الجامعة التي لا تغيب عنها الشمس وصف دقيق وأمين لجامعتنا العالمية جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، وهو وصف مطابق للحقيقة وليس عاطفياً، فالجامعة لها فروع خارجية تمتد من اليابان إلى أمريكا، مروراً بإندونيسيا ورأس الخيمة وجيبوتي ومورتيانيا مع قلبها النابض في وسط المملكة، فالشمس لا تغيب عنها حقيقة طوال العام لا في ليل ولا في نهار. وقد أعجبني هذا الوصف حقيقة، وإن كانت لا أعرف أول من أطلقه، لكني سمعته أول مرة من معالي مدير الجامعة الحالي الدكتور محمد السالم. أعود لضيف الجامعة الكبير المميز صاحب السمو الأمير سلطان بن محمد بن سعود الكبير الذي شرف الجامعة مساء يوم السبت 9/3/1424ه مع صحب كرام من أصحاب السمو الأمراء وضيوف آخرين من أصحاب الفضيلة والسعادة، وأقول: لقد أحسنت الجامعة صنعاً بدعوة ذلك الصقر الكبير من صقور هذا الوطن، وذلك الضيف المميز في أكثر من جانب؛ فهو مميز بأعماله الخيرية الكثيرة التي سمعنا وقرأنا عنها الكثير، لكن هذا الكثير الذي عرفناه بعد قليلاً في بحر بذله وعطائه، وما لم نعرفه أكثر، ويكفيك من ذلك مشاريع أجهزة الغسيل الكلوي التي غطت مناطق المملكة من الشمال إلى الجنوب مروراً بأغلب مناطق الوسط، ولن يعرف ذلك إلا من أتيح له الجلوس مع أبي هشام الأستاذ عبدالرحمن الشثري، وسيط الخير في أغلب هذه المشروعات، ومشاريع سموه الخيرية أكثر من أن تحصى أو تحصر في هذا المجال، ولئن غاب عنها أكثرها فهو مسجل ومحفوظ في ذلك الكتاب الذي لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها، نسأل الله أن يضاعف لنا وله ولوالدينا الأجر والثواب وأن يصلح النيات والأعمال. وسموه مميز أيضاً في فروسيته وفي وطنيته وخدمة اقتصاد بلده، وفي أخلاقه وتعامله وفي قربه من الناس حيث يشعرك حينما تقابله لأول مرة بأنك تعرفه وأنه يعرفك منذ مدة طويلة، ومآثر سموه كثيرة، والحديث عنه ذو شجون وهو حديث محبب إلى النفس؛ لأن الثناء على الأخيار والتنوية بأعمالهم الخيرية مما يتقرب الإنسان به إلى الله ويحتسب ثوابه عنده، وشبهة التزلف والمجاملة بعيدة بحمد الله، وكما أن الجامعة قد أحسنت بدعوة سموه، فإن سموه قد أكرم الجامعة ومنسوبيها بقبوله هذه الدعوة وقيامه بهذه الجولة وحضوره حفل العشاء مع عدد من منسوبي الجامعة وضيوفها. وقد أعجبني - بوصفي من منسوبي الجامعة ومحبيها - حديث سموه عن الجامعة وإعجابه بروعة البناء والتصميم والإنجاز، وأنه فوجئ بضخامة هذا المشروع، وأنه كان يتوقعه شيئاً كبيراً، لكن ما رآه فاق وتجاوز كل توقعاته، بل إنه أبدى انبهاره من أن الجامعة قد انتقلت للمبنى منذ أربعة عشر عاماً في حين أن من يزور المبنى يحس بأنه حديث الاستعمال منذ عام أو عامين وهذا يؤكد حسن الإدارة وجودة الصيانة والنظافة، وكأن سموه في حديثه يعتب على الجامعة - وهو محق - بالتقصير في إطلاع المسؤولين والمواطنين على هذا المشروع الضخم الذي لا يتوقع كثير منا بوجود مثله في بلادنا. وأود هنا أن أوكد ما قاله سموه وأدعو الجامعة إلى تنظيم برنامج مدروس تتاح فيه الفرصة لكثير من المسؤولين والمواطنين لزيارة هذا الصرح العلمي الشامخ الذي يحق لكل من رآه أن يفاخر به، وأتمنى من الجامعة أن يكون لديها شهرياً ضيف في حجم سمو الأمير أو قريب منه، تدعوه إلى حفل عشاء وجولة في المشروع ويدعى على شرفه عدد من الضيوف المرافقين، وهذا العمل له إيجابيات كثيرة فوق ما ذكر، وفيه تحقيق لتطلعات ورغبات كثير من المثقفين والمواطنين. وأذكر أنني قد قرأت منذ سنوات مقالاً لكاتب سعودي - أظنه عبدالعزيز السويد - ينحي فيه باللوم على كثير من المؤسسات السعودية التي تحظى بمشروعات ضخمة ومعالم بارزة ولا تتيح للمواطنين فرصة الاطلاع عليها، وأشار إلى أنك لو سألت بعض المواطنين عن بعض المعالم المشهورة في خارج المملكة لوجدت أنهم قد زاروها مثل: برج إيفل في باريس، وبرج البريد في لندن، وبرج تورنتو في كندا، وبرج كولالمبور وغيرها، ولكنك قد لا تجد أحداً قد زار برج المياه في الرياض أو برج اللتفزيون في الرياض، أو غيرهما من معالم الوطن، فكيف نزور معالم العالم وندفع رسوماً على دخولها، ولا نزور معالم بلادنا القريبة حتى ولو برسوم؟! ولقد صدق الكاتب في ذلك فأنا أحد الذين زاروا تلك المعالم التي ذكرها وأكثر منها، ولكني ما زرت برج التلفزيون حتى الآن، ولولا أني أحد منسوبي جامعة الإمام لما كنت أعرف أن برج مياهها الذي يبدو صغيراً من بعد فيه طابقان كبيران تقام فيهما احتفالات الجامعة ومناسباتها، وقد أقيم فيهما الاحتفال الأخير بتكريم سمو الأمير سلطان بن محمد. ومن الصور الأخرى التي تؤكد أننا في الجامعة نتربع على كنز لا يعرفه الناس ذلك الموقف المؤثر الذي حصل لي مع الدكتور طارق السويدان، الداعية الكويتي المعروف وصاحب الدورات المشهورة في الإدارة والقيادة وقصص الأنبياء والسيرة وغيرها، وتربطني بالدكتور طارق صلة أخوة وصداقة عندما كنا في أمريكا قبل احتلال الكويت، وفي أيام الاحتلال كثرت زيارات الدعاة والمسؤولين الكويتين إلى المملكة لمقابلة علماء المملكة ودعاتها ومسؤوليها والدكتور طارق أحد الذين زاروا المملكة في ذلك الوقت، وقد اتصل بي وطلب مني ترتيب لقاء عاجل له مع معالي مدير الجامعة آنذاك الدكتور عبدالله التركي، وقال إن وقتي ضيق وإني أفضل أن يكون اللقاء هذا اليوم، فقلت له هناك فرصة سانحة على طعام الغداء؛ لأن كلية الشريعة لديها غداء في المدينة الجامعية الجديدة في الاستاد الرياضي وسيحضره معالي المدير وأنا مدعو للغداء ويسرني أن أدعوك معي باسم الكلية، فرحب بالفكرة وذهبنا للغداء، وقدمته لمعالي المدير فانفرد به ربع ساعة، وانتهزت هذه الفرصة فطلبت من فضيلة الدكتور محمد الدويش عميد شؤون الطلاب آنذاك أن يرتب جولة سريعة على بعض معالم المدينة الجامعية للدكتور طارق بعد فراغه من مقابلة المدير، وقلت للعميد: نحن أمام صيد ثمين نريد أن نعمل له غسيل مخ لنصحح نظرته إلى الجامعة ومنسوبيها؛ لأنه كان كثيراً ما يداعبنا في بعض الجلسات الخاصة في أمريكا مع زميلي الكريمين: د. خالد العجيمي، ود. صالح العايد، ويقول أنتم في جامعة الإمام منغلقون قليلاً وتحتاجون إلى بعض الصدمات، وإن كان مجيئكم إلى أمريكا بهذه الأعداد مؤشراً طيباً على رغبتكم في الانفتاح وفك العزلة، ويحتد النقاش بيننا وترتفع الأصوات، وكل هذا في إطار من المداعبة وحسن النية، وإن كان في بعضه «مزح ورزح»، فكانت فرصة ثمينة ليطلع الدكتور طارق على بعض إنجازات المشايخ المنغلقين، وقد صحبناه في جولة دامت أكثر من ساعة على المسابح والملاعب والصالات الرياضية المغلقة وسكن الطلاب وناديهم ومسجدهم ومواقف السيارات والجامع الكبير وبعض المشروعات الأخرى، وقد نجحنا في غسل مخه إلا أن صدمته كانت أكبر بكثير مما توقعنا فبات مذهولاً ومنبهراً، وقال: كل هذا يطلع منكم يا مشايخ؟!، أشهد بالله أننا نحن المنغلقون ونحن المتأخرون، لقد استطعتم النهوض ببلدكم مع أنها شبه قارة، وكل مشروع عندكم يفوق نظيره، ويكفيكم مطار الملك خالد وهذه الجامعات والمستشفيات والطرق وغيرها، ونحن عجزنا عن بناء مطار واحد وجامعة واحدة ثم قال: بعد الذي رأيته سأطلب من إخواننا في جامعة الكويت ألا يبدأوا في مشروعها حتى يستعينوا بمشايخ جامعة الإمام للاستفادة من خبرتهم وسعة أفقهم وبعد نظرهم، فهذا المشروع العملاق ليس عمل مطاوعة فقط، بل هو إنجاز قادة وعباقرة، ويحق لكم أن تفخروا وتفاخروا به. هذا مع أن الدكتور طارق لم يطلع إلا على بعض المشروع، ولو أتيح له الاطلاع عليه كاملاً بعدما دبت فيه الحياة وبدأت الدراسة فيه وحضر صلاة الظهر في الجامع الكبير الذي يجمع جميع طلاب الجامعة وأساتذتها وموظفيها لرأى منظراً مهيباً مؤثراً ولقال مثل ما قال زميله وأخوه معالي الأستاذ محمد بن ناصر الحمضان وزير الأوقاف الكويتي السابق عندما زار الجامعة مع وفد كبير إبان احتلال الكويت: إن هذه المشاعر التي يبديها كل زائر للجامعة، وآخرهم سمو الأمير تؤكد لنا أنه عندنا بضاعة ثمينة غالية ينبغي أن نحسن عرضها وتقديمها للناس، وليست النتيجة هي الإعجاب والثناء فقط، وإنما هناك ثمار ونتائج إيجابية لو جلسنا نعددها فسنجدها كثيرة ومهمة. وكنت أتمنى أن تتوج هذه الزيارة بإطلاق اسم سمو الأمير على مشروع من مشروعات الجامعة التي قد نفذت أو مشروع سينفذ بدعم من سموه الكريم. في الختام أكرر ما أبديته من اغتباط باسمي واسم زملائي أعضاء هيئة التدريس بزيارة سموه الميمونة المباركة لجامعتنا الفتية الغالية، كما أشكر معالي المدير ومعاونيه الذين رتبوا لهذه الزيارة، وأدعوهم إلى الإكثار من أمثالها.