يحتار المعلمون والمعلمات بين حالي النحيب والشكوى، في ظل الأوضاع الصعبة التي يعيشونها في ظل قرارات وزارة التربية والتعليم، التي سلبت صلاحيات الكثير منهم، مما أضاع هيبتهم، حسب زعمهم، وافقد المعلم والمعلمة الوقار والمكانة, ولعل ما تنشره وسائل الإعلام من حالات اعتداء يقوم بها عدد من الطلاب على المعلمين والمعلمات هي بعض إفرازات السياسة التعليمية الحديثة، ذات النعومة المبالغ بها، في التعامل مع الطلاب والطالبات، حيث سيجد الطالب 100 أذن وأذن تصغي له، وكل معضلة ستحل له فورا، إن كان الخصم معلما. شكوى المعلمين يبثونها من خلال قصيدة لأحدهم جاء في مطلعها: ==1== فرضوا الوقت عليه طويلا==0== ==0==حتى وان قال الطبيب عليه أحصوا عليه كل صغيرة وكبيرة==0== ==0==الويل ثم الويل للتقصير عن عمله وحضوره تقريرا==0== ==0==حتى غدا لموظف التعليم أسيرا كل الوظائف نالت التقديرا==0== ==0==إلا المعلم خارج التسعيرا تا الله لولا الهاشمي معلما وبشيرا==0== ==0==لما اتخذت هذا الطريق سبيلا استدركوا وتداركوا التكريما==0== ==0==على استحياء بلا جمهورا==2== فاستدرك زميل له ذلك فقال منشدا: ==1== قد جاء في شعر جميل==0== ==0==قم للمعلم وفه التبجيلا هذا المعلم صاحب العبء الثقيل==0== ==0==هل له في وظيفته مثيلا يده مغبرة أذابها (الطباشيرا)==0== ==0==تقاسيم وجهه لا تقبل للتصويرا==2== (اليوم) طرحت عددا من التساؤلات الهامة، للبحث عن الإجابة: لماذا فقد المعلم والمعلمة المكانة الحقيقية؟ هل وقار المعلم أو المعلمة في خبر كان؟ ما السبب في ضياع هيبة المعلم أو المعلمة؟ هل طالب وطالبة اليوم غير طلبة الأمس؟ لماذا يحرم المعلم والمعلمة من بعض الامتيازات مثل تخفيض أسعار التذاكر والخدمات الصحية وغيرها، كما هو معمول به في كثير من الدول؟ ما أبرز العوامل التي ساهمت في تهميش دور المعلم والمعلمة داخل المدرسة والمجتمع؟ هل تحول دور المعلم والمعلمة من مربي ومربية أجيال إلى باحثين عن وظيفة ذات مردود مادي مجز؟ (اليوم) استطلعت آراء عدد من المعلمين والمعلمات في مختلف مراحل التعليم، بمدارس البنين والبنات، ورصدت آراء بعضهم: هيبة المعلم تقول مديرة التدريب والتطوير الإداري فاطمة راضي: من أبرز الأسباب التي أدت إلى فقدان المعلمة هيبتها هو عدم استطاعتها صنع حدود بينها وبين الطالبات، ولكن لابد أن يكون هناك تعريف دقيق لمعنى كلمة (هيبة)، ولا أنكر ان دخول أشخاص غير مؤهلين لدخول العملية التربوية ساهم بشكل أو بآخر في الإساءة للمعلم. التشويه الإعلامي وترى فاطمة ان للإعلام دورا كبيرا في هذا التشويه، عندما عمد على تضخيم بعض السلوكيات، بهدف جذب القارئ، دون الحفاظ لحقوق المعلمين والمعلمات.. مشيرة إلى إن طالبة اليوم تختلف عن طالبة الأمس، فجميع الظروف المحيطة اجتماعيا وثقافيا واقتصاديا تغيرت. فالطالب الذي كان ينظر إلى التعليم على أنه المخرج الوحيد والأمل المشرق لمستقبله في الحياة، وكان مثابرا مجتهدا، يسعى للحصول على أعلى الدرجات العلمية، بواسطة معلم لا يبخل عليه بدعمه، وأيضا يشجعه، ويأتي اهتمام المنزل في المرتبة الثانية، من خلال دعم الطالب معنويا، لتحقيق أمانيه، ولكن الآن نشاهد جليا ان دور المنزل اختل أو فقد. دور المنزل وتؤكد فاطمة على ضرورة غرس نظرة الاحترام، من قبل الوالدين والمجتمع في نفسية الطالب، والعكس صحيح، فالكرة الآن في مرمى المنزل، المطالب بالكثير لغرس مكانة المعلم والمعلمة في عقل الطالب والطالبة. وتكشف فاطمة عن خطر يسهم في تهميش المعلم، وهو الدروس الخصوصية، حيث يعتقد الأهل ان النجاح يمكن شراؤه عن طريق الدروس الخصوصية, ومن ذلك المنطلق لا يأبه الطالب بمعلمه في المدرسة، لأنه يعتمد كليا على الدروس الخصوصية. معلمات محبطات وتصف فايزة الصالح المعلمات بأنهن محبطات، حيث أصبحت المعلمة تتحاشى أن توجه لوما لطالبة, فربما تغضب الطالبة وتشتكي للإدارة، وترفع للوزارة، التي لن تتوانى في توجيه اللوم للمعلمة، وهذا بدوره يقتل لدى المعلم الحماس أو الاهتمام بالعمل، لولا مخافة الله، من هنا يفقد الدور التربوي، بسبب المناخ التنظيمي المقعد. النظام كبل المعلمة وتوضح الصالح إن نظام وزارة التربية والتعليم الحديث كبل المعلمة بسلطات بيروقراطية متربصة بها، وجردتها من الصلاحيات، إلى جانب النظرة المتشككة، التي ساهمت بشكل فعال في أن تتدخل الأمهات في عمل المعلمات، وكثير منهن يجادلن المعلمات في عملهن التعليمي، ويحملهن الوزر في تدني مستوى بناتهن، ويشككن في قدراتهن، لأنهن على يقين بأن الإدارة لن تتوانى عن سلب المعلمة هويتها. التلقين والاستظهار وأكدت سلطانة الشمري (معلمة مرحلة متوسطة) ان السياسة التعليمية في المملكة مازالت تستخدم أبجديات التعليم التي كانت سائدة في القرن الخامس عشر الميلادي.. تقول: نحن نعيش الآن عصر المعلومات التي تحصل عليها بسهولة ويسر، في ظل انفجار المعرفة والتكنولوجية ورياح العولمة والإنترنت والاتصالات والهيمنة والمعلومات، التي حطمت سلطة التعليم التقليدية، التي نتبعها، حيث مازلنا مفتونين بثقافة التقلين والاستظهار. نترحم عل الأيام الوردية وتشير سلطانة إلى نقطه أخرى مهمة، هي ان خلو الطعام من الملح يفقده مذاقه، حيث يقول المثل العربي (من أمن العقوبة أساء الأدب)، أي ان كثيرا من المعلمين والمعلمات لديهم تحفظ على ما يحدث حاليا في مدارسنا، تلك المدارس التي تخلت قليلا عن نمطها، راجين العودة إلى تلك التربية، التي أخرجت لنا رجالا أكفاء وسيدات فاضلات, ولنعود بمخيلتنا قليلا للوراء، عندما كنا على مقاعد الدراسة، نحرص كل الحرص على اتباع كل ما تقوله لنا المعلمة، ونخشاها باحترام وتقدير، ولكن الآن نترحم على تلك الأيام الوردية، فكم هو خطأ فادح نرتكبه في حق أبنائنا وبناتنا، عندما نتخلى مجبرين عن سياسة الحزم لإخراج جيل يتفهم أن الخطأ خطأ، ولا يمكن أن تجير ذلك الخطأ لشيء آخر. الحقوق والواجبات أما منى بلقر (معلمة اللغة العربية للمرحلة الثانوية) فتقول: العملية التربوية في حقيقتها تعتمد على جانبين مهمين، المعلم أولا، والطالب ثانيا, فكل منهما له حقوق، كما ان عليه واجبات، ولا ننكر عندما نقول: إن كثيرا من المعلمين نسوا واجباتهم، بل تناسوها، وكثيرا من الطلاب غيروا نظرتهم لمعلميهم، وهذا ولد لدينا مشاكل كثيرة، لا حلول لها. فجوة بين المعلم والطالب وتضيف منى: كثيرا ما يقال إن المعلم فقد مكانته واحترامه بين طلابه، ولهؤلاء أقول (لا، المعلم هو الذي يجعل له مكانة واحترام بين طلبته)، ولو كنت اشعر في يوم من الأيام إنني فقدت مكانتي لاعتزلت هذا العمل، وجلست في بيتي اندب حظي، ولكن ما الذي يحصل الآن؟ كثير من المعلمين لا يفهمون نفسيات الطلاب، ولا المرحلة التي يمرون بها، فتحدث هناك فجوة بين المعلم والطالب، وينشأ صراع في كثير من الأحيان.. مضيفة: من خلال خبرتي الطويلة في العمل التربوي لمست أن هذه المشاكل أكثر ما تكون في صفوف المعلمين المبتدئين، أكثر من المعلمين الذين يملكون خبرة طويلة في مهنة التعليم، فهم أطول نفسا من غيرهم. المعلم وضبط النفس وحول سبب انتشار ظاهرة ضرب المعلمين تقول منى: انتشار ظاهرة اعتداء الطلاب على معلميهم أو صراخ الطالبة في وجه معلمتها لا تأتي من فراغ، فالمعلم هو الأكبر سنا، والأكثر وعيا، والأصلح فكرا، فما عليه إلا ضبط النفس عندما يتعرض إلى موقف قد يؤدي إلى تصرف طائش من قبل الطالب، ونحن نعلم دائما ان الوعاء الكبير يستوعب الوعاء الصغير. عوامل تهميش المعلم وتشير منى إلى ان هناك آباء وأمهات لا يعطون المعلم حقه، بل يشجعون أبناءهم على الرد على المعلمين، والتطاول عليهم، وهذا الصنف من الناس أكثر ما يتواجد في المجتمعات الغنية، التي تدلل أبناءها، حيث الخدم والحشم، وكيف يكون لهذا الابن الذي يعيش في بيئة، والكل من حوله سمعا وطاعة، أن يذهب إلى المدرسة، ويتلقى الأوامر من معلميه، ويطبق النظام، فهذه جريمة بالنسبة للطالب وأهله، لذلك نلمس مثل هذه السلوكيات في المدارس الخاصة أكثر منها في المدارس الحكومية، فالطالب والأهل يعتبران أنهما سيشتريان المعلم، من خلال الأقساط الباهظة التي يدفعونها، لذلك على المعلم أن يتصرف تبعا لما يريد الطالب، محققا له كل ما يطلب، متغاضيا عن كل هفواته، هذا ما يتأمله كثير من طلاب المدارس الخاصة، لذلك يتوجه إليها الطلاب أكثر، حيث يعتبر الطالب أن راتب المعلم الشهري يدفعه هو، وهذا في رأيي عامل من العوامل، التي تساعد في تهميش صورة ودور المعلم. زمان غير زماننا وتستغرب منى من المقارنة بين طلاب الأمس في مرحلة التعليم وطلاب اليوم، فهذا خطأ، لأن طالب اليوم، ليس كطالب الأمس، فقد خلقوا لزمان غير زماننا، فهذا الزمان قائم على إثبات النفس، والمطالبة وإبداء الرأي أمام الكبير والصغير، ولديه الجرأة الكافية في مواجهة معلمه، فأنا لا أعارض ذلك، لكنني أقول أن يتم ذلك ضمن حدود الأدب، وهذا ما يجب أن يتعلمه الطالب في أسرته. تنمية المهارات وترى نداء الشهوان (معلمة اللغة الإنجليزية) أن الإعداد الجيد لأبنائنا لا يقتصر على ملء تجاويف عقولهم برموز مترابطة، أو غير مترابطة من العلوم والمعرفة، أنهم بحاجة إلى تنمية المهارات في مختلف العلوم والمجالات.. مؤكدة ان ذلك كفيل بان يخرج طالبا قادرا على بناء وطنه، والنهوض به، ليصبح في مقدمة الدول المتطورة.. مضيفة: إن مناهجنا لا يعيبها سوى طريقة طرحها، وربطها بالحياة العملية، عن طريق التجارب العملية والأنشطة والرحلات الثقافية والعلمية. عدم المرونة تقول نداء: قد اظلم المعلم بتوجيه اللوم له في عدم رفع مستوى الطالب، بل إن عدم مرونة وزارة التربية والتعليم في المطالبة بتطبيق المناهج بحذافيرها، ومنع الطالبات من الرحلات والأنشطة العملية، مثل زيارة المصانع والمواقع الثقافية والعلمية، ساهم بشكل كبير في تدني المستوى وحب العلم والتعلم. عقاب صريح وترى حفصة عبدالواحد (معلمة لغة عربية) ان من الخطأ أن يشعر المعلم بأنه مجرد شخص يؤدي وظيفة، ويستلم أجرا عليها في آخر الشهر، ناسين أو متناسين ما لهذه المهنة من متطلبات تربوية، تجعل المعلم مسؤولا بالدرجة الأولى عن شخص الطالب وعقله، من خلال الاهتمام به، وزرع العلم والمعرفة والأخلاق فيه, وللطالب حق أساسي على المعلم، أن يحترم عقله وذهنه وفكره وشخصه.. وتضيف: بعض إدارات المدارس لا تشعر بخطأ تساهلها مع الطالب غير المبالي، فتغرق في فوضى الطلاب المتساهلين، لعدم عقاب الأول، مما يشجع الآخرين على ممارسة هذا العمل وهكذا. وتتساءل حفصة: لماذا لا يكون هناك عقاب صريح ومحدد ومعروف أمام عين الطالب غير المبالي؟ وما العيب في الضرب المقنن في المدارس؟ شعرة معاوية وحول مبدأ (من أمن العقوبة أساء الأدب) قال المعلم عبدالعزيز إبراهيم: هذا هو الواقع الحقيقي للطلاب في المدارس.. ويتساءل: كيف يكون المعلم مربيا و هو لا يملك أبجديات الأساليب التي تعينه على رسالته التربوية والتعليمية بيسر وسهولة، فعندما سنت الوزارة قانون منع الضرب في السياسة التعليمية الحديثة، وضعت نصب عينيها الطالب، وغضت البصر عن المعلم، المطلوب منه كل شيء، فقد ضاعت هيبة المعلم، طالما قطعت الوزارة شعرة معاوية، بهدر كرامة المعلم. المعلم والقرارات وحول دور المعلم اليوم قال عبدالعزيز: دوره لا يقتصر فقط على التعليم، بل كثرت المهام والأعباء، فمن كثرة القرارات لا يعلم المدرس هل هو معلم، أو مراقب، أو مشرف، بل أنه يتولى أحيانا حراسة المدرسة.. مضيفاً: عندما يدخل المعلم على مدير المدرسة للشكوى على طالب مشاكس، يطلب المدير منه التحلي بالصبر على كل التجاوزات التي يسببها الطالب، والويل ثم الويل للمعلم عندما يستخدم العقوبة البدنية. القاعدة مفقودة ويرى عبدالرحمن الجابر (معلم) إن القرارات الإدارية تصدر من قبل مسؤولين يصدرونها من خلف مكاتبهم، ومن دون علم لهم بالواقع الميداني، وما يدور في أروقة المدارس، فكثير من الحقائق لا تتوافق مع قرارات الوزارة.. متسائلا: لماذا لا يشكل فرق عمل داخل كل إدارة تعليم للوقوف على آراء المعلمين؟ وكيف تفكر وزارة التربية والتعليم بالتربية الحديثة، القائمة على النشاط، في ظل عدم توفر القاعدة الأساسية من معامل وورش وأدوات وحوافز للمعلمين, ومنع ضرب الطالب أوجد حالة استهتار عنده بالمعلم، لدرجة ان الطلاب أصبحوا يتعدون على المعلم. ورثة الأنبياء ويرى مدير إدارة الإشراف التربوي بإدارة التعليم بالمنطقة الشرقية علي بسان الزهراني إن تكريم المعلم ضروري لعطائه لأبنائه الطلاب، فالرسالة التعليمية التي يضطلع بها في المجتمع ينبغي أن تلقى التقدير والاحترام من الجميع، خاصة من الطلاب وأولياء الأمور. ويضيف الموجه التربوي بوزارة التربية والتعليم حمد القويزي: إذا سلمنا بمقولة إن (المعلمين ورثة الأنبياء) فان الوارث يجب أن يقتفي طريقة المورث، فيما يتعلق بميراث الأنبياء، لأنه ميراث حق، وانه لم يرد عن الأنبياء عليهم السلام إنهم كانوا يعاقبون أبناءهم بالضرب، بل كانوا يعاملون بالحكمة والموعظة الحسنة، ويصبرون على الأذى.