أصعب شيء في هذه الدنيا هو أن يكتب الإنسان «وصيته» الأخيرة استعداداً لتوديع الحياة والأصعب من ذلك بالطبع هو أن يرثي هذا الإنسان نفسه قبل أن يموت في قصيدة تحرق كلماتها قلوب كل من قرأها وهذا ما حدث لي بالفعل حين تصفحت العدد الأخير من مجلة قطوف ووجدت (مرثية) الشاعرة الراحلة «عابرة سبيل» التي كتبتها من على فراش المرض أو فراش الموت أسموه ما شئتم!! عابرة سبيل هذه هي شاعرة كويتية متمكنة قرأت لها وهي حية بيننا مجموعة من القصائد الرائعة ولكن قصيدتها «الوداعية» أثرت فيَّ كما يتأثر المرء بفقدان أغلى من يعزهم وتأثرت بها كما لو كانت هي زوجتي، فالقصيدة باختصار معبرة عن كل إنسانة وزوجة مخلصة وأجمل ما فيها أن من كتبها هي شاعرة ومثقفة.. تقول «عابرة سبيل» - والذي يبدو لي أن لها من اسمها نصيباً - حيث وفقت في اختيارها لهذا الاسم المستعار وعبرت الدنيا بهدوء إلى الآخرة مخاطبة زوجها ورفيق دربها: ترى الذبايح وأهلها ما تسليني وأنا أدري إن المرض لا يمكن علاجه أدري تبي راحتي لا يابعد عيني حرام ما قصّرت ايديك في حاجه اخذ وصاتي وأمانة لا تبكيني لو كان لك خاطر ما ودي إزعاجه أبيك في يديك تشهدني وتسقيني وأمانتك لا تجي جسمي في ثلاجه لف الكفن في ايديك وضف رجليني ما غيرك أحد كشف حسناه واحراجه ابيك بالخير تذكرني وتطريني اجيرني خالقي من نار وهَّاجه سامح على ما جرى بينك وبيني أيام أمسي عدل وأيام منعاجه عيالي همي وأنا اللي فيني يكفيني علمهم الدين تفسيره ومنهاجه فكان الرد من الزوج المكلوم في هذه الأبيات التي لا تقل شأناً عن أبيات الراحلة التي كتبتها قبل أن تموت فكانت (المرثية في المرثية): حاولت أنام وحاربت عيني النوم وجريت صوتٍ مثل صوت الذيابه الجفن كنه صار ضايق ومهزوم ودموع عيني مثل رس السحابه على وليف قالوا اليوم مرحوم فارق وراح وما تهنى في شبابه زرت القبور اللي على بعضها ارسوم وخطيت رسم فوق ذيك النصابه قلبي من الدنيا عليه مرسوم والرسم توه عقب خط الكتابه أحبها مير القدر صار مقسوم ويحبها كل الأهل والقرابه الموت أخذها واودع القلب مثلوم جرح عميق ما يداوي صوابه الموت أخذ شجعان وارخوم وقروم وأخذ رسول الله وباقي الصحابه رحم الله عابرة سبيل ورحم الله كل من شهد بأن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ورحم الله جميع أموات المسلمين انه سميع مجيب.