى آخر. ومن هنا أتمنى تكوين إدارة خاصة أو لجنة وطنية جادة لدراسة هذه المقترحات والتخطيط لتوحيد الخدمات الطبية أو على الأقل توحيد المعلومات الصحية والطبية لكل مواطن ويلحق ذلك بسجله المدني ويحمله ضمن المعلومات التي تلحق برقم بطاقة أحواله أو سجلّه الوطني ولهذا التوحيد المعلوماتي أيضاً من فوائد طبية أخرى سواء في حالات الطوارىء أو الحالات الخاصة مثل البحث عن فصيلة الدم ومعرفة الأمراض الوراثية المنتقلة ومعرفة الأمراض المعدية والأشخاص الناقلين لبعض الأمراض المستعصية مثل التهاب الكبد الوبائي وسيفيد ذلك في الوعي الصحي ومنع انتشار الأمراض ومنع انتقالها، وأن تكون هذه المعلومات سرية ينطبق عليها ما ينطبق على السجلات الطبية في كل مستشفى. (*) عالم أبحاث رئيسي ورئيس وحدة المسرطنات - مستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث - الرياض