الخير كلمة جامعة ذات دلالات مرغوبة، ومنها انه فعل جميل ييسره الله على ايدي البشر لما فيه خيرهم في الدارين، الحياة الدنيا والحياة الآخرة، وبالطبع فان الشر على النقيض من ذلك اذ هو ضد الخير، فهو الفعل المظلم الذي يجلب التعاسة للبشر في الدارين، ولهذا لا عجب ان كان هناك صراع بين الخير والشر، او بالاحرى بين اهل الخير واهل الشر، فهما طرفان على حافتي نقيض لا يلتقيان ولا يجتمعان، ولا تربطهما رابطة الا رابطة كونهما فعلين بشريين. وبطبيعة الحال فان الامور نسبية، فما يعتبره انسان خيراً، قد يعتبره آخر شراً، وذلك حسب ثقافته، ومعتقده، ودينه، ومجتمعه، وحالته النفسية والاجتماعية، وغير ذلك من الامور، ولذلك كان لابد من وجود امر تنسب له القضايا، ويكون فيصلاً تحسب وفقه مقاييس الخير والشر، وخير الاحتكام هو ما كان من الله تعالى، وهو دين الاسلام الحنيف الذي انزله الله تعالى منهجاً ربانياً لصلاح البشر في الدارين، فما حكم الاسلام فيه انه خير فهو الخير، وما حكم فيه بأنه شر فهو الشر، بغض النظر عن رغائب البشر واهوائهم وآرائهم ومعتقداتهم. وكما ذكرنا فان الفعل البشري يصدر عن بشر، فان الاحتكام يكون بالتالي بين البشر وفقاً لتوافق او تطابق افعالهم مع الشريعة الاسلامية، او - لا سمح الله - معارضتها لهذه الشريعة السمحاء، وبالتالي وقوعها في نطاق الظلام والخطر، وهو فعل الشر والعياذ بالله. والانسان مخير، امامه طريقان مفتوحان: طريق للخير وطريق للشر، وهو يختار حسبما يهديه اليه رب العباد، فاما ان يسلك طريق الخير، ويكون نوراً واشعاعاً في هذه الحياة، ومصدراً لسعادة نفسه وسعادة الآخرين من حوله. يقول انس بن مالك - رضي الله عنه -: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:« ان من الناس مفاتيح للخير مغاليق للشر، وان من الناس مفاتيح للشر مغاليق للخير، فطوبى لمن جعل الله مفاتيح الخير على يديه، وويل لمن جعل الله مفاتيح الشر على يديه»، رواه ابن ماجه وهو حديث صحيح، يلخص القضية بأكملها، فبعض البشر على اياديهم البيضاء تفتح ابواب الخير، وتكون افعالهم واقوالهم واعمالهم وسلوكياتهم كلها مبعثاً لافعال الخير، بحيث يقطر منهم الخير حيثما حلو وحيثما كانوا، وترى النور يشع في وجوههم، وعرفهم بسيماهم، فهم اهل الخير واصحابه، وبالطبع يوجدون في كل عصر وزمان، وهم بيننا الآن، يعملون ويعيشون الحياة كما نعيشها، ولكنهم عرفوا سر السعادة من خلال فعل الخير، قد لا نعرفهم ولكنهم موجودون، وهم الذين بواسطتهم بعد الله تعالى تتقدم حياة البشر وتتحقق سعادتهم، وتبنى حياتهم من طيب الى اطيب. وعلى العكس من هؤلاء، هناك أناس يربطهم ويحملهم فعل الشر او قوله، فسلوكهم وعملهم لا يتجاوز تلك الدائرة المغلقة المظلمة، دائرة الشر والسواد، وهؤلاء يجرون انفسهم ومن حولهم نحو التعاسة والشقاء والبؤس والبوار - والعياذ بالله - ، وذلك في الدنيا والآخرة. فللفئة الاولى، فئة الخير، التي يغلق الله بها ابواب الشر، وعلى اياديها يفتح اليه ابواب الخير، نقول طوبى لكم، وثبتكم الله على دينه الحنيف، وابقى لكم هذه السعادة الازلية، وافاد البشر بخيركم، وللفئة الثانية التي تغلق بأيديها ابواب الخير، وعلى ايديها السوداء تفتح ابواب الشر، نقول بئس والله صنيعكم، وبئس ما تفعلون، ومآلكم الى الخسارة والندم اما في الدنيا او في الآخرة، وعلى هذا ندعو لكم بالهداية، فهذا اقصى حقكم علينا، واقصى ما يمكن ان تحكمون به، فلو هداكم الله تعالى لنلتم خير الدارين ونعيمها، ولن تعرفوا السعادة ما دمتم ترتعون وتركضون في مضمار الشر. اننا نعرفها حقيقة، وهي انه:{إنَّكّ لا تّهًدٌي مّنً أّحًبّبًتّ وّلّكٌنَّ اللهّ يّهًدٌي مّن يّشّاءٍ..} ، فهداية الالهام والتوفيق امر بعيد عن اطار البشر وقدراتهم، والله سبحانه جعل البشر اسباباً للهداية، وامرهم بهداية الدلالة والارشاد، واولئك الذين يقومون بفعل الهداية بعون الله وتوفيقه انما هم مفاتيح للخير مغاليق للشر، وخيرهم يعم ويكبر، لانه لا يرتبط بظرف او مناسبة او لحظة معينة، وانما هو حياتهم ومعيشتهم وكل ما يسعون له. وبطبيعة الحال فان الخير واصحابه، ورغم السعادة الحقيقية التي يعيشونها، فانهم ليسوا بمنأى عن الصعوبات والمشاق التي تعترضهم، لا بل انهم من اكثر البشر عرضة لمصاعب الحياة الدنيا، وحتى الانبياء عليهم صلوات الله وسلامه قد ابتلو، وعانوا، وقاسوا ما قاسوا، وعرفوا مصاعب لم يعرفها بشر، ولكن صبروا حتى جاء نصر الله، وما نصر الله ببعيد، و الله على كل شي قدير، ومعاناتهم انما وجدت لما في قلوبهم من الشفقة بالخلق، والاحسان اليهم، وارادة الخير لهم، ورؤيتهم كثيراً من الناس يتساقطون صرعى في الطريق الموصل الى النار بلا وعي او رشاد، عندها يزداد الم هذه الصفوة من البشر كلما ازداد اعراض فئام من البشر عناداً او اعراضاً. لذلك صدق ما شاع بين البشر من ان فعل الشر سهل قريب، وان فعل الخير صعب يحتاج لصبر وقوة ارادة، وبوجود العزيمة يصبح سهلاً، وسلوكاً يومياً، بحياة البشر. تلك هي الرسالة، رسالة الخير، ولن اقول للشر رسالة بل رسالة للخير، اقتصر عليها واوجهها لاهل الخير، وادعو ان يكثر الله امثالهم، ويبارك بأعمارهم، ويكثر من نعمهم في هذه المملكة الغالية، وفي كل بقاع الارض الى ما شاء الله. وتلك الرسالة هي الطموح والامل الذي نحلم ونعيش عليه، لاننا عرفنا الخير، وندعو الله ان يديمه علينا وعلى كل المسلمين، واعود واؤكد انه كما ان الحلال بين، وان الحرام بين، فان طريق الخير واضحة، وسبل الشر معروفة، والعاقل خصيم نفسه، ولكن لا يميز ذلك الا من هدى الله، والله من وراء القصد.