* وللرماد نهاراته * سعد الحميدين * 75 صفحة من القطع المتوسط.. اعرف أن لليل ناراته نسبة إلى النار التي تختبىء تحت الرماد لتستيقظ مرة اخرى مشبوبة الأوار لطالما سمعنا وقرأنا وتحدثنا عما تحت الرماد حين ننتظر شيئاً متوقع الحدوث والحدث بعد طول انتظار.. اما النهارات نسبة إلى النهار.. أو حتى نسبة إلى النهر فهذا ما لا ادريه على الأقل.. ولعل المعنى في بطن الشاعر أو في رأسه. أو في ثنايا حصاده الشعري الذي سوف اتطفل عليه.. واقتحم اسواره واسراره المفتوحة والمغلقة من واقع رحلته الأولى: (يحكى بأن السندباد قد جال في البلاد سبعا من الرحلات لاقى فيهن من عجائب الزمان غرائب البشر قد دونت جميعها في النثر والاشعار منذ اقدم العصور فكان ما كان) مدخل سردي لحكاية منتظرة نثر من حولها مفرداته في حرية دون قيد.. حسنا لنترك المدخل إلى ما وراء الأبواب حيث رحلته وحيث اخذنا معه إلى البر والبحر قبل تضفير السلاسل!! وبعد تعقيد الحبال حين تخصف كعب النعال!! (وتسف الزنابيل عند البداية سأرجل شَعرَ الركب البدء كان البداية في مبتدأ الرحلة.. الأم غب المخاض) من قال ان البدء كان النهاية.. هل ان شاعرنا فسَّر الماء بعد الجهد بالماء.. ثم حكاية الأم التي تكاد تلد اين مكانها من الإعراب.. ثم تلك الخارطة التي تحدد كل البحار القفار!! (في الرحلة العاشرة ردت التنين. بداية النهاية (صاد واحدة). (صاد الأخيرة) على هذا النسق الغامض المرتبك المشحون بالحيرة اخذنا الصديق الحميدين نغرق في بحر لا قاع فيه.، ولا مجداف نجدف به.. ولا حتى ربان يدلنا على السبيل.. سامحه الله.. راء (1) ابحر بنا من خلالها نحو المداءات وقد امتطى صهوة الحرف.. وتزود بامتلاءات تراءت امامه تنفخ في سورة الحال.. ماذا اعطت..؟ وماذا اعطى؟! (تتبارى بعدها كل الجهات. تدور الطواحين في مستقر لها) ونحن بدورنا ندور معها وقد تملكنا الدوار.. كيف لنا ونحن نسبح في بحر غموض من المفردات والصور تحتاج إلى حلال عقد إن وُجد.. وما اخاله قادر على الحل.. (قاعدة للتوجه اخرى. وتحبل اخرى بما قد تفرخ من سابقات لها بعد التلاقح مبحر. سابح. طائر. كل ما كان وقت الرحيل بأي واسطة اججت واججت) لا ادري لمن يكتب صديقنا الحميدين. ولا عماذا يتحدث.! ركام من كلمات نثرية اشبه بهمهمات محموم عصية الفهم على قائلها. وعلى قارئها.. انتهت الراء (1) وجاءت راؤه الثانية هل نكون بها ومعها اسعد حظا.. لا ادري: (يرتمي الحرف. انحنت ام العبارة. مرغت صفحتيها في ندوب الخطر تستجدي منح ما قد تبقى من حثالات الموائد والتي ولَّت. تشظت) يصف لنا صوتها الذي يعلو.. ووقعها الذي ذاب ضوءا بعد ان لفه معطف ظلمه في ثناياه اظلم.. وخطوتها التي تفتر إلى الخلف تحاذي ظلها المعكوس وقد غشى علينا برق المسافات التي تبعد كلما غذت السير طوعا لاجتباء القول/ الفعل من مستودعات الازل. اللازب في قعر قناني العناكب وارتخاءات الطحالب. يخرج الكأس بقطران يمارى انه يقصي مداءات الجرب حيث يبنى الكوخ). كل هذا الذي اوردته وسردته دون تغيير أو تجيير للصديق الحميدين.. ولعلي باسمي وباسم القراء اناشده ان يترجم لنا من يعنيه بدءاً من ندوب الخطر.. الى مخاطر الجرب كي نأخذ الحيطة ونحتمي من العدوى.. الراء الثالثة لعلها ارحم من شقيقتيها... وادنى إلى الفهم بعد اطراقة تفكير: (تقلب الصفحة.. لازالت في بدايات العدد بقي الحرف. بقي الرقم.. تبقت بالاضافة لرقة الشد عقدة في اثر عقدة يمسك المجداف بالأطراف ضربا في بحار الرمل نحو الشط ومازالت بقايا الراحلين).. عرفنا معا ان في الحكاية كتاباً يقرأ. وصفحات تقلب.. واعيانا ادراك مغزى ربقة الشد والعقد المتعاقبة.. أما المجداف الذي تضربه الاطراف وسط بحار من الرمل نحو الشط.. فتصور مغاير للواقع وللبديهة البدائية.. المجداف اداة حركة وسط الماء.. وبحار الرمل في حدودها هي الشط الذي يفصل بين اليابسة والماء.. فهل هذا ما يريد أو ما لا يقصد شاعرنا.. أي ناثرنا.. ام هو العجز والتبلد في ذهني يا صديقنا الغالي؟!.. ربما.! أم أنها حداثةُ الحداثة التي يبشروننا بها؟!! ليت صديقي سعد الحميدين حررنا من رائه.. واستبدلها بحرف آخر يمنحنا بارقة أمل في فهم افضل.. إلا أنه امسك بالراء وتمسك بها وقادنا اليها في رقمها الخامس بعد ان اجهده الجوع وذهب إلى السوق يبتاع خبزا، وتمرا. وقهوة: (ودثرتها بجريدة هذا الصباح فيومي هذا ادونه في ركام السجل الزماني الذي) الذي.. ماذا.. لم يدلنا عليه.. وانما جاء مبتوراً كي ينقلنا إلى مذكرته: (تذكرت/ تذكرت، اسجل دون مراجعة أوثق.. وادلق حبرا.. ولا من يراجع وتساوى القصير الذي قد تطاول. يقادي الضعيف القوي) ولهذا فإنه بمنجله يحفر في الأفق دون تفكير.. يحدق.. يبحث عما سمع.. وفي النهاية كما البداية لا شيء، لا شيء سوى الرماد.. ثم يترك لحروفه المقطعة دائرة أوسع من كلماته كي تأخذ راحتها: ف ر ر ا ا غ غ اي فراغ.. هو نفس الفراغ الذي نحس به.. ولكن على أمل ان نلقي ما يملؤه في محطات قادمة.. راؤه السادسة أكثر اشراقا كما تمنيت.. الفكرة جلية.. والمضمون لا يحتاج الى غوص يفضي إلى الغرق.. (افقت على شدة القرع صبحا ببالي سألت الخبر؟ فقال: أبيع الكلام تثاااااءب نثرا.. وشعرا.. واردف: لدي الدواوين. والاغنيات. حتى الغريب من الملصقات وعندي قصائد للحالمات لدي النصو.. و... ص (ابيع ابيع) اعدتَ الينا الحياة يا صديقي.. نشطت برائك السادسة ذاكرتنا المجهدة. عرفتنا كيف يقدر الحميدين على العطاء المعبر والجميل لعلها البداية من نهاية المعاناة التي اغرقتنا في الكثير الكثير من التساؤلات وعلامات التعجب.. نعود إلى فارسنا بشوق أكثر دفئاً: وهو يبحث عن مشتر لشعره أو نثره: (فهل تشتري.. أو تشير إلى مشتري؟ أريد الرواج لشعري.. فماذا تقول: ماذا يقول: أفق. وأجب قبل ان تنتهي صلاحية ما اقتنيه فتلك نهاية روحي انا) هكذا استيقظت لدى فارسها روحه الشاعرية وهو يرى حياته تمد يديها للحاجة.. والثمن اجود ما عنده.. واغلى ما عنده فهل يلقى الزبون لشعره او نثره قبل انتهاء صلاحيته كما لو كان علبة فول. أو برتقالا مصنعا... (المزاد.. على الشعر.. والنثر والنص وال... الشعر. والأعراف. والأخلاق. والضمير بالمزاد من يشتري الكتاب. والمقال. والديوان. والقصيدة هذا امتداد عندما تكدر الزمان فأصبح النتاج بالمجان) يبدو انه لم يجد من يدفع.. ودفع بما يملك دون مقابل لأن لا احد يهمه الفكر بقدر ما يهمه المال.. يا اخي الحميدين تجربتك اعادت الينا الروح ومسحت عن درب رحلتنا الجروح.. ومن راءاته التي ودعتنا بأجمل ما فيها نقف امام عالمه الجديد المليء بالصور المتتالية دون عناوين.. في أولى خطواته يطرح سؤالا ملحا طالما طرحه الكثيرون ممن تهمهم كرامة المهنة.. وشرف الحرب.. وقدسية الكلمة..(هل فرت الكلمات؟ واصفرت صحائفنا؟ ومات الشعر في الاسفار.. واهترأت دواوين على خد الزمان خف بثقلها فربت) تساؤلات دون علامات استفهام لازبة.. تسلمه الى ما يشبه القنوط واليأس بعد ان تسرب النضج الهلامي المفخخ بالندوب الى انوف تدرأ الريح الهجين بقبضتين. وشاشتين. ولثمتين تكفىء الصدأ المرمد في العيون. وتقلع الوتد الموصل بالمداميك الرتيبة فوق يافوخ التمدد للوراء) يبدو أن الفرحة ما تمت.. لقد اعادنا إلى الوراء خطوتين أو أكثر بعد أن كنا واياه ومع رماد نهاراته نبحث عن جذوة توضح لنا معالم الدرب.. وتجلي لنا قتام الصورة.. واذا به يعيدنا إلى هرش الرأس وقد استعصى علينا ترجمة كلماته المشحونة بالغموض وكثافة المفردات المتقاطعة.. قلبت بضع صفحات ابحث عن حل.. في شوق الى محطة جديدة نحط عندها رحال السفر.. لا بد من تجشم الصعب فالفكر احيانا صعب المنال.. لا يمكن استغراقه دون طول عناء.. حتى ولو كان محيراً.. أو مجيرا لشيء غامض.. من صور فارس الرحلة الحميدين الجري في نهر الكلمات:(نجري في نهر الكلمات أبجد. هوز. حطي. كلمن سعفص، قرشت معنى الكلمات في بطن الشاعر) باعترافه هو احتفظ بما يعنيه.. وترك لنا التهومات. والتهولات. والتأولات عن عمد.. وهذا شأنه.. ولكن من حقنا عليه ان يرحم بمداركنا حتى لا يعجزها التفكير عن فك رموز ما كان يواجهها في رحلة السفر الشاقة.. (المرايا التي كنتها صورتك لهم. صورتهم لك. تبوأت المقعد الامثل اللامباح. ونامت بحضن الرفوف تمصمص عود الجليد. وتنتف من ابط نهر السكون. وتجرح عرض الطريق بسن الكلام المعرى عظاما حدائق من هيكل الوقت تزرع في ساحة الانتظار ينز بقطرة ما بين شهقة قرن واخر يمعن في نظم حلقة عقد تكون من كل قرن تراخي رمال عن الدرب الهائج اللاحق . ليمسك آت بقبضته تعصر الآن لتستحلب المقبل السنوي ، صراع يفور حول ما قد. وهذا. وما سيكون) ويختتم لغزه الكبير بهذا البيت: (أخنى عليها لبد من العش. حام. حم. يه. يوووووم)لا فض فوك يا صديقي لقد ارتحنا من مذلة السؤال بعد ان عرفنا قدر ادراكنا وحدود فهمه.. ومع هذا لابد من ان نستكمل المشوار الى نهايته حتى ولو كانت المحصلة غير مشجعة.. مع مقطوعة أخرى دون عنوان: (تعلكها كف تمد اصابعها الوارمات العقد فتصغي إلى وقع انفاسها بين جدران صوت بهيم يغط/ تثاءب ينفخ بالمنخارين غبار الناس ويكنس كل البقايا بدرب النوافذ علها تهتدي صوب درب المحافل) ومحطة أخرى لها نفس التوصيف ونفس توظيف المفردات اللغزية: (بحجم لا يدانيه مدى. فيسبح الشجر العنكبوتي غبات تبلع الانهار وتحبل بالنهارات. تلد اللحظة. تقفز اللحظة من لحظتها. تكبر تكبرررر. تطوي في ثنايا عاديات الزمن الراكد وتمعن في عجنها في حكمه في بقع الكسل الصدئ تمسح الاطراف منها بمتين من تلال الورق الصافي البياض. ربما تصقلها تجذب الشمس إليها بانعكاس الفوق والأبهى في بنايات العقول الفرخت زبدة الآن المصفى في المداءات البعيدة ربما تقصر البعد البعيد يتأتى يوم عيد يخرم الصورة يحميها من اطارات اتساعات آفاق البغال الرافضين الجوف في اقبية الحجب يعلكون الدود من صحن الخرافات يهزون رؤوسا ورقابا تحت قرع الدف مجذوبين (طغطميش. تمتاردت. كريبو شيديد. شولاع . ماميتو. نرجال. رابيصو. طاريد. طيريد. اومو. ليبو. ايديبو) تذكرت وانا اتابع هذه الاسماء ما يعرف لدينا شعبيا بالدرسعي.. الا انني استبعدت ان يكون درسعيا.. ولا عفريتيا. ولا شيئاً من عالمنا العلوي أو السفلي.. لقد ابتكرها فارس رحلتنا باقتدار فاق فيه كل مسميات الفراعنة.. والاغريق. والفينيقيين. والصينيين.. ومن يدري فقد تواجهنا اسماء اخرى بإيقاع آخر..لا بد من استكمال المسيرة وان طال السفر.. وتعددت المفاوز والحفر.. هذه واحدة: (مرات، ومرات حلزونا ينكفئ للظهر تنقيبا عن المذر المخبأ في تجاعيد اخاديد الزمن. هبت الريح على الجوف العراة، شتتت قوقعة الملتف حول باب القرية الغبراء. طارت شعيرات وريقات الغزل المنكوش لما تنسج الشملة بعد. فقد كانت تشوى فراشا للبقايا، تتكىء بهم عيون قد بنى الغمص جدرانا تصد الشمس والنور اعترافا بخطوط السابقين).. وهذه اخرى.. (يدنيه للتوقيع توقيع الوصية تركات. تركات. تركات قد خطا الدهر عليها طمست خطواته. عاد يرسم مسحت آثاره كي يرسم. خطوة في اثر خطوة. ولكن.. تركات. تركات. تركات. خزنتها حوصلات القهر والحشرة آمادا لها في القرب/ البعد شجيرات مسها رأس الجفاف. نظمت رقعة ال(تركات بالبصمات في كل الجهات) لعل فارس رحلتنا الحميدين ادخر لنا زاد ثريا نتزود به. ونثري نهاية رحلتنا معه.. ويشعرنا انه اذا ما رغب أن يقدم شيئا مقروءا ومفهوما فإنه يعطيه بكل اقتدار.. لا ادل على هذا الاستنتاج من فصله الاخير في كتابه وللرماد نهارات تحت عنوان «قاب قرنين» على نسق قاب قوسين... أو أدنى.. والذي أهداه لروحي ميخائيل نعيمة وخليل حاوي.. في لوحته الأولى اختار هذه الابيات:(اقرأ بكل تمعن من تحت ابط الحرف فاتحة السؤال واسأل عن الماضي المؤطر في تجاويف المسطر من أقاويل الذين مضوا بركب الوقت خلف حادي الوهم آمادا بعيدة) ومن لوحته الثانية عن بيروت: (بيروت يا تفاحة في فيك ألوية من الاحباب. اسراب من العشاق. في سبورة من وجهك المبتسم اللمحات كم سطرا تجند نقي وصفي من حروف الابجدية) ومن لوحته الثالثة رسم ايحائي مبطن عن اللاءات الثلاث كيف وُلدت. وكيف ماتت في مهدها: (لاء. لاء. لاء قد سطرت وتجمدت محفوظة في اضابير المعايير المجوفة الغريقة. لم تذب، بل ذوبت فتقاطرت للخلف قافلة من الالغام تثغو تبدل كل لاءات بكوم من نعم) ومن لاءاته رماد نهاراته.. المقطوعة الأم لكل مقطوعاته الناطقة والخرساء..(عقدة في المعصم الوقتي حز الجلد منها فبدا جدول الدم يحبو غائبا بامتداد الساعد المعقوف قوسا خانها وتر راغت خطاه في رقاع الدرب من غير التحام بالمزامير، ولا حتى الحراب الثانيات الظهر شريانا ضخ غسيلنا.. تشطى قربه العظم.. تفحم حول خصر من رماد) ليس بعد الرماد الا البحث عن نار.. أو عن شمس تقودنا الى آخر المطاف.. هل يسعدنا الحظ؟ لا ادري؟ الا ان الذي امتلك غير الامنيات الاستدلال بما جاء في مقطوعته الأخيرة:(تدلى رأسها صوب سفوح الراسيات الشامخات. الجنين/ الاجنة توأم يربو على الاحصاء بالدقة والقطع ولا «جزم» يفتح الصفحة أو يختم بأن الرقم هذا يحتوي البطن عليه. جورب الماء الذي قد لف/ خف/ ساق المارد عنتري الصورة الراتبة في منخر الزمن الممتد من قافسيم (= ق.م) الى باء ميم (= ب.م) آنَّ به تنفض الأنات الريش عن اجسامها.. اليوم تعرت. رقصته في ساحة التاريخ) وحتى لا تفوتنا العطسة ولا السعلة انهي بها الرحلة كما أنهى بها فارسنا الحميدين آخر مقطوعاته: (كل انفاس الضجر (يعطس التمساح) (تسعل السمكة) والانفاس تثري تحت ظل الشجر.. ولن نسأل كيف ولماذا عطس التمساح ولن نسأل كيف سعلت السمكة.. المهم ان لا نصاب برذاذهما فنصاب بالزكام بعد جهد جهيد من السفر رافقنا فيه رفيق حرف. وصديق كلمة.. اجهدنا معه.. واجهدناه معنا.. وتوادعنا على خير ومحبة. وامل في لقاء اكثر امتاعا للنفس، واشباعا للحس. الرياض ص.ب. 231185