لقد نهج بعض الشباب وبعض الجماعات هداهم الله وأصلحهم بمنه وجوده وإحسانه منهج القيام بتفجيرات في مبان حكومية أو أهلية، والقيام باغتيالات لأشخاص مسؤولين أو غير ذلك من مستأمنين ومعاهدين، قائلين ان هذا نوع من الجهاد فيرى استباحة الأموال والأنفس والقيام بأعمال جهادية ضد الحكومة أو ضد الحاكم الذي يحكم بكفره، ويرى أنه مأجور على عمله هذا. نسأل الله العافية. ولا شك أن ظاهرة التفجير والاغتيال والاختطاف تؤدي إلى الفوضى وترويع الآمنين، وإخلال الأمن، وتجعل الناس كلهم في خوف وعدم استقرار، لأن من يريد أن يدخل إلى مبنى حكومي أو غيره فإنه يخاف من حدوث انفجار في هذا المبنى، وإن مشى بسيارته يخاف من حدوث اغتيال أو قتل له أو تفجير لسيارته، وإن ركب طائرة يخاف أن تكون هذه الطائرة قد خطط لها من قبل بالاختطاف أو التفجير، وهكذا تتعطل الحياة ولا يعمل الناس في راحة واطمئنان. وهنا لا بد من طرح عدة أسئلة: - لماذا قتل واغتيل؟ - وهل ذلك لكفره وردته؟ أو لكونه يصول على المال والعرض والدين؟ - وله استتيبب؟ - ومن الذي استتابه؟ - وهل نستبعد وقوع القتل للآخرين أثناء الاغتيال؟ - ثم ما المصلحة من وراء ذلك؟ وهل هذا هو الاسلوب المناسب لتحقيق المصالح؟ - وهل يجوز الغدر؟!! فكل هذه الأسئلة وغيرها كثير يجب الإجابة عنها قبل الأقدام على عمل من هذه الأعمال. لأنهم عندما يخرجون يقتلون نفوساً حتى يحققوا شيئاً واحداً وهو مضايقة الحاكم، فهم يستحلون دماء أناس مسلمين ممن يوالون هذا الحاكم ويعملون في نطاق حكومته. فلماذا يستحلون دماءهم؟ لأن هذا الحاكم لا يحكم بشرع الله. لأن هذا الحاكم يحكم بالقوانين الوضعية. ولأن هذا الحاكم يوجد في بلده الخمر علناً والفواحش ظاهرة. ونسأل أولئك الذين يقومون بمثل هذه الأعمال: ماذا جنوا؟ وماذا استفادوا؟ وما النتيجة التي حصلوا عليها من قتل روح مسلم أو مستأمن أو معاهد من أهل الذمة؟ لقد جاء في الحديث :«لذهاب الدنيا كلها أهون من سفك دم امرئ مسلم». إن هؤلاء الذين يتصرفون مثل هذه التصرفات لا يقِّدرون هذه النتائج، إننا ندعوهم إلى بيان النتائج التي حققوها منذ أن بدأت مسألة الخروج على الحاكم، والتي يترتب عليها القيام بأعمال تخريبية كتفجير واغتيال واختطاف ونحو ذلك. أليست النتيجة الملموسة هي الفساد العظيم والضرر الكبير بالعامة وتخريب الممتلكات واختلال الأمن وإزهاق الأرواح. أليس هذا الأسلوب دعوة للفوضى وفتح باب لهتك الأعراض وانتهاك الحرمات باسم الجهاد؟ أليس فيه اعطاء الفرصة للمجرمين لتحقيق مآربهم الاجرامية وعزوها لهذه الفئة التي تقتل وتفجر بدافع ديني؟ وهنا مسألة مهمة: فقد يرى البعض أن القيام بمثل هذه الاعمال نوع من الجهاد، وأن القائم بعمل مثل هذا التفجير أو الاغتيال إذا قتل فإنه يعتبر شهيداً في سبيل الله، ولبيان هذه المسألة وهل هذا نوع من الاستشهاد، فعلينا أن نعرف: ما الاستشهاد في سبيل الله؟ يقول فضيلة الشيخ أبو بكر الجزائري الواعظ بالمسجد النبوي الشريف بالمدينة. «هناك شرط أساس لازم وهو : أن يكون القتال بإذن إمام المسلمين وتحت راية قائدهم. فلو أن مسلماً رأى أن يقاتل وحده أو مع أفراد وبدون إذن إمام المسلمين فإن قتاله باطل، وإن مات لايعد شهيدا أبداً، وذلك لنقصان شرط إذن الإمام بذلك، ولاسيما إن كان هناك معاهدة بين المسلمين والكافرين بإيقاف الحرب وعدم الاعتداء فضلاً عن القتال. ومن هنا فإن الاغتيالات والتفجيرات التي تأتي على الصغير والكبير والذكر والأنثى، التي يقوم بها بعض الشباب المسلم في بلاد المسلمين وخارجها، تحت شعار الجهاد وقتال الظلمة المحكمين لغير ما أنزل الله، والمطالبة بتحكيم الإسلام، وإقامة الحكومة المسلمة، كل هذا العمل باطل وفاسد ولا يصح نسبته إلى الإسلام شرع الله ودينه الحق بحال، ولا يحل لمسلم إثباته، ولا تأييده، ولو بكلمة أو درهم: إن هو إلا من الظلم والشر والفساد في الأرض. وفوق ذلك- والله- لا يحقق خيرا أبداً، فضلا عن إيجاد حكم إسلامي وحكومة مسلمة، والواقع شاهد. ونظرة خاطفة إلى سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه تؤكد هذه الحقيقة وتوجبها. إن النبي صلى الله عليه وسلم قد قضى ثلاث عشرة سنة في مكة بعد بعثته يعاني هو وأصحابه من أذى المشركين وعنادهم وكبريائهم، ولم يشأ أن يقول يوماً لأحد أصحابه اغتل فلاناً، أو اقتل فلانا قط، وهاجر بدينه ونفسه إلى المدينةالمنورة، نزلها مقيما بها، ولم يأمر أحدا من أصحابه بقتل أو اغتيال أحد من أعدائه، حتى نزل أمر الله تعالى بذلك في قوله عز وجل:{أٍذٌنّ لٌلَّذٌينّ يٍقّاتّلٍونّ بٌأّنَّهٍمً ظٍلٌمٍوا وّإنَّ اللهّ عّلّى" نّصًرٌهٌمً لّقّدٌيرِ}، وذلك بعد أن تكونت الأمة بقيادتها الرشيدة الحكيمة. هذا حكم عام فليعلمه المسلمون، وخصوصاً علماءهم المحتارين في الحكم على هذه التفجيرات والاغتيالات، وما أدت إليه من إزهاق الأرواح، وما ملأت من سجون، وما جرت على الإسلام من عيب ووصمة عار، وهو من ذلك براء». هذه هي الشهادة في سبيل الله كما بينها لنا الشيخ أبو بكر الجزائري حفظه الله، فماذا بعد الحق إلا الضلال المبين؟ وفيما يلي نبين بعض الأمثلة الواقعية على أعمال التخريب والتي نشاهدها ونسمعها كل يوم عبر وسائل الإعلام مع بيان حكمها وأقوال العلماء فيها: أولاً: قتل السفراء والدبلوماسيين: لا يجوز قتل السفراء والدبلوماسيين ولا أخذ أموالهم إذا دخلوا بأمان، وفي ذلك يقول ابن قدامة في المغني:«وإذا دخل حربي دار الإسلام بأمان فأودع ماله مسلما أو ذميا أو أقرضهما أياه ثم عاد إلى دار الحرب، نظرنا فإن دخل تاجرا أو رسولا أو متنزها أو لحاجة يقضيها ثم يعود إلى دار الإسلام فهو على أمانه في نفسه وماله لأنه لم يخرج بذلك عن نية الإقامة بدار الإسلام فأشبه الذمي إذا دخل لذلك». والسفير أو الرسول مثل المستأمن، سواء أكان يحمل الرسائل، أو يمشي بين الفريقين المتقاتلين بالصلح، أو يحاول وقف القتال لفترة يتيسر فيها نقل الجرحى والقتلى، أو غير ذلك من المهمات التي يطلق عليها وصف الدبلوماسية، ومن يقوم بها يأخذ اسم الدبلوماسيين في اصطلاح العصر. وقد أخرج أحمد وأبو داود من حديث نعيم بن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرسولي مسيلمة:«لولا أن الرسل لا تقتل لضربت أعناقكم». وكان الرسول صلى الله عليه وسلم قد قرأ كتاب مسيلمة، وقال لهما:«ماتقولان أنتما»؟ قالا: نقول كما قال، أي : أنهما يقولان بنبوة مسيلمة الكذاب. ولما أوفدت قريش أبا رافع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فوقع الإيمان في قلبه فقال: يا رسول الله لا أرجع إليهم، وأبقى معكم مسلماً، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم :«إني لا أخيس العهد ولا أحبس البرد فارجع إليهم آمنا فإن وجدت بعد ذلك في قلبك ما فيه الآن، فارجع إلينا». وفي كتاب الخراج لأبي يوسف والسير الكبير لمحمد:«انه إن اشترط للرسول شروط وجب على المسلمين أن يوفوا بها، ولا يصح لهم أن يغدروا برسل العدو، حتى ولو قتل الكفار رهائن المسلمين عندهم، فلا تقتل رسلهم لقول نبينا:«وفاء بغدر خير من غدر بغدر». وسئل فضيلة الشيخ ابن جبرين: هل يعتبر الاغتيال لمسؤول في الدولة وغيره من الغدر؟ وهل يجوز اغتيال الكافر؟ فأجاب وفقه الله تعالى وحفظه: لا يجوز قتل الغدر للمستأمن أو المعاهد أو الذمي، فضلا عن المسلم، فقد ورد في الحديث:«من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة» فإن كان المقصود رئيسا أو مسؤولا كان الإثم أكبر، وذلك أنه قد تعين كرئيس لشركة أو مؤسسة، فقتله فيه افتيات على الدولة، وإذا قدر أنه صدر منه شيء من الأذى فيرفع بأمره إلى المحاكم الشرعية لينفذ فيه حكم الله تعالى. ثانيا: اختطاف الطائرات والسفن والأشخاص: إنها صورة من صور الهمجية ومن اتباع سبيل المجرمين، حيث يتم التترس بالأبرياء وتعريض أرواحهم لخطر سواء كانوا رجالا أو نساء كبارا أو صغارا من المسلمين أو معصومي الدم، وفي هذا الفعل غدر مذموم وترويع للآمنين وإيقاف لمصالح البلاد والعباد ولا تسفر مثل هذه الأفعال عن مصلحة ولذلك نقول بتحريمها وتجريمها. قال النبي صلى الله وسلم:«عذبت امرأة في هرة حبستها حتى ماتت فدخلت فيها النار وقيل لها: لا أنت أطعمتها ولاسقيتها حتى حبستها، ولا أنت أرسلتها فأكلت من خشاش الأرض». إن صنيع هذه المرأة مظهر من مظاهر قسوة القلوب وانتزاع الرحمة منها والرحمة لا تنزع إلا من قلب شقي وفعل هؤلاء لا يقل عن فعل هذه المرأة. وعلى العكس من ذلك فقد روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«بينما رجل يمشي فاشتد عليه العطش فنزل بئرا فشرب منها ثم خرج، فإذا هو بكلب يلهث يأكل الثرى من العطش فقال: لقد بلغ بهذا مثل الذي بلغ بي فملأ خفه ثم أمسكه بفيه، ثم رقى فسقى الكلب فشكر الله له فغفر له، قالوا يا رسول الله: وإن لنا في البهائم لأجرا؟ قال: في كل كبد رطبة أجر». فاعتبروا يا أولي الأبصار. يقول سماحة الشيخ العلامة ابن باز رحمه الله تعالى: «فمن المعلوم لدى كل من له أدنى بصيرة، أن اختطاف الطائرات وبني الإنسان من السفارات وغيرها، من الجرائم العظيمة العالمية، التي يترتب عليها من المفاسد الكبيرة، والأضرار العظيمة، وإضاقة الابرياء وإيذائهم ما لا يحصيه إلا الله. كما أن من المعلوم أن هذه الجرائم لا يخص ضررها وشرها دولة دون دولة ولا طائفة دون طائفة بل يعم العالم كله. ولا ريب أن ما كان من الجرائم بهذه المثابة، فإن الواجب على الحكومات والمسؤولين من العلماء وغيرهم أن يعنوا به غاية العناية، وأن يبذلوا الجهود الممكنة لحسم شره، والقضاء عليه».