لقد شرفت وسعدت بما كتبه حماد بن حامد السالمي في مقالين منفصلين في صحيفتي المفضلة «الجزيرة»، الاول بتاريخ 26 يناير 2003م، والآخر في تاريخ 2 مارس 2003م في العدد «11112» حول التهميش الوظيفي وتهميش الكفاءات الوطنية..عود على بدء والذي بلا شك دفعته غيرته الوطنية الصادقة على وطنه وحبه المخلص لمواطنيه، ففي المقال الاول وضع يده على جراح فئة من المجتمع تعرضت لمثل هذه التجربة القاسية من بعض الاداريين الذين تناسوا مبدأ تكافؤ الفرص ودفع المواطن الصالح الى مزيد من الانتاجية في جو مشجع ومبدع بدلاً من خلق جو خانق يحول دون مواصلة ابداعهم وكتم اصواتهم وتحجيم قدراتهم وتطفيشهم إلى حد ما اوجزه كاتبنا الغيور وكان حسن الظن عنده ان الامر لا يتعدى سوى هذه الفئة من المهندسين الوطنيين ولكن كما افاد في مقاله الثاني «عود على بدء؟!» ان سيلاً من الخطابات والمكالمات انهالت عليه تشكر وتشكو اليه بعد الله هذا المرض العضال الذي استشرى في مجمع الوظائف الحكومية الذي هو في الاصل مجتمع اسلامي تقوم مبادئه على حب الخير للآخرين فلا ضرر ولا ضرار امتثالاً لقول النبي صلى الله عليه وسلم:« والله لا يؤمن احدكم حتى يحب لاخيه ما يحبه لنفسه» وما كان من هذا الكاتب الصالح الا ان يتواصل في كتابته ويعرض ملخصاً لحالتين او تجربتين تمثلان نموذجين في قطاعات اخرى في الدولة واكتفي بذكر رموزها بدلاً من اسمائها حتى لا تمتد يد البطش والتطفيش اليها او الاضرار بها. احدهما عانى من جهازه الاداري بعد خدمة 28 سنة وبحصوله علي درجة الماجستير جفاءً من مرؤسيه لم يستطع احد ان ينقذه منه الا ان تمتد يد الدولة الحانية المشهود لها بحب مواطنيها وتوفير اسباب الراحة لهم لوضع حد لمثل هذه الممارسات الخاطئة وهذا هو الامل المعقود عليها بعد الله، بل ويسترسل في مقالته فيقول ان في مثل هذا السلوك والممارسات الخاطئة لهذه الفئة اهدار للطاقات والخبرات والكفاءات ناهيك عن هدر المال العام واصفاً بأن هؤلاء لم يأتوا من فراغ بل بعد ان انفقت الدولة جل مالها في تهيئة مثل هذه الكوادر الوطنية ولا شك ان هؤلاء الاشخاص الذين يمارسون مثل هذه الضغوط يكشفون عن اوضاعهم وحالاتهم النفسية غير السوية بل معاناتهم من الاشكالات المزاجية والتي غاب عنها في الغالب الوازع الديني، وشر البلية ان يؤتى الفرد من قِبَل من وكل اليهم مسئولية الادارة والمحافظة على تطبيق النظام. ويرى كاتبنا الغيور ان مثل هذه الظاهرة يجب ان يوضع لها حد، ويرى ان العلاج يبدأ من تلك الكفاءات الوطنية التي تعتقد انها متضررة بمرض التهميش والتطفيش وتطالب الجهات الرقابية والعدلية في الدولة بالانصاف وأتساءل هنا هل في المؤسسات التعليمية العالية في ضوء النظام الحاضر والممارسات الحاضرة ما يسمح برفع التظلم الي الجهات المختصة اذا كان عضوها متضرراً بمرض التهميش والتطفيش؟ وقد يعجب القارئ ويصاب المرء بخيبة امل اذا علم ان مثل هذه المؤسسات التي يقف على هرمها الاداري اناس يحملون مؤهلات دراسية عالية وتقع عليهم امانات العدل وتستبشر النفوس بمقدمهم وتعقد الآمال العريضة عليهم يمارسون سياسة التهميش والتطفيش ويفتحون ابواب خلفية ليتسلل اليها المنتفعون واذنابهم، وتعجب ان مثل هذه الممارسات قد تمتد حتى على المتعاقدين الذين لاتتراوح خدماتهم في المؤسسة سوى سنوات معدودة ومع ذلك لا يسلمون من اذاهم بل يطبق في حقهم نظام لجان التحقيق والتأديب وهو صمام النجاة الذي يلجأ اليه المسئولون في هذه المؤسسات لايقاع الاذى على غيرهم واضفاء القانونية والشرعية على تصرفاتهم الخاطئة فيلجأون اليه كلما احبوا الخروج من مأزقهم، ولكن لا تسلم الجرة في كل مرة، فقد يفاجأون بما لا تحمد عقباه، فعندما يعودون الى بلادهم ويرفعون تظلمهم الى حكوماتهم التي تنصفهم فيما بعد فتكون المقولة العربية الصادقة «ان كنت ريحاً فقد لاقيت اعصاراً» حقيقة ماثلة للعيان. ولعلي اذكر رواية زميلي في احدى الجلسات المفتوحة بين رئيس مؤسسة واعضائها ان سأل احد اعضائها عن عدم شغل مثل هذه الوظائف القيادية بكفاءات وطنية متنوعة بدلاً من قصرها على فئة معينة «ذات حظوة» لتسهيل المسيرة الادارية؟ فكان رده بعد ان استشاط غضباً انه يبحث عن رجل مناسب لهذا المكان المناسب ويسكت النقاش وتشرئب الأعناق في انتظار المولد السعيد بل وان يكون لهذا القول مكانة ولكن فاقد الشيء لا يعطيه «ويتمخض الجبل فيلد.. احيمراً» وللقارئ تكملة المثل السائد. وحيث ان هناك الكثير من المتضررين والمنكوبين بمثل هذا التصرف الاداري ويحاولون الاتصال بالمسئول الاداري عله يتفهم داعياً من دواعي التهميش الا انه يفاجئهم بعبارات المجالس كما اوردها كاتبنا الغيور لتهدئة الاعصاب فعلى سبيل المثال ان هذه المناصب القيادية لا يأتي من ورائها الا التعب والمشاكل وتعجب وكأنه لا يفهم النظم الادارية الحديثة والناجحة والتي تلزم صاحب المؤسسة باعطاء فرص التمرس لموظفيها على مختلف اعمال المؤسسة ليتسنى لهم فهم وظيفة مؤسستهم الادارية ودورها الريادي في هذا المجتمع بل ان من دواعي حامل الشهادة العليا في القطاعات التعليمية ان يمارس الى جانب بعمله التدريسي جانب العمل الاداري والبحث العلمي ثم تفاجأ بقراراته تكيل بمكيالين وكأنها ارث شرعي يوزعها كيف ما تشاء ادارته على من يحب بل وكأنه يعتبر هذا المنصب الاداري فرصة لتحقيق وجاهة اجتماعية وعلاقات نفعية تمتد الي ما بعد احالته الى التقاعد. وحيث ان سلبيات هذه السياسة «سياسة التهميش والتطفيش» تنعكس آثارها السيئة على المتضررين وافراد المؤسسة وجو المؤسسة على حد سواء لانها تضر بالعلاقات الشخصية بين افرادها وبالتالي الانتاجية وهي المحصلة الادارية لهذه المؤسسة لان اصحاب الحظوة سوف يتخذون مواقف شخصية خاصة ضد هؤلاء المهمشين وينكلوا بهم حتى يحملوهم على نقل خدماتهم الى جهات حكومية اخرى وحتى ولو كانوا من اصحاب الايادي النظيفة تطييباً لخاطر رئيس المؤسسة ويفسحوا المجال لغيرهم من ذوي القربى لشغل هذه المناصب حتى انك لتجد في بعض الاقسام الادارية ان الرئيس ونائبه ابناء عمومة تيمناً بالمثل السائد «انا وابن عمي على الغريب» فهل وصل بنا هذا السلوك المشين في مؤسسة يؤمل فيها ان تكون مصنعاً للكوادر الوطنية المخلصة يعول عليها مستقبل الامة؟ وهل يتحلى المتضرر بالصبر طمعاً في الفرج واليوم الموعود؟ ثم ماذا بعد هذا اذا تحلى صاحبنا بالصبر؟ هناك وسائل اخرى تسمى ابواق التطفيش واهم من ذوي النفوس الضعيفة والتي دفعتهم اطماعهم الشخصية الى التنديد بزملائمهم كما يقول المثل العربي «لا في العير ولا في النفير»، ونعود الى كاتبنا الغيور والذي يدعو الى حلول عادلة ومنصفة لهذه الفئة المتضررة بدلاً من الجلوس الى الطاولات الخشبية والتمني على الله في انتظار مجهول ينصفهم، فاني اقترح والرأي لذوي الاختصاص ان يتفضل المسئول الاعلى الذي يشرف على تحقيق الاهداف السامية للدولة في المؤسسات والادارات الحكومية الى الاجتماع بهذه الفئة المتضررة في حوار مفتوح بصورة دورية ليطلع بوضوح على حقيقة الامر في حوار تملؤه الصراحة والنية الصادقة لمعالجة هذه الامور بشكل جيد او التحاكم الى الجهات العليا في الدولة وهو آخر العلاج ليمنع هؤلاء العابثين من ممارسة الظلم والتعسف الاداري وتحقيقاً للاجواء الصالحة للممارسات الادارية الصحيحة والسليمة بدلاً من الاقليمية والمحاباة الشخصية، وكلنا امل بعد الله في المسئولين الكرام لتحقيق مثل هذه المطالب. والله من وراء القصد ع.س.العبدالهادي