خرجت ذات يوم إلى نزهة قصيرة لمدينة ريفية بها خضرة رائعة وبهاجنان غناء وأكواخ لأشخاص لطفاء..أحببت دوماً أن أزورهم وألقي عليهم السلام.. هم سعيدون بوجودي حولهم فأنا أنتقل من كوخ لآخر تاركة كل كوخ وهو مشبع بهجة.. وسروراً.. وسعادة. وفخراً بأنني مررت إليهم وشاركتهم لحظات من حياتهم.. لاحظت سرورهم بوجودي بينهم.. وعدت نفسي بأن لا اقطعهم.. اهتمتت جداً لأمرهم..أحببتهم وأخلصت في علاقتي لهم. أصبح وفائي لهم يشغل كل تفكيري في البحث دوماً على كل ما يسعدهم.. ويسليهم.. في ذات يوم قررت أن أصنع كعكة كبيرة وسأقوم بتقسيمها على عدد من أصحاب الأكواخ ولكن كان لدي رغبة أن أوفر قطعتان شهيتهان لذيذتان لأفراد كوخين كانوا بحاجة جداً لاهتمامي بهم.. وعند رؤيتهم لي.. سعدوا.. وفرحوا.. وأضاؤوا أنوار كوخهم جميعها.. احتفاءً بي. نظرت إليهم وابتسامة الدهشة والتأمل لماذا كل هذه المشاعر تجاهي؟..لماذا سعدوا بوجودي لهذا الحد؟ أمسكت بيدي سيدة عجوز وهي تربت عليها لتقول نحن بحاجة إليك يا ابنتي..أهمل حالنا كثيراً ولم نجد يوماً من يهتم لأمرنا. قلت: ما بال الأبناء والأزواج والإخوان؟ قالت: أوتظنين أننا نشكل من حياتهم شيئاً؟ نحن مجرد شيء كمالي في حياتهم لكن لسنا مهمين.. يريدوننا دوماً بخير لكن دون اهتمام أو تسخير من يكون ثقة وأهل لاهتمام بنا. جلست على ركبتي ونظرت لعينيها مبتسمة لأقول لها لا عليك أيتها السيدة، في كوخك الجميل لن أتركك أبداً وسأظل دوماً بجانبك وأسعى لأن اجعل أنوار كوخك دائماً مضاءة.. أمسكت بيدي مبتسمة وقالت هيا لنأكل الكعكة. ضحكت لأقول لها لقد نسيت أمرها هيا بنا وأذهب خلفها لأحرك عجلات كرسيها العتيق لنجتمع جميعنا في حجرة الطعام.. وفي أثناء مرورنا بالحجرة تلو الأخرى وإذا بشخص خفي يرقبني عبر النافذة ومتجهاً من نافذة لأخرى وهو يتابع تحركاتي.. سمعنا جميعاً أصوات خطواته. فقال أحدهم: ربما هي قطة تلعب بالجوار! وقال آخر: سأذهب لأستكشف من هناك! ليأتي بعد لحظات ليقول إنه لم يجد أحداً! قلنا ربما الهواء أصدر أصواتاً وكأنه إنسان خلف النوافذ مرتاب! فقلت: أياً كان هذا الشخص لن يطول اختفاؤه وسيأتي يوماً ليكشف ما يخبئه لنا! أمسكت العجوز بمعصمي بقوة لتقول احذري يا بنتي واحترزي على نفسك! قلت: لماذا تحذرينني سيدتي وما شأني أنا بالموضوع؟ قالت: أنت ما زلت صغيرة ومستهدفة.. ضحكت منها لأقول من ماذا مستهدفة يا سيدتي؟ لا عليك ربما عارض وذهب لحاله. قالت: ألم تسمعي بوجود الشياطين في قريتنا قلت: ماذا؟ قالت: نعم. هؤلاء الشياطين لا يتواجدون إلا عندما تدخل الحلوى البيوت قلت: ماذا تقصدين؟ قالت: أنت بمثابة ابنتي لا ترحلي من منزلي حتى آذن لك قلت: اعذريني إن والدتي بانتظاري، ولا استطيع تركها لوحدها، وهي تحتاجني.. فلن تهدأ إذا تأخرت عنها قالت مبتسمة: أوتظنيني ألومها على حبها وخوفها عليك، هنيئاً لأمك هذه الفتاة الفتية..حفظك الله من شر الأشرار يا ابنتي.. ابتسمت لها ووعدتها بقدومي المبكر لها وإن عليَّ الانصراف الآن. كانت الدنيا مظلمة وأنا اعبر الطرقات وقد سمعت خطوات لأحد خلفي.. وكأنه يلحق بي.. توقفت برهة لأنظر من هناك فلا أجد أحداً!! فأكمل سيري إلى أن وصلت لكوخنا فأدخله مسرعة.. متجهة نحو فراشي لأنام بعد تعب يوم طويل مرهق، وكلي أحلام رائعة انوي القيام بها في الغد، وأن عليَّ مساعدة والدتي في عمل أكبر وأجمل كعكة لمن سأزورهم. وعند الصباح استيقظت على رائحة الكعك الشهي لأٍقوم متجهة نحو المطبخ فأنظر لأمي وقد جهزت كعكة لم أر مثلها في حياتي.. وااااااااااااااه ما أجملها يا اماه.. لقد أحسنت صنعاً في هذه التحفة الرائعة ضحكت مني ومن اندهاشي لتقول: لن تكوني إلا صاحبة أفضل كعكة في هذه القرية! نظرت إليها مبتسمة لأحضنها شاكرة لها جميل صنعها من أجلي.. فقالت هيا اذهبي وبدلي ثيابك حتى أكمل تقطيع الكعك وتوزيعه بالأطباق. وعند ذهابي للحجرة سمعت سقوط شخص في الخارج لأذهب مسرعة نحو النافذة فأجد شخصاً ذا وشاح أسود وشعراً أحمر يهرب مسرعاً خوفاً من أن أراه. قلت من هذا؟ اهو شيطان؟ كما قالت لي السيدة العجوز؟ وقررت أن لا اخبر والدتي بالأمر حتى لا تقلق عليَّ أخذت سلتي وودعت والدتي وذهبت متجهة نحو الأكواخ التي تنتظرني أصحابها.. مررت بجميع الأكواخ إلا أنني عند وصولي لكوخ السيدة العجوز رأيت باب كوخها وقد احكم إغلاقه وكان عند الباب أخشاب كثيرة تمنعني من العبور للداخل! نظرت، أأحدٌ في الجوار؟ فلم أجد أحداً فوضعت سلتي وذهبت لأحد النوافذ لأطمئن هل السيدة العجوز بخير أم أنه قد مسها أذى؟ وعند اقترابي من النافذة لأتأمل من في الداخل لأنظر للعجوز ووجهها شاحب وتلمز لي بحركات وكأنها تريدني أن ابتعد وانصرف حاولت طرق النافذة.. لا مجيب حاولت أن أبعد الأخشاب عن الباب ولكنها كانت كثيرة. قلت سأحاول قدر الإمكان علني استطيع مساعدتهم.. مضى وقت طويل على إنجاز هذا العمل، وقد نسيت أمر السلة وما بها. وعند انتهائي من إبعاد الأخشاب فتحت الباب ودخلت مسرعة نحوي العجوز لأجدها مقيدة على كرسيها العتيق، فقمت بحل رباطها فتمتمت لي بحاجتها لقليل من الماء، وأنا أقول لها من فعل بك هذا؟ من الذي ينوي السوء بكم؟ ماذا حدث؟ قالت: يا بنتي أما حذرتك! لقد وصل أذى الشياطين لنا عند معرفتهم بوجود قطع الحلوى داخل الكوخ، فتذكرت أمر سلتي لأذهب إليها بغية إدخالها للكوخ فما وجدت عندها إلا امرأة شمطاء ذات عيون سوداء وشعر أحمر مبعثر قذر حول وجهها وقامة طويلة توحي بمكرها واستخدامها لقوتها الخبيثة في نيل ما تريد. نظرت إليها وهي تلتهم قطع الحلوى الواحدة تلوى الأخرى وقد انشغلت عن وجودي بالالتهام فقلت لها بأي حق أنت هنا تتهجمين وتبطشين وتمكرين توقفت برهة عن الأكل.. لتنظر إلى نظرات المنتصرة المتهكمة فتصرف بعدها نظرها عني، فما كان مني سوى أخذ عصى خشبية أهددها بالابتعاد عن سلتي وإلا ستعاقب.. لكنها كانت ساكنة في مكانها قانعة بتصرفها مختالة بنفسها ونيلها على ما تريد. اقتربت منها قليلاً حتى اسمع صوت والدتي وهي تناديني باسمي لأنظر لها.. وهي قاطبة حاجبيها لتقول هيا لقد حان وقت رحيلنا! قلت: أمي اسمعيني واسمعي ما حصل معي. قالت: لقد علمت بكل ما حصل. ولكن نزهتنا قد انتهت لهذه القرية وعلينا الرحيل. قلت لماذا لم تخبريني؟ لم أكن اعلم بموعد الرحيل!! انتظري إذن حتى أودع المحبين.. لقد وعدتهم بالبقاء معهم كيف اذهب دون وادعهم؟ قالت: لم يعد هناك وقت! قلت: والحلوى؟ قالت: قد هنئت بها الشياطين. فهذا حالهم في كل حين لا يريدون الخير للغير وينوون بالشر للجميع، لا يهمهم صدق الصادقين، ولا كذب الكاذبين، أكثر ما يهمهم يا ابنتي هو ملء البطون.. والثناء لأخذ ما في الجيوب.. والمسح على الأقدام والروس.. والدهس على كرامة الكريم.. والنيل بالضعيف.. والتسلط على الغريب.. قلت: دعيني افعل شيئاً. قالت: يا ابنتي أنت لا تملكين مكرهم، وأنا لا املك سواك! فهل يعقل أن أجعلك تجازفين؟! دعي الحلوى لأفواه الشياطين، ويبقى لنا ثناء المحبين.. وشكر الطيبين.. ووفاء المخلصين.. فهذا يا بنتي يغنيك في كل حين.. ويلهيك عن مجادلة المتخلفين.. ويحميك من كل سوء.. فنظرات الأشرار صائبة.. ومكائدهم واصلة.. وغيرتهم لاسعة، قد تخسري بمجازفتك كل عزيز أو قريب. قلت: وما حال أصحاب الأكواخ الذين وعدتهم بالمساعدة؟ قالت: هم كذلك منذ سنين! لا تحزني من عجزهم فهم أقوياء، ولولا قدرتهم على البقاء لما وجدتهم للآن. فنظرت لوالدتي مستفهمة إذن لن نصنع الحلوى بعد الآن؟ فضحكت مني ساخرة لتقول ستصنعين يا بنتي الحلوى، وسيتهافت على النيل ولو بقطعة منها الجميع، لكن بشرط واحد في مكان تخلو منه الشياطين.. قلت: سمعاً وطاعة يا أماه فأنا لا أملك سوى رضاك.. وكل من أكل حلوتي قهراً وإجباراً فإنه لن يفوز بمذاقها لأنها لم تكن لتصنع لأفواه الشياطين فارسة.