الاستاذ عبدالله الكثيري حفظه الله السلام عليكم ورحمة الله وبركاته بداية اقدم لك جزيل الشكر ولكل القائمين على صحيفة الجزيرة ولكل العاملين بها، وبعد.. فقد اطلعت على مقال جميل وظريف في صفحة شواطئ لاستاذنا الفاضل عبدالهادي الطيب بتاريخ 4/1/1423ه تحت عنوان «يا ليت كنت ما تمنيت» بعدد الجزيرة رقم «11117» ليوم الجمعة وأود التعليق والاضافة بما يلي: فلوحة الطيب تحتاج لاكثر من تعليق في عدة جوانب فللاستاذ الطيب وللجميع اقول: ما كل ما يتمنى المرء يدركه تجري الرياح بما لا تشتهي السفن فأنت تشاء وغيرك يشاء ويفعل الله ما يشاء فالخيرة فيما اختاره الله قال سبحانه وتعالى {..فّعّسّى" أّن تّكًرّهٍوا شّيًئْا وّيّجًعّلّ اللهٍ فٌيهٌ خّيًرْا كّثٌيرْا} وحقيقة عندما كنا صغاراً تمنينا الكثير من الاماني، فسن الطفولة بحر من الاماني لا حدود له ولكنا لم نحقق الا ما كتب الله لنا والكثير منها لم يكن اماني فعليه بل هي محاكاة للاقران او مفروضة من الآخرين ولاسيما من بعض الاباء، فمنهم من يلغون رغبات ابنائهم وخاصة من اخفقوا في تحقيق امنياتهم فيطلبون من ابنائهم تحقيق امنياتهم نيابة عنهم وقد يخفق الابناء فيضيع مستقبلهم وقد ينجحون ويكونون اطباء او مهندسون برغبة ابائهم فيسلمون الشهادة لهم ويعملون في مجال آخر وبذلك يخسرون سنوات من عمرهم بلا فائدة، فأمنية الابناء يمليها بعض الاباء على الصغار ويفرضونها عندما يكبرون في الوقت الذي يجب ان يحترم الاباء رغبات الابناء ويرشدونهم ويوجهونهم ويغرسون في نفوسهم الرغبة في الاختيار دون فرض بدلاً من جعلهم يتخبطون بلا هدى وبذلك «لا يطولون بلح الشام ولا عنب اليمن». وبعض الاباء مقصرون في توجيه ابنائهم كما انهم متهمون في فرض تخصص ما عليهم ولكن العمل الآن لم تعد تحدده الامنية والميول بل فرص العمل هي التي تحدد نوع التخصص فالوظفية اولاً والامنية ثانياً فسوق العمل هو الذي يحدد الامنية والتوجه خوفاً من اصطدام الطموح بالواقع فلماذا لا نكون في خدمة الوطن في آي مجال يحتاجه فهل سيظل اعتمادنا على الاجنبي والوطن يحتاجنا؟ اشار استاذنا الطيب الى ان المعلم ضحك وتبعه الطلاب في الضحك وذلك كما يبدو في نظرهم احتقاراً للمهنة ولهذا الطموح المتواضع كونه يتمنى ان يكون قهوجيا لانه يحب شرب الكاكا، فهل كان لهذا السلوك دوراً في تغير مساره؟ ولاسيما والعقدة من الاعمال المهنية قديمة وتتوارثها الاجيال فلماذا نحتقر الاعمال المهنية ومن يعمل بها رغم حاجة الوطن لها ورغم العائد المادي الجيد. فاباؤنا كانوا يعملون كل شيء بأيديهم ولنا في رسول الله اسوة حسنة فالرسول صلى الله عليه وسلم رعى الغنم وكان يرقع الثوب ويخصف النعل وكان في مهنة اهله ولم يسخر او يقلل من عمل عامل.. وكان صلى الله عليه وسلم يقول «خادم القوم سيدهم» فهل يبقى بعد ذلك مجال للتردد والتأفف والتندر والسخرية فالعمل اخي الشاب في اي مجال شريف تقدم فيه خدمة لوطنك ولامتك ويكفيك المسألة هو شرف لك وليس عيبا، ولكن العيب ان تكون عالة علي اسرتك ومجتمعك والله سبحانه وتعالى قال: {..وّرّفّعًنّا بّعًضّهٍمً فّوًقّ بّعًضُ دّرّجّاتُ لٌَيّتَّخٌذّ بّعًضٍهٍم بّعًضْا سٍخًرٌيَْا..} فما بالنا نقرأ ونسمع عن بعض الشباب تأففهم وترفعهم عن مزاولة الاعمال المهنية وتفضيلهم الجلوس في البيت على ان يشتغلوا بوظيفة صغيرة ومهنة لا تليق بمقامهم ولايزال البعض منهم منغمساً في المظاهر الكاذبة ويفضل اهانات الاهل وسخطهم على ان يقبل بوظيفة عادية لا تكفي مصروفه الشخصي ويفضل ان يصرف عليه والده ولا يذهب لعمل كهذا ويريد وظيفة كبيرة ويفضل العمل المكتبي الحكومي وبأجر كبير من اول المشوار فهل وظائف الدولة تستوعب الخريجين جميعاً؟ فلماذا لا ترضى اخي الشاب بالقليل طمعاً بالكثير فكل صغير يكبر مع مرور الوقت بالجد والكفاح والمثابرة فالاعمال المهنية في نظر بعض الشباب وضيعة ولا تليق بعيال الحمولة الذين ولدوا وفي افواهم ملاعق من ذهب فيصبحون عالة على اهلهم ومجتمعهم ويرددون في كل مكان لم نجد عملاً وينضمون الى قائمة العاطلين فلماذا وبلانا بحمد الله مقصد كل شعوب العالم. والكثير يأتيها لطلب الرزق؟ وبذلك تكون البطالة لدينا اختيارية ولكن بقليل من التخطيط والتنظيم وتغير المفاهيم والقناعات الخاطئة والاحساس بالمسؤلية على كافة الصعد سنحقق الكثير وسنجد ابن الوطن في كل مكان يحتاجه الوطن ولابد من تضحية ولا اظلم كل الشباب فقد اثبت الكثير منهم جدارتهم.. فتحية لهم وبارك الله فيهم وفي جهودهم جميعاً واعاود الحديث عن الامنيات فقد ذكرني استاذنا الطيب بأمنية زميلتي فعندما كنت ادرس في الصف الرابع الابتدائي سألت المعلمة بعضاً من الطالبات عن امنياتهن في الحياة فعددت الكثير من الطالبات امنياتهن في مجالات معروفة وغير مستغربة ولكني مازلت اتذكر امنية هذه الزميلة عندما سألتها المعلمة ماذا ستكونين في المستقبل؟ فقالت اريد ان اكون معلمة فقالت لماذا فقالت لاضرب ابنة المعلمة التي تضربنا!! المعلمة استغربت اجابة الطالبة واكتفت بالتحديق في وجه الطالبة والطالبة كانت تضحك وكلها ثقة في امنيتها التي لم تحققها. اما انا فشعرت بخيبة امل والم وحقيقة هذه المعلمة كانت محطمة ومنفرة وقد كنت في داخلي انكر تصرفاتها التي لا تعتمد سوى اسلوب الشدة فقط فكانت شديدة معنا ومن شدتها جعلت من يفهم لا يفهم ولها معاملة خاصة منا فاذا حضرت وقف الماشي وسكت الناطق واصفرت الوجوه.. ومن الذكريات انها كانت تأتي بولدها معها للمدرسة وعمره قرابة الرابعة وكان شقياً فكانت تضربه امامنا بقسوة تصيب قلوبنا في الصميم بالهلع وتجعلنا نرتجف. هذه المعلمة عندما تشرح الدرس وتنتهي من شرحه تسأل الطالبات من منكن لم تفهم الدرس؟ فيه سؤال وتكرر فتكون اغلب الاصابع مرفوعة ولكن تحت المقاعد وترفع اصبعها عادة زميلتنا وهي ضعيفة المستوى ولكنها شجاعة في تحمل الضربات ودائماً كنت استغرب من جرأتها رغم انها من الطالبات المهملات، وفي نهاية العام تكمل في عدة مواد المعلمة عندما تقوم بمناقشتها تجدها اشد بلادة من سؤالها فتفتح عليها جبهات وتقابل بوابل من الاهانات والكلمات القاسية فتضحك البعض من الطالبات داخلهن على تلك الطالبة المسكينة التي رضيت ان تكون فرجة للجميع فالمعلمة تهزأبها امامنا وتبدأ في اللوم القاسي عليها وعلينا وامام الشدة من يجرؤ على الوقوف والسؤال. وقد كان سلوكها تجاه الطالبة درساً عملياً وبمثابة جرس انذار للبقية بعدم السؤال فهل بعد ذلك غرابة في امنية زميلتي التي تريد ان تكون معلمة لتضرب ابنة معلمتها وعلى من يقع اللوم على المعلمة ام الطالبة؟.