يبدو.. والله أعلم، أن وراء الأكمة ما وراءها.. ! أقصد: أكمة الموظفين في بعض الأجهزة والمؤسسات العامة والخاصة. فالمداخلات التي أعقبت مقال يوم الأحد، الموافق (26 من يناير الفارط)، ثم مقال الأسبوع الماضي، فيها دلالات وإشارات كافية، لخلق شعور من نوع خاص، بوجود قنوات مفقودة، أو حلقات مشروخة، بين طرفين وظيفيين، يفترض أن يشكلا معاً، قطباً واحداً لا قطبين، في عملية تسيير العمل الوظيفي، وذلك بدافع المصلحة العامة، وليس المصلحة الفردية الخاصة.. الطرف الأول بطبيعة الحال: هو رأس الهرم في الهيكل الإداري، والطرف الثاني، هو قاعدة هذا الهرم من المرؤوسين. .. ومثلما رأينا سابقاً، فإن قضية عشرين مهندساً سعودياً جامعياً، تم تهميشهم منذ أكثر من عامين، في جهاز بلدية الطائف، هذه القضية الفريدة الغريبة، أخذت تتفاعل على أكثر من صعيد، وفي مقدمة هذه الصُعُد، صعيد الموظفين أنفسهم في أكثر من جهاز خاص وعام، لأن حالة تهميش موظف ما، صغيراً كان أم كبيراً، هي في جوهرها وحقيقتها، «إقصاء» له. بل حكم تعسفي جائر، يقضي على انسان منتج وظيفياً وأكاديمياً، بالموت البطيء. لأن المسألة كما يقول واحد من المتداخلين في هذه الحالة، لا تنحصر في وظيفة ومرتب شهري، بقدر ما هي ممارسة حقيقية لمقتضى الكفاءة العلمية، وسلوك انساني مشروع، لاثبات الذات، والعمل من خلال الوظيفة المرضية، على تحقيق الشعور بالقيمة في الوسط العام. .. والجديد اليوم في هذا الموضوع، أن بعض الموظفين، ممن تعرضوا لهذا الاقصاء التعسفي القهري من رؤسائهم في العمل، يعيدون أساس المشكلة هنا، إلى «نظام الخدمة المدنية»..! الذي صدر منذ «35» عاماً، وظل كما هو، دون تحديث أو تجديد أو تطوير..! وهذا يعني فيما يعني، أن هناك ثغرات في هذا النظام القديم، أصبحت مع مرور هذا الوقت الطويل، مكشوفة معروفة، لمن يريد تسخيرها لمصلحته، وبعضها يستخدم كأداة من قبل رؤساء أجهزة، إما لتجميد بعض مرؤوسيهم، أو لنقلهم وزحزحتهم وفق مزاجية فردية خاصة، ليس للمصلحة العامة فيها دخل البتة. .. الأخ القارئ، «عبد الله بن أحمد الجازع» من جدة يقول: قرأت مقالك، وأعترف لك أني أحد المتضررين من المحسوبية والمزاجية التي تعم كافة الدوائر الحكومية، ولعل مقالة مثل مقالتك هذه، تكون مفتاحاً لطرح المشكلة بشكل أكبر، ولكن يجب أن تدور المقالات في هذا الخصوص، حول السبب الرئيس في هذا «التهميش» والتقريب هنا بشكل متعاكس، لا يخدم الوطن لا من قريب ولا من بعيد، وبحكم أني واقع في ذات المشكلة، فإني أرى أن السبب لا يعود فقط للمزاجية، ولا للمحسوبية، ولكن ذلك عائد بدرجة كبيرة، لنظام «الخدمة المدنية»، الذي مضى على صدوره، «35» عاماً» فلم يتغير أو يتجدد من ذلك التاريخ، مما جعل الموظف الكفء المجتهد، يشعر باليأس والاحباط، خاصة وهو يرى غيره من الكسالى غير الأكفاء، يتسنمون هرم القيادات الوظيفية حوله، فتتردى بسببهم أجهزتهم، وتتزايد الشكاوى يوماً بعد يوم. وفي اعتقادي، فإن الوقت قد حان، لتغيير هذا النظام بما يتماشى مع روح العصر، وتوسع النظريات العلمية والادارية، التي يأخذ بها كثير من البلدان المتقدمة وتنفذها. .. وهذا الأخ «ظاهر العبدلي» من القريات. موظف في جهاز حكومي، يقول: أنا أحد المتابعين، بل والحريصين جداً على قراءة ما تكتبه في صحيفة «الجزيرة»، وذلك منذ فترة طويلة، وحقيقة.. تعجبني وتشدني في الوقت نفسه، أكثر مقالاتك، وخاصة التي تتناول فيها، بعض القصور في الخدمات العامة، وهذا القصور في رأيي المتواضع، ناتج من الأفراد الذين يطبقون النظام على الواقع وليس من النظام نفسه. .. ثم يضيف: أحببت أن أطلعك على بعض هذه السلبيات، وهي موجودة في أغلب الدوائر الحكومية الخاضعة لنظام «الخدمة المدنية»، وأنا أحد الموظفين الذين عانوا منها، ألا وهو موضوع «الترقية»، حيث من شروط الترقية، مباشرة الموظف في المرتبة المرقى عليها في المكان التي توجد هي فيه، وهذا شرط عام.. ولكن السؤال هنا، على من يطبق هذا الشرط؟! إنه يطبق على صغار الموظفين أمثالي، مما جعل أغلبنا يعتذر عن هذه الترقية..! لأن راتبه لا يكفيه وهو في مدينته وفي داره، أو عند أهله بالبيت، فكيف إذا انتقل بعيداً، حيث يلزمه سكن جديد، وسيارة.. إلى غير ذلك.. بينما هناك موظفون لا يطبق عليهم هذا الشرط، بل وتأتي المرتبة الى حيث يريدون..! وفي نفس أقسامهم وتواريخ استحقاقهم للترقية..! أتدري من هم هؤلاء..؟ إنهم أصحاب «الواسطات»..! فأين النظام من هؤلاء الموظفين..؟ وأين وزارة الخدمة المدنية منهم..؟! ولماذا علينا نحن صغار الموظفين فقط، يجري التطبيق الحرفي للنظام دون الآخرين..؟! .. ثم يختم قائلاً: «صدقني يا أستاذ، هذه حقائق واقعة وليست قصصاً تروى..! أرجو أن تطرح هذا الموضوع في احدى مقالاتك، عسى أن يطلع عليه مسؤول يقدر المسؤولية، وينظر إلى وضعنا في ظل نظام «الخدمة المدنية». .. وأقول للأخوين الكريمين، «العبدلي والجازع»، وكذلك للآخرين الذين كتبوا إليّ في هذا الموضوع، بأني عندما تناولت قضية «المهندسين المهمشين» في بلدية الطائف، لم يدر بخلدي نظام «الخدمة المدنية» وقتها، وما ربطت بينه وبين ما وصلني من مداخلات قبل هذه، وتناولت بعضاً منها في مقال الأحد الماضي، ولكن الاشارة الى نظام صدر قبل «35» عاماً، وما زال العمل به دون مراجعة أو تصحيح أو تجديد أو تطوير، مسألة فيها نظر، وأصبحت من هذه اللحظة، على يقين تام، بأن هناك رابطاً ما، بين ما يقع لموظفين أكفاء في بعض الأجهزة، من تهميش وتطفيش، أو اقصاء وتجميد، وبين نظام قديم أكل الدهر عليه وشرب، ومثلما أشار الأخ «الجازع» أعلاه، لابد من مراجعة سريعة لهذا النظام، على ضوء ما جَدَّ في هذا العالم، من نظريات وأساليب علمية، حتى نوفر مرجعية تنظيمية وقانونية، تحفظ حقوق الموظفين، وتضع حداً للمستهترين والمتطاولين، سواء من الرؤساء أو من المرؤوسين. [email protected]