القراءة نعمة ومتعة لا يحس بها إلا متذوقها، ومن جَرّبها عجب من انصراف الناس عنها مع أنها ممتعة ومبذولة بالمجان، ولا زحام عليها ولا شحناء حولها، وقد صدق أحد السلف - وأظنه الإمام ابن تيمية - حينما قال: «نحن في لذة لو يعلم بها الملوك لجالدونا عليها بالسيوف» ويقصد بذلك القراءة وطلب العلم الشرعي المغموس في العبادة والمصحوب بنية صالحة تُدنية وتُنميه وتُزكيه، وعلى أي حال فالقراءة هي المتعة الغالية الرخيصة، وأود في هذه الخواطر العجلى أن أشرك القراء معي في الاستمتاع ببعض الكتب التي اطلعت عليها وقرأت فيها - وما زلت - فأعجبتني لجودة مضمونها أو لطرافة موضوعها أو لنبل غايتها ومقصدها، أو لذلك كله، وسأختار خمسة كتب لخمسة مؤلفين من آخر ما قرأت: 1- معالي الدكتور أحمد بن محمد الضبيب/ مدير جامعة الملك سعود سابقاً وأستاذ الأدب فيها وعضو مجلس الشورى: استوقفني كتابك: (اللغة العربية في عصر العولمة) الصغير حجماً والكبير جهداً ومضموناً، ومع أن معالي الدكتور قد درس في الغرب، ومن عادة الدارسين في الغرب أن بعضهم يفتنون بلغة الغرب وحضارته، فإن معالي الدكتور رجع من الغرب وهو مفتون بلغته الأم لغة القرآن الكريم، محذراً من الافتتان بلغة الغرب الإنجليزية ومبيناً خطورتها على لغة الأمة وهويتها، تلمح هذا الحرص وهذه الغيرة المحمودة الجياشة في كل كلمة من الموضوعات السبعة التي تضمنها كتابه القيم المشار إليه، ومن هذه الموضوعات: (في ظل العولمة: علاقتنا باللغة الأجنبية) و(المصطلح العربي في عصر العولمة) و(مستقبل الثقافة العربية من خلال اللغة) و(اللغة العربية والإعلام: الواقع والمأمول) وغيرها. وقد وجدت في مادة هذا الكتاب الدسمة السريعة الهضم ضالتي المنشودة، فجعلته مقرراً مساعداً لطلابي في جامعة الأمير سلطان الأهلية، يطبقون على أحد موضوعاته مهارة التلخيص التي يدرسونها في مادة التحرير الأدبي كل فصل، وقد أعجب الطلاب بهذا الكتاب واستراحوا له كثيراً. ويقع الكتاب في (222) صفحة من القطع الصغير، وهو من منشورات مكتبة العبيكان سنة 1422ه، وإني إذ أبدي اعجابي بهذا العمل العظيم، لاستزيد معالي الدكتور منه ومن أمثاله من الدراسات الجادة المثمرة. 2- الزميل الدكتور الشاعر/ عبدالله بن سليم الرشيد استاذ الأدب المساعد في كلية اللغة العربية بالرياض طرح في السوق منذ شهور كتاباً أدبياً قيماً طريفاً في موضوعه جديداً في أسلوبه، عنوانه: (الأفاكيه والنوادر: مدخل لتدريس فنون اللغة)، وقد قدم له بمقدمة قيمة شرح فيها غايته منه، ومما قال: (الأفاكيه: جمع أفكوهة، وهي طرائف الكلام ومستملحه. والنوادر: جمع نادرة، وهي ما شذ وخرج من الجمهور وذلك لظهوره، ومن خلال هذا التعريف اللغوي المختصر يتبين المراد، فهذه المُلَح مستملحها وغريبها ومضحكها - وسيلة إلى غاية شريفة، هي تقريب فنون اللغة العربية إلى متلقيها علي هيئة طريفة ماتعة...»، وقال: «غير أني أطمح إلى أن نعالج أمر العلاقة بالفصحى من خلال إعادة الطرح، وبخاصة في مراحل الدراسة الأولى، لأنها المحاضن التي تربي في الأجيال الشغف باللغة وحبها، أو النفرة منها والضيق بها» ثم قال: «من أجل ذلك أجد في تقديم هذا العمل المتواضع ما ييسر على إخواننا المدرسين، ويختصر الجهد ويعين إلى الوصول إلى الهدف المنشود، وقد آثرت أن أفصل الأفاكيه والنوادر التي يمكن الإفادة منها بحسب فنون اللغة...»، وقد رتب الفنون على هذا النحو، أولاً: في النحو والصرف، ثانياً: في الأدب، ثالثاً، في البلاغة والنقد.. رابعاً: في العروض، خامساً: في القوافي، سادساً: في الإملاء والخط، سابعاً: في القراءة المطالعة، ثامناً: في الإنشاء. ثم ختم الكتاب بخاتمة قال فيها: «لقد كان ما سبق محاولة للإسهام في تجديد الدرس اللغوي لطلاب المراحل الأولى.. ولا بد من الإشارة والتنبيه إلى أن تقسيم النوادر والأفاكيه على حسب فنون اللغة ليس بالفصل الحتم؛ إذ إن مواد اللغة متداخل بعضها في بعض، وكل طرفة أو نادرة يمكن إيرادها في كل مادة، وإنما المعول على حسن التأتي إليها، واغتنام الفرص الملائمة لها...». ويقع الكتاب في (151) صفحة من القطع المتوسط.. وهو من منشورات دار طويق في الرياض سنة 1423ه. هذا وإن إعجابي بهذا العمل يدفعني إلى أن أطلب من الزميل الكريم المضي في هذا الطريق الذي ندر من يحسن الإبحار فيه. 3- الأستاذ هزاع بن عيد الشمري/ اتحف المكتبة العربية بكتاب قيم صغير الحجم اسمه (الأرقام العربية والأرقام الإفرنجية) حسم فيه الجدل الدائر في العالم العربي بين مغربه ومشرقه حول أصالة أرقامنا العربية التي نستعملها في المشرق العربي، ولذلك سماها الأرقام العربية، وسمى الأخرى المستعملة في أوروبا والمغرب العربي بالأرقام الإفرنجية، وقد وصل الكاتب الكريم إلى هذه النتيجة بعد استعراض عدد من الأدلة والبراهين والنقول عن جمع من العلماء، فرادى وهيئات علمية، ووثائق مخطوطة وعدد من الصور والملاحق التي ضمنها كتابه، وهي في مجموعها أدلة تبعث على اليقين بهذه النتيجة، وهذا الأمر من الأمور المهمة التي تمس هوية الأمة وانتماءها على الرغم من تهوين بعض الكتاب من شأنه، ويكفيك أن تعلم أن هيئة كبار العلماء في المملكة قد بحثته في دورتها الحادية والعشرين عام 1403ه وقالت في قرارها: «إنه لا يجوز تغيير الأرقام المستعملة حالياً إلى الأرقام المستعملة في العالم الغربي لأسباب كثيرة منها: أن ذلك خطوة من خطوات التغريب، ومظهر من مظاهر التقليد للغرب واستحسان طرائقه، ولأن جميع الصاحف والتفاسير والمعاجم والكتب المؤلفة كلها تستعمل الأرقام الحالية...»، وقد صدر الأمر الملكي الكريم رقم 20860 لعام 1403ه بتأييد قرار الهيئة والعمل به، أخيراً أشيد بهذا العمل التوثيقي العلمي الرصين على الرغم من صغر حجمه حيث لا تزيد صفحاته على (111) صفحة، وهو من منشورات دار أجا بالرياض عام 1318ه. 4- الأستاذ الباحث عبدالرحمن بن عبدالله الشقير/ اتحف محبي التاريخ والأنساب بسفر ضخم يقرب من 500 صفحة حول قبيلة بني زيد القضاعية في حاضرة نجد، وقد بذل الباحث جهداً كبيراً، وقام باستقصاء نادر، والتأليف في الأنساب من أشق الأعمال العلمية ولا يعرف مشقته إلا من كابده، واسمع لفضيلة الشيخ عبدالله بن سليمان بن منيع، وهو يؤكد هذا في كلمته التي قدّم بها هذا الكتاب، حيث قال: «والحقيقة أن المؤلف بذل مجهوداً مشكوراً في سبيل إخراج دقائق التاريخ عن هذه القبيلة القحطانية القضاعية والحديث عنها سلفاً وخلفاً واعتباراً ونقلاً فأجاد وأفاد...». وقد قسم الباحث كتابه إلى أربعة أقسام: القسم الأول: دراسة نسب القبيلة وردها إلى أصولها القديمة، والقسم الثاني: تضمن تعريفاً موجزاً بالمدن التي استوطنها بنو زيد حسب الترتيب التاريخي للاستيطان: شقراء، والقويعية، والشعراء، والدوادمي، والقسم الثالث: تضمن حصراً بيانياً لأسر بني زيد مرتبة حسب حروف المعجم، وأما القسم الرابع والأخير: فقد تضمن دراسة بعض الجوانب الاجتماعية التي ارتبطت بالقبيلة أو ببعض فروعها، وقبل هذه الأقسام فصل تمهيدي في بيان عناية العرب بالأنساب وموقف الإسلام من ذلك، ويتميز الكتاب فوق ذلك ببعض الصور والوثائق المهمة، وقد أعجب القراء والباحثون بهذا العمل، وهم يستعجلون مؤلفه في إخراج الجزء الثاني والثالث اللذين وعد بهما المتضمنين تراجم أعلام القبيلة والمراسلات التاريخية ذات العلاقة بأسرها. 5- الكاتبة والباحثة حنان بنت عبدالعزيز بن سيف، غاصت كعادتها في بطون كتب الأدب والتاريخ فأخرجت لنا درراً نظمتها في عقد، أسمته: (من دنت إليه الدنيا فرفعته ثم دالت عليه فوضعته) وقد ضمنته خمساً وخمسين ترجمة من الملوك والخلفاء والأمراء والوزراء والعلماء والأدباء، والشعراء والمغنين والأطباء، وقالت في مقدمته: «لقد شاقني التاريخ كثيراً، وكانت تمر في أثناء التراجم والأخبار أمور تعجب كتلك الشخصيات التي بلغت من العلو مبلغاً عظيماً وما زالت في الارتقاء حتى كشف الزمان عن مخبوئه فكانت الضعة والذلة والهوان، وقد اجتمع لي عدد لا بأس به من هذه الشخصيات...» وعلى الرغم من أن الكتاب متوسط الحجم لا تزيد صفحاته على (168) صفحة فإنه مليء بالدروس والعظات والعبر، ويجدر بكل عاقل أن يتعظ به ويدعو للباحثة على عملها وجهدها وتفكيرها في جمع هذا العمل وتقديمه بهذه الصورة الرائعة.