لقد استطردت في سلسلة مقالاتي السابقة عامداً في الحديث عن أزمة قديمة قديمة وردت في صفحات من كتاب الله تفصح عن مواجهة أصولية لأزمة ترتكز لصيغة مستقبلية,, بغرض ان تنعكس اضواؤها على الازمة في الجبهة الثقافية,, أقول وأظن انه يشاركني في ذلك كافة المخلصين لمستقبل هذه الأمة اننا انتظرنا طويلاً طويلاً حتى طال الاشعاع الثقافي,, المستورد بتلوثاته العقول والقلوب,, ثم لما اتضحت ازمة لم نعد لها,, تبدت معها اعراض سقوط المناعة,, تحركنا من مختلف المواقع وضجت الأقلام حديثاً عن )الاستلاب( و)ضياع الانتماء( وصولا الى )السلبية(,, و)ضمور الدوافع العظمى والصغرى( والتي لا أمل لأمة في الحياة او البقاء او منافسة امم اخرى بدونها,, سواء كانت الأمة في موقع المعتدى عليها او كانت في مجال السباقات العلمية السلمية وما يترتب عليها في الصناعة والزراعة والتقنيات والسلاح والدواء,, وكلها في بلادنا, من هذا العرض طمعت ان استثير به كل الكوامن لمناقشة قضية الفروع والأصول في كل موقع يخطط أو ينفذ, أولاً: لكي لا يقع خلط بين الفروع والأصول, وحذرا من مواقعته علينا ان نأخذ من الماضي حكمته نبثها في الحاضر انطلاقاً للمستقبل, ثانياً: لكي نحذر ان نقع في خطأ بل خطيئة المحافظة على الفروع وتضييع الاصول,, واذا كان هذا الخلط بينهما او كان حفظ الفروع وتضييع الاصول يشكل خطأً جسيماً اذا ارتكبه الفرد في حق نفسه, فإنها جناية كبرى اذا وقعت على مستوى الجماعات والأمم والشعوب خاصة في ازمنة الخطر العصيبة, واظنها قائمة,,!!, وانتظر من هذا الطرح ان يثير الارق في ضمائرنا وان يصدر ترقباً وحذراً يدفعنا لتأمل )حركة المستقبل( وهو يندفع الينا بكل شدة وعنفوان الأمم التي قد فرغت من رسم مستقبلها على خريطة الدنيا لبضع عشرات من السنين المقبلات,, بل وتوشك ان تنتهي من تنفيذ ما يؤدي الى جعل هذا المستقبل محتملاً ممكناً,,!!, وأود لو اتجه تفكيرنا لرصد توجهاتنا العلمية الخاطفة وهي لمن امتلكها اداة التحكم الجبارة في الحاضر والمستقبل,, اما القابعون في مواقعهم فليس لهم من موطن في السفينة العالمية المبحرة للمستقبل الا القاع,, يجدفون ويجدفون,, اما التوجيه والتحكم والسيطرة والخيرات وشمس الله الساطعة فهي لشاغلي الدرجة الأولى, لقد ألقي اليوم على عاتق المخلصين واجب دقيق يقضي بأن نتابع افرادا وجماعات واجهزة التطورات العلمية المتسارعة التي تعمل عملها في وسائط الاعلام والتربية واساليب توجيه العقل البشري بل وغسيله متى شاء المسيطرون,, يمتد ذلك لغرس الرغائب وتسعير الغرائز والذي يتمثل في مستجدات كالسيول الداهمة، وتقنيات كطوفان عصري,, ونحن نرجو باستثارة قدرات الرصد والتحليل ان ننتقل من منطقة ردود الفعل الى الفعل القادر المصدر للمستقبل دون وجل منه او مفاجأة,, يؤدي لاضطراب نلج به متاهة مداخل الفروع,, لتغيب عنا ملامح الحل النابع من الاصل في خضم اللجج السوداء المصطنعة والتي لا تبين فيها علامة ولا تظهر فيها منارات لشاطىء,,!, ارتجي من وراء ذلك ان تأتي توجهاتنا الثقافية سديدة راشدة لا تولي وجهها قبل المشرق او المغرب!! فهي التي تزود في النهاية ارواحنا وعقولنا بعدة الدفاع والوجود في زمن عصيب, كما ارتجي ان يكون لهذه التوجهات ما للقرار الاقتصادي الراشد من دقة وما للقرار العسكري من مرتكزات على استراتيجيات شاملة,, بحيث نتصرف في الازمة الثقافية العميقة برؤية توضح كافة مواردنا المتاحة للخروج من الازمة وتتمثل هذه الموارد اساساً في العودة لأصولنا العقدية الاسلامية عودة تتجاوز المناداة بالشعار الى النهج الذي بنى به رواد هذه الحضارة الشامخة انفسهم اولاً بها,, فبنوا من بعد ذلك دولا عظمى حفظت لإنسانها علماً رفيعاً في الخارج كما تمتع في ظلال تلك الاعلام الكبرى,, بكرامته وامنه ورخائه,, والله الموفق,