بين بقايا ذاك الركام المتحرك داخلها، استيقظت وهي تحمل رجع تلك السنين الطويلة، وحاولت جاهدة أن تنفض الغبار الذي أحال حياتها الى لون قاتم.! فكلما اقتربت من بصيص من الأمل الذي أخذ يغزو حياتها..! تلاشى لمجرد شعورها بوحدتها مع مرآتها التي تقضي وقتاً طويلاً أمامها، وهي تتأمل الدروب الطويلة التي حفرتها أيام العذاب والحرمان..! ولمع في عينها بريق قاتم، بعد ما تمسك بأناملها النحيلة خصلات شعرها الذي غزاه الشيب وتحول الى لون أبيض مثل لون الثلج الناصع البياض..! المرار الذي احتسته في أيامها السابقة جعل منها امرأة ضعيفة؛ وسرعان ما تهب نسمة بسيطة فتسقطها في وادٍ سحيق لا مخرج منه..! فقد أنهكت قواها.. وضعف جسدها، ونسيت مستقبلها وسط ضجيج الماضي وصخبه، حتى جاء يومها الذي انتظرته بفارغ الصبر.! لم يكن التحول بالنسبة لها ذا أهمية؛ فقد اعتادت أن تقف بين الحين والآخر أمام كوخ مهجور متساقط البنيان..! تتأمله من جميع جوانبه، وتلقي بتنهيدة طويلة، تعجز بعدها عن التأمل وتقبض بيديها الضعيفتين على عصاها ذات الرأس المقوس.! وتتمتم بكلمات تنم عن ضعف وتهالك..! فقد حمل لها ذاك المكان مشاعر خفية - كانت ترى في نفسها ذاك الكوخ المتهالك البنيان..! أي رحلة عصيبة ستقضيها بمفردها بعد ان هجرها الجميع وتنكروا عطاءاتها المستمرة..!؟ كان انقضاء اللحظات وخز ألم وعذاباً لا ينتهي..! يوم اعترضت حياتها تلك العربة المسرعة التي ارتطمت بهم، وذهب حينها زوجها وصغيرها..! بينما استيقظت من غيبوبتها وهي تنادي.. فلم يبق لها أحد، الجميع ذهبوا، واستعدت للمواجهة الحقيقية.! حملتها الذكريات الى الماضي البعيد، وأخذت تجتّر لساعات طوال، بل أيام كثيرة تلك الصور.! علّها تجد سلوتها في حنايا الذكرى! عندما تختلط العذوبة مع المرارة فإنها تنسج لحظات نادرة، لنفس ودعت السعادة والاطمئنان..! فالمساء يمثل لها لحناً حزيناً عندما تقترب من نافذتها وتلقي بنظرة لشجرتها التي ذبلت أوراقها وأصفرت وانكمش عودها.. تحت صقيع الشتاء المتواصل، وحين تأخذ قطرات المطر قرعها بلحن عذب وسط ضباب كثيف..! عندها ترى أنها ما زالت امرأة تقف وسط عاصفة من الاجتياح الذي غمر حياتها، وأحالها الى طعم بارد ميت.. بلا بصيص.