لم تكن الحرب الأمريكية ضد العراق مستنقعاً على الطريقة الفيتنامية ولم تكن حربا حقيقية ولكنها كانت أقرب ما تكون محاولة من جانب أمريكا لاستعراض أكبر قوة عسكرية في العصر الحديث. وقد كان المدافعون العراقيون يفوقون من حيث العدد القوات الأمريكية والبريطانية. ولكن قوات الغزو لم تحتج إلى أكثر من ثلاثة أسابيع وحوالي مائة قتيل في صفوفها حتى تتمكن من احتلال دولة تساوي مساحتها مساحة فرنسا. وقد كانت الحرب بمثابة انتصار للتكنولوجيا العسكرية والقوات الجوية الأمريكية. وعندما بدأت الحرب البرية وجد العراقيون أنفسهم يواجهون دبابات ومدرعات أمريكية وبريطانية أقوى نيرانا وأقوى تسليحا مما لديهم من دبابات ومدفعية. وعندما كان الجندي العراقي أو المدني يصاب كان ينزف حتى الموت. في حين أن أي مصاب في صفوف البريطانيين والأمريكيين كان يجد العلاج الشامل سواء في المستشفيات الميدانية المجهزة أو بنقله جوا إلى المستشفيات. وإذا كانت القوات الأمريكية والبريطانية قد نجحت في تدمير قوات الحرس الجمهوري العراقي ودخول العاصمة العراقيةبغداد فإن المعركة السياسية لم تبدأ بعد، فالولايات المتحدة بعد أن دمرت نظام الحكم العراقي وقواته المسلحة أصبحت مسئولة مسئولية تاريخية عن أمة ودولة وهي العراق. كما فعلت أمريكا في اليابان وألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية فهناك ضرورة ملحة من أجل استعادة النظام والقانون في العراق. وقد شهدت بغداد والبصرة وغيرهما من مدن العراق عمليات سلب ونهب واسعة النطاق. وكما كان الحال بعد تحرير كل من فرنسا وإيطاليا من الاحتلال النازي في نهاية الحرب العالمية الثانية فقد شهد العراق محاولات للانتقام من أعضاء حزب البعث والشرطة العراقية اللذين كانا أداة في يد صدام حسين من أجل قمع الشعب العراقي. وإذا كان حفظ الأمن والنظام ليس مسئولية القوات الأمريكية في بغداد فمن الضروري استقدام عناصر من الشرطة العسكرية الأمريكية أو قوات دولية لحفظ النظام حتى يتم تكوين وتدريب قوة شرطة عراقية جديدة. كما أنه من واجبات القوة الأمريكية الموجودة في العراق الحفاظ على وحدة الأراضي العراقية بعد أن دمرت هذه القوة الجيش العراقي، فالمعروف أن أي محاولة من جانب الأكراد لإعلان الاستقلال في شمال العراق سوف تؤدي إلى غزو تركي سريع للأراضي العراقية. وبالفعل فقد أعلنت أمريكا أن أي وجود عسكري كردي في مدينة كركوك غير مقبول. ويعتبر الأكراد هذه المدينة بمثابة عاصمة للمناطق الكردية. وإذا كانت أمريكا تريد فعلا عدم الدخول في مواجهة مع الأتراك فيجب عدم السماح لحلفاء أمريكا من الأكراد بالسيطرة على مدن كركوك والموصل التي يدعي الأكراد وجود حقوق تاريخية لهم فيها. نفس المشكلة موجودة في الجنوب أيضا ففي عام 1991 تمرد الشيعة ضد النظام العراقي بعد دعوة الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الأب ولكن بوش تركهم فريسة لقمع قوات صدام حسين. ماذا ستفعل أمريكا إذا ما أعلن كل من الأكراد في الشمال والشيعة في الجنوب الاستقلال؟ باختصار يمكن القول انه من الصعب على أمريكا أن تترك العراق دون قيام جيش عراقي وطني قوي يستطيع حماية وحدة البلاد والدفاع عنها ضد أطماع الدول المجاورة. والحقيقة أن هناك من يقول انه لن توجد أي ضرورة لاستمرار الاحتلال الأمريكي للعراق بعد أن يتم تدمير أسلحة الدمار الشامل لديه والتخلص من حكم صدام حسين وتحرير الشعب العراقي. وهذه هي توقعات أفراد القوات الأمريكية المنتشرة في العراق وعائلاتهم في أمريكا. ولكن إذا ما حاول الرئيس الأمريكي جورج بوش المساعدة الحقيقية في إقامة دولة ديموقراطية في العراق فإنه سيحصل على فرصة تاريخية لدحض الاتهامات بأن هذه الحرب ليست سوى حلقة في مسلسل إقامة إمبراطورية أمريكية في العالم العربي والإسلامي ومحاولة للسيطرة على البترول العراقي وتأمين السيطرة الإسرائيلية على الشرق الأوسط. ولكن الحقيقة أن هذه بالفعل هي الأهداف الحقيقية للمحافظين الجدد الذين يسيطرون على إدارة الرئيس بوش فهم دائما ما كانوا يتطلعون إلى تدمير العراق وتكريس السيادة الإسرائيلية على الشرق الأوسط. ولكن هل يستطيع بوش الخروج من دائرة المحافظين الجدد؟ سوف تظهر الإجابة على هذا السؤال فورا. فالرئيس بوش قال للعرب ان الشعب العراقي هو الذي سيقرر مصيره ولن يتم فرض نظام حكم عليه من الخارج حتى لو كانوا عراقيين في المنفى. ثم تعهد بإجراء انتخابات حرة. ولكن ماذا ستفعل أمريكا إذا ما اختار العراقيون زعماء إسلاميين؟ وماذا تفعل أمريكا إذا ما أعلن القادة المنتخبون في العراق تضامنهم مع الشعب الفلسطيني وقدموا الدعم المادي والمعنوي للانتفاضة الفلسطينية؟ الرئيس بوش يتعهد بنشر الديموقراطية في مختلف دول الشرق الأوسط. ولكن الديموقراطية الحقيقية تعني أن ينفذ الحكام رغبات الشعوب وإرادتها. ولكن أغلب الشعوب العربيةتعارض الحرب والوجود الأمريكي في العراق. فهل تتحمل أمريكا ومعها إسرائيل نتائج الديموقراطية في العالمين العربي والإسلامي؟ أشك في ذلك تماما. (*) مرشح رئاسي امريكي سابق (وورلد نت ديلي)