انشغلت وكالات الأنباء العالمية بحادث مقتل السفير الروسي على يد أحد أفراد رجال الأمن التركي، وقد أخذ هذا الفعل مداً وجزراً بين المؤيدين والمعارضين، وأخذت العواطف والأيديولوجيات من الحدث مأخذها. ولكن المنطوق الشرعي يجب أن يكون حاضراً ويذاع للعالم أجمع، حتى يعلم الجميع سماحة الإسلام الذي هو وسط بين العواطف غير المنضبطة، والأيديولوجيات الحزبية. فالإسلام لا يفهم من حيث القتل والتعدي على الناس بالباطل، كما أنه لا يفهم من حيث إغفال النصوص والقواعد الشرعية والعمل بالعواطف والأحاسيس البشرية غير المنضبطة بالضوابط الشرعية. وقتل السفير الروسي هذا، فعل فاسد وباطل مستند لتأويل فاسد، فكل الآيات والأحاديث الوارد فيما كُُتب تأييداً لاغتياله ليست صريحة في الحكم أو صحيحةً في المعنى، ولهذا تأوُّل كُتَّابها ما تأوله لتحريف المعنى. وحكم قتل الرسل (سفراء الرؤساء والدول) في الإسلام محرم ولا يجوز لحديث رِفَاعَةَ بْنِ شَدَّادٍ، قَالَ: كُنْتُ أَقُومُ عَلَى رَأْسِ الْمُخْتَارِ، فَلَمَّا تَبَيَّنَتْ لِي كِذَابَتُهُ، هَمَمْتُ ايْمُ اللهِ أَنْ أَسُلَّ سَيْفِي، فَأَضْرِبَ عُنُقَهُ، حَتَّى تَذَكَّرْتُ حَدِيثًا حَدَّثَنِيهِ عَمْرُو بْنُ الْحَمِقِ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: " مَنْ آمَنَ رَجُلًا عَلَى نَفْسِهِ فَقَتَلَهُ، أُعْطِيَ لِوَاءَ الْغَدْرِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ". وكما في حديث نعيم بن مسعود الأشجعي رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قرأ كتاب مسيلمة الكذاب، قال للرسولين: (فما تقولان أنتما؟) قالا نقول كما قال، فقال صلى الله عليه وسلم (لولا أن الرسل لا تقتل لضربت أعناقكما) أخرجه أحمد وأبو داود. وقال في عون المعبود: "فيه دليل على تحريم قتل الرسل الواصلين من الكفار، وإن تكلموا بكلمة الكفر في حضرة الإمام. وقال ابن قدامة في المغني "ويجوز عقد الأمان للرسول، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يؤمن رسل المشركين، ولما جاء رسول مسيلمة قال لولا أن الرسل لا تقتل لقتلتكما، ولأن الحاجة تدعو إلى ذلك، فإننا لو قتلنا رسلهم لقتلوا رسلنا، فتفوت مصلحة المراسلة". وكان صلى الله عليه وسلم يشتد غيظه إذا قتل الأعداء أحد رسله، فقد أخرج ابن سعد انظر الطبقات الكبرى وبن حجر في فتح الباري أن رسول الله بعث الحارث بن عمير الأزدي إلى ملك بصرى بكتاب، فلما نزل مؤتة عرض له شرحبيل بن عمرو الغساني، فقتله… فاشتد ذلك عليه، وكان ذلك هو السبب في غزوة مؤتة. وأخرج أخرجه البيهقي وصححه بن حبان عن ابن مسعود قال: "مضت السنة أن الرسل لاتقتل". والقتال الشرعي ليس هو الذي يقوم به أفراد من الشعوب دون ولي حاكم "مبايع أو متغلب" وراية شرعية، بل لا قتال إلا بإمام وراية. ثم أن الواجب هو تغليب جانب السياسة الشرعية وتقدير المصلحة والمفسدة المترتبة في الأمرور الأمور الاجتهادية والنوازل العصرية، والنظر في المآلات الشرعية "الظنية واليقينية". وهذا الفعل هو غيلة، والغيلة في الإسلام محرمة تحريماً قطعياً لقوله -صلى الله عليه وسلم- "ينصب لكل غادر يوم القيامة عمد مؤخرته لواء يقال هذه غدرة فلان بن فلان" رواه مسلم. ومن أدب الجهاد الشرعي "لا تغدروا". والإسلام حرم قتل كل معاهد ومستأمن وذمي. والمعاهد: هو من أخذ عليه العهد من الكفار. والمستأمن : هو من دخل دارنا منهم بأمان ( كالتأشيرة الآن ). والذمي : هو من استوطن دارنا بالجزية. وقد قال صلى الله عليه وسلم ( ألا من ظلم معاهداً أو انتقصه أو كلفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئا بغير طيب نفس فأنا حجيجه يوم القيامة). رواه أبو داود والبيهقي وهو حسن. وهذا لا يتنافي مع تعاطف الجميع فيما يحصل في حلب اليوم، إذا أن ما يحدث في حلب جريمة بشعة ومنكر عظيم وحرب كافرة، وروسيا وإيران وحزب الله اللبناني وداعش وفرق الخوارج ودعاة الفتنة هم السبب الأول في مصائب الشام عامة وحلب خاصة. والمسلم الصادق هو من يتبع الطرق الشرعية في مسائل النوازل والاجتهادات الحديث بسياسة شرعية ونظرة فقهية متجردة للمآلات والمصالح والمفاسد.