تشرفت كثيراً بتعقيب والدي الشيخ علي العودة في الجزيرة العدد 11122 وبتاريخ 6/1/1424ه على صفحة عزيزتي الجزيرة وكان موضوع الكاتب في الأصل تعقيباً على موضوع سابق لي بعنوان ليس الأب سبباً في انحراف الابن، وسرني ما خطته يد شيخنا الجليل فأحببت أن أعلق مرة أخيرة على ذلك الموضوع.. وفي الحقيقة يا والدي العزيز إنني ما زلت أقول بأن الأب سبب مباشر في انحراف ابنه. صحيح انه ليس السبب الوحيد في ذلك الانحراف ولكنه سبب قوي ومؤثر ويمكنني هنا أن أذكر بعض الأسباب التي تؤدي إلى انحراف ذلك الابن وتجعله يجنح عن الطريق المستقيم. هناك أستاذي الفاضل أسباب شخصية وأسباب نفسية وكذلك أسباب بيئية اجتماعية وكذلك أسباب اقتصادية وحتى أسباب وراثية تلعب دوراً غير مباشر في انحراف الابن أو الحدث. وإذا أردنا أن نفصل هذه الأسباب لربما احتجنا إلى صفحات وصفحات ولن تكفينا صفحة أو اثنتين أوحتى ثلاث فالموضوع شائك وطويل. وقد ألفت فيه كتب وفتحت من أجله كليات ومعاهد متخصصة ولكن سأحاول وباختصار شديد أن أعطي مثالا لكل جانب من الجوانب أعلاه لتوضيح كيف تؤثر هذه العوامل على الابن أو الفرد عموماً وتجعله يخرج عن الطريق المستقيم.. ففي الجانب الأسري طلاق وانفصال وانحلال وتفكك أسري وإهمال أم وانشغال أب. وفي الجانب الاقتصادي فقر وبطالة وعدم إشباع حاجات ونقص في الرغبات الأساسية شديد. أما ما يتعلق بالجانب البيئي فأصدقاء سوء وفضائيات خلاعية ومدرسة غير تربوية وحارة مليئة بكل وسائل الدمار.. أما الجانب الاجتماعي فلا ضبط اجتماعي وصراع بين عادات وتقاليد سلبية تحكم الفرد لا يستطيع من خلالها ان يعبر أو يحصل على ما يريد بطريقة مشروعة أحياناً فينشأ الصراع النفسي الرهيب عندئذ بين ما هو كائن وما يجب أن يكون، عندها يتمرد الفرد ويحاول الخروج من هذا الأمر الذي يعتبره قيداً فيجنح إلى الخطأ اعتقادا منه أنه على صواب. أما الجانب النفسي فقلق وتوتر واكتئاب وانطواء وعزلة وإحساس بالضعف والدونية ونقص في الشخصية وأخيراً انفجار وجنوح وربما جريمة. أما الجانب الشخصي والدي الفاضل فربما نقص في الذكاء وصعوبة في التعليم والانقياد بسهولة وربما وراثة غير محمودة، ناهيك عن عدم رضا وقناعة ويكمل كل هذا ضعف الوازع الديني. كل هذه الأشياء وغيرها أستاذي الفاضل أسباب في انحراف الابن وليس الأب فقط وكما أسلفت لو أسهبنا في كل واحدة منهن لاحتجنا إلى كتاب.. ولكني أعود وأكرر بأن الأب يلعب دوراً رئيسياً في كل هذه الجوانب ويلعب دوراً كبيراً في حماية ابنه من معظم هذه الأمور بعد توفيق الله. صحيح أن هذا صعب جداً خصوصا في حدوث بعض الأمور التي لا يكون للأب تدخل مباشر فيها ولكن ليعمل ما يستطيع أن يعمله بإخلاص وتفان دون كلل أو ملل وتذمر، وليترك الباقي للمولى سبحانه وما ضاع جهد مجتهد ولا تعب لمكدود بإذن الله. أما فيما يخص الحديث الشريف ما من مولود إلا ويولد على الفطرة فأعتقد أن الحديث لا يقرأ أو يفهم من ظاهره فقط وهو ليس حكراً على التأثير الديني في المولود فقط وإنما هو أعم وأشمل من ذلك بكثير فهو يعني تأثير الوالدين على الابن في جميع ما يتصل بشخصيته وسلوكه وتصرفاته المستقبلية والرسول صلى الله عليه وسلم لم يقل في الحديث أسرته ومجتمعه أو بيئته وإنما قال أبواه وهذا دليل عظيم على تأثير الأبوين في أبنائهما سواء أكان ذلك التأثير سلباً أو إيجاباً. والدي العزيز لو عزلنا مولوداً عند ولادته عن والديه تماماً وعن كل المجتمع الإنساني الذي يحيط به يا ترى كيف سيخرج ذلك الطفل بالتأكيد سيخرج لا يعرف شيئاً البتة بدءاً من الكلام والمشي والتصرفات الإنسانية وحتى الدينية أياً كانت وربما كان أي كائن آخر غير الإنسان. ألست معي في هذا؟ وهذا دليل آخر على أن تأثير الوالدين يأتي أولاً قبل كل الأسباب الآنفة الذكر.. والدي العزيز لو قدر لك وذهبت إلى إحدى دور الرعاية أو الأحداث وسألت عن أسباب وجود ذلك الحدث في ذلك المكان لعرفت أن هذا الابن جاء إلى هنا بسبب أم مهملة أو أب مشغول بالدنيا أو أن والديه مطلقين أو منفصلين أو هناك تفكك وانحلال في الأسرة أو قسوة لا تطاق وضرب وإهانات وتقريع على كل صغيرة وكبيرة وهناك مصادرة رأي وحرية فكر وعدم معرفة بالتعامل الأمثل مع ذلك الابن أو هناك حتى دلال ودلع يفوق الحدود وكل هذه العوامل أو بعضها ترتب عليها أمور أخرى جعلت ذلك الابن ينحرف ويودع في تلك الدار. فالعوامل السالفة الذكر منشؤها جميعاً الأسرة والأب ربى تلك الأسرة وهو المسؤول الأول وقائد السفينة فإن قادها بسلام سلم وسلم من معه وإلا هوت بالجميع إلى قاع سحيق لا يعلم مستقره إلا المولى سبحانه.. وأما بيت الشعر الذي يقول «وينشأ ناشئ الفتيان منا» فهو صحيح تماماً ولا أعتقد بأنه يعني فقط أن يعود الأب ابنه على الأشياء الجليلة فقط ولكن العادة هنا تشمل السيء والجيد على حد سواء، فكما يعود الأب ابنه على الصلاة فإنه يعوده على الكذب ولو بطريقة غير مباشرة وتكفي كلمة اذهب وقل لفلان أن أباك غير موجود. ولكن لا أدري لماذا دائماً ننظر للأمور بعين واحدة وهي عين الرضا إذا كانت في صالحنا وعين السخط إذا كانت غير ذلك.. وأخيراً والدي الفاضل أنت قلت «إذا رأينا شاباً مستقيماً لا ننسب ذلك إلى أبيه فقط وإنما ننسب ذلك إلى تجاوب الابن وهدايته وإذا رأينا شاباً منحرفاً فإننا بالطبع لا ننسب ذلك إلى أبيه.. حتى قلت لكن الانحراف قد أتى للابن من قبل نفسه لأسباب متعددة ولعصيانه لأبيه» يا عجباً ننسب استقامة الابن لأبيه ولهداية الابن وتجاوبه يا ترى من أين جاءت هداية الابن وتجاوبه وما هي أسبابها والأشياء التي أدت إليها وهل جاءت هكذا من فراغ.. ولو لم يكن الأب له دخل مباشر فيها هل سيتجاوب الابن.. ولو ربى الأب ابنه تربية سيئة هل سيخرج الابن صالحاً؟ وكذلك لماذا نجير أسباب الانحراف إلى الابن نفسه فكيف يأتي إليه الانحراف هكذا دون أسباب فما ينطبق على الهداية يفترض أن ينطبق على الانحراف وإلا كيف يكون الأب سبباً في استقامة ابنه ولا يكون سبباً في انحرافه؟ وهنا ظلم عظيم للابن وإعفاء كبير للأب من المسؤولية وهذا لا يجوز. ولو عاش هذا الابن في أسرة صالحة بقيادة أب صالح وموجه حكيم ومرب فاضل هل سينحرف ذلك الابن.. وقلت أستاذي الفاضل إن الانحراف جاء للابن لأسباب متعددة نعم أنا معك في ذلك ويأتي على رأس تلك الأسباب أب مهمل.. أخيراً سؤال أتمنى أن أجد له إجابة ولو أنها صعبة ولن تكفيها مجرد سطور.. يا ترى ما الذي جعل ذلك الابن براً طيعاً مستقيماً ملتزماً ومسؤولاً؟ وجعل ذلك الابن الآخر عاقاً منحرفاً سيئاً؟ أما بخصوص عقوق الأبناء للآباء فأعتقد أن ما تفعلونه لآبائكم يفعله بكم أبناؤكم والحياة سلف ودين ولو لم يعق الآباء أبناؤهم في بداية الأمر لما عقهم أبناؤهم في نهايته. وللاستزادة في هذا الموضوع أرجو العودة إلى عدد الجزيرة 11124 وتاريخ 11/1/1424ه على الصفحة 30 موضوع للشيخ عبدالله الغميجان. عبدالرحمن عقيل حمود المساوي