الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وبعد: في مقالات مضت تناولت بالبيان بعض الشبهات التي يتعلق بها هؤلاء الذين غرر بهم من أبناء المسلمين فأساءوا إلى دينهم ومجتمعاتهم بسببها، ولا شك أن الفتن على قسمين فتن شبهات وتكون في العقيدة والدين، وفتن شهوات وتكون في الأفعال والسلوك والأخلاق، ويروج هذه الشبهات بقسميها أعداء الإسلام والمسلمين، كما قال الله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُواْ مَا هُم مُّقْتَرِفُونَ} وقال تعالى: {وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَآئِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} والمسلم على خطر من هذه الشبهات أن تؤثر عليه وتضله، فهذا إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام خاف على نفسه من فتن الشبهات فقال: (وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ) ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم يقول: (يا مقلب القلوب والأبصار ثبت قلبي على دينك) والراسخون في العلم يقولون: {رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا} ولا شك أن هذه الشبهات يجب أن تعرض على أهل العلم ليكشفوا زيفها ويبيّنوا بطلانها حتى يسلم المسلمون من شرها وشر أهلها ولا تعرض على الجهال وأنصاف المتعلمين أو تعرض على علماء الضلال فإن هؤلاء لا يزيدونها إلا شراً، ونحن الآن في فتن عارمة استهوت كثيراً من شباب المسلمين فنتج عنها التخريب في بلاد المسلمين وقتل الأبرياء من المسلمين والمستأمنين وإتلاف الأموال والممتلكات. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام) وقال عليه الصلاة والسلام: (كل المسلم على المسلم حرام، دمه وماله وعرضه) ودماء المستأمنين من الكفار وأموالهم كدماء المسلمين وأموالهم فلا يجوز قتل المستأمن عمداً وإن قتل خطأ فإنه على القاتل الدية والكفارة، قال صلى الله عليه وسلم في قتله عمداً: (من قتل معاهداً لم يُرح رائحة الجنة) وقال تعالى في قتله خطأ {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلاَّ خَطَئًا وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَئًا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلاَّ أَن يَصَّدَّقُواْ فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ وَهُوَ مْؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةً فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِّنَ اللّهِ وَكَانَ اللّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا} وهذا يدل على وجوب وفاء المسلمين بالعهود وتحريم الغدر بها حتى مع الكفار (إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً) وهؤلاء الذين يقتلون الكفار في بلاد المسلمين قد خالفوا الكتاب والسنّة وعصوا الله ورسوله وعملهم هذا غدر وخيانة وإن سموه جهاداً فهو جهاد في سبيل الشيطان وشبهتهم في ذلك عموم حل دم الكافر وماله ولم يعلموا ان هذا الحكم خاص بالكافر الحربي دون الكافر المعاهد والمستأمن والذمي، كذلك من شبهتهم في قتل رجال الأمن المسلمين ان الصائل يقتل دفعاً لشره. ولم يعلموا أنهم هم الذين ينطبق عليهم حكم الصائل لأنهم يصولون على المسلمين والمستأمنين، ورجال الأمن هم الذين يدفعون الصائل في هذه الحالة ولو أنهم كفوا أذاهم عن المسلمين ولم يشهروا السلاح في وجوه المسلمين لما تعرض لهم رجال الأمن، ففي الحقيقة هم الصائلون الذين يجب دفع شرهم عن المسلمين ورجال الأمن لهم الأجر في ذلك ومن قُتل من رجال الأمن فإنه ترجى له الشهادة في سبيل الله لأنه يدفع الصائل عن نفسه وعن المسلمين. ومن شبه هؤلاء المخربين أنهم يقولون إن دول الكفر تقتل المسلمين وتشردهم ونحن نقتل هؤلاء الكفار الذين يقيمون في بلاد المسلمين انتقاماً من الدول الكافرة التي تقتل المسلمين، ونقول لهؤلاء أولا: هؤلاء الكفار المقيمون في بلادنا بالأمان والعهد يحرم قتلهم بموجب العهد والأمان (من قتل معاهداً لم يُرح رائحة الجنة) رواه البخاري وغيره وهذا وعيد شديد لأن هذا العمل غدر وخيانة. ثانياً: هذا العمل من قتل الأبرياء الذين لم تحصل منهم إساءة في حق المسلمين والله تعالى يقول: (وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) وإنما هذا من فعل الجاهلين وإذا كنتم تزعمون أن هذا العمل انتقام من الكفار فأنتم تمشون في مخططاتهم فهم الذين يزرعون التخريب في بلاد المسلمين ويدربون المخربين، أليسوا يؤون المطاردين أمنياً من بلاد المسلمين ويحمونهم ويفسحون لهم المجال في بث الدعايات السيئة ضد المسلمين ويسمونهم بالمعارضين، فلا تكونوا عوناً للكفار على المسلمين وجنداً لهم. وختاماً: أحذرُ شباب المسلمين من الانخداع بهذا الفكر المنحرف وادعو من انخدعوا به إلى التوبة والرجوع إلى الصواب والانضمام إلى إخوانهم وبلدانهم فالرجوع إلى الحق خيرٌ من التمادي في الباطل وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.