يسمي اليهود القدس، أورشليم ويَدّعون انتماءهم الى سليمان بن داود عليهما السلام، الذي بنى المسجد الأقصى ثالث الحرمين الشريفين، مع أن اسمها قديما يعرف باسم: إيلياء.. ولكنهم حولوه الى لغتهم العبرية «أورشليم». وهذا ادعاء باطل، لأن سليمان مسلم بنص القرآن الكريم، واليهود يكذبون برسالات الله، ويقتلون الأنبياء بغير الحق، ويحاربون الله ورسالاته، ولو كان سليمان عليه السلام، أو غيره من الأنبياء أحياء لتبرأوا منهم، ولقاتلوهم لأنهم ليسوا بمسلمين، ولما رضوا عن هذه التسمية. ولو كانوا كما يدعون أتباعاً لابراهيم، أو سليمان لكانوا مسلمين، ولصدقوا برسالة محمد صلى الله عليه وسلم، ولكنهم بعيدون عن الاسلام، ووصفهم الله سبحانه، بأنهم مشركون، وذلك بتكذيبهم آيات الله وعنادهم أنبياء الله، وقتلهم لهم: زكريا، شعياء، يحيى.. ومحاولتهم قتل عيسى عليهم الصلاة والسلام جميعاً. وبقولهم على الله بالكذب والبهتان، وتحريف الكلم عن مواضعه.. وبقولهم على مريم بهتاناً عظيماً. أما الحقيقة فإن القدس، ملك للمسلمين، وبنى فيها سليمان المسجد الأقصى ليتعبّد الله فيه، لأنه بيت من بيوت الله، مطهّر عن النجاسات، ومهيأ لعبادة الله وحده، وبعيد عن الفساد والمفسدين. وسُمّي بيت المقدس: لما جعل الله فيه من القداسة، والتهيؤ للعبادة.. ولن يقيم فيه شرع الله، ولن يعبد الله وحده فيه إلا من كان من المسلمين الذين أسلموا وجوههم لله، وتسجد جباههم خشوعاً واستجابة لله وحده لا شريك له، أما اليهود فمهما ادّعوا لأنفسهم من التديّن، فإنَّ منهجهم باطل لمخالفتهم لله سبحانه في الأمر ومعاندة شرعه، فندعو الله لهم بأن يفتح قلوبهم المغلقة، وأذهانهم المتحجرة، حتى يعرفوا الحق ويذعنوا له، وفي عنادهم ندعو الله أن ينصر المسلمين عليهم، وأن يزيل اليهود وكفرهم، من البلاد المقدسة، إنه ولي ذلك. إن قداسة هذه البلاد الطاهرة التي حقيقة اسمها: بيت المقدس: أي المسجد المقدس بالعبادات. فهو مسرى أنبياء الله، قال ابن كثير - رحمه الله - في تفسير أول سورة: الإسراء: ضمن حديث الإسراء: عن أنس بن مالك: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«أتيت بدابَّة فوق الحمار ودون البغل، خطوها عند منتهى طرفها، فركبت ومعي جبريل فسرت فقال: أنزل فصلّ، فصلّيت فقال: أتدري أين صَلّيت؟. صلّيت بطيبة وإليها المهاجر. ثم قال: أنزل فصلِّ فصلّيت فقال: أتدري أين صلّيت؟. صلّيت ببيت لحم حيث ولد عيسى. ثم دخلت بيت المقدس، فجمع لي الأنبياء عليهم السلام، فقدّمني جبريل حتى أممتهم، ثم صعد بي إلى السماء.. الحديث «تفسير ابن كثير:10». لقد جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم الى المدينة مهاجراً ورآهم يصومون يوم عاشوراء، فسألهم فقالوا: هذا يوم نجّا الله فيه موسى وقومه، وأغرق فرعون وقومه، فنحن نصومه شكراً لله. فقال صلى الله عليه وسلم:«نحن أحقّ بموسى منكم». فصامه وأمر بصيامه، وأمر بصوم يوم قبله أو يوم بعده، وقال «خالفوا اليهود». وما يَدّعيه اليهود بقدسية حائط المبكى: فهو أثر إسلامي وليس يهودياً، واسمه الحقيقي: مربط البراق الذي أُسري بمحمد صلى الله عليه وسلم منه، فهو جزء من الحائط الغربي للحرم القدسي، جاء في الموسوعة العربية العالمية: بأنه في عام 1930م وقبل قيام ما يسمى دولة اسرائيل حققت في الموضوع لجنة دولية، عينتها بريطانيا الحكومة المنتدبة على فلسطين، حيث قررت أن هذا المكان وقف إسلامي، وليس لليهود حقٌّ فيه، أو في تغيير معالمه. أما تقديس اليهود له فلأنهم يعتبرونه يمثّل الجزء الغربي من معبد الهيكل اليهوديّ، على الرغم من أن ذلك المعبد هدمه الرومانيون عام 70م، وكان قد تعرّض للهدم قبل ذلك عدة مرات، ولا وجود له في الوقت الحاضر، رغم المحاولات التي جرت وتجري في سبيل العثور عليه.. وقد قامت اسرائيل بمحاولات كثيرة للنيل من المسجد الأقصى، إحراقاً وهدماً، وقد حدث إحراق المسجد في 21 أغسطس عام 1969م، مما استدعى عقد مؤتمر القمة الإسلامي الأول، في الدار البيضاء بالمغرب، وانبثق عن ذلك لجنة القدس والمحافظة عليها برئاسة ملك المغرب. واليهود اليوم قد طغوا وتجبروا: فهدموا المساجد والمنازل، وقطعوا الأشجار التي عليها قوت البشر والحيوانات والطيور، وعمّت مذابحهم للمستضعفين من الشيوخ والنساء والأطفال.. وكأن زعيمهم شارون يحكي ما وصل إليه قوم هود عندما قالوا «من أشدُّ منّا قوة».. فما تحت أيديهم من أسلحة دمار ومتطورة، هي حبل من الناس، لابتعادهم عن حبل الله بالمعاصي.. وفوق قوتهم قوة الله.. ثم عودة المسلمين الى دينهم الحق، حتى يستحقوا نصر الله وتوفيقه. يقول تعالى: إنه قضى الى بني اسرائيل في الكتاب: أي تقدم إليهم وأخبرهم في الكتاب الذي أنزل إليهم: أنهم يفسدون في الأرض مرّتين، ويعلون علواً كبيراً، أي يتجبرون ويطغون ويفجرون على الناس، الى أن قال: وقد اختلف المفسرون من السلف والخلف في هؤلاء المسلّطين عليهم من هم؟ ووردت في هذا آثار كثيرة اسرائيلية، لم أرَ التطرق إليها، وتطويل الكتاب بذكرها، لأن منها ما هو موضوع، من وضع زنادقتهم، ومنها ما هو يحتمل أن يكون صحيحاً، ونحن في غنية عنه.. ولله الحمد، ومما قصّه الله علينا في كتابه: أنهم لمّا طغوا وبغَوْا، سلّط الله عليهم عدوهم، فاستباح بيضتهم، وسلك خلال بيوتهم وأذلّهم وقهرهم جزاءً وفاقاً، وما ربّك بظلام للعبيد*5:44*، ونسأل الله أن يعجل عقوبتهم وعذابهم {وّيّوًمّئٌذُ يّفًرّحٍ المٍؤًمٌنٍونّ بنصر الله} *الروم: 4 5* . فائدة جليلة: ذكر ابن كثير في تفسيره بالسند إلى محمد بن كعب القرظيّ، لأن أباه كعباً من يهود قريظة، فأراد الله له الخير فكان من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم دحية بن خليفة الى قيصر، وفي سياق الحديث دلالة عظيمة على وفور عقل هرقل، واستدعى هرقل من بالشام من التجار، فجيء بأبي سفيان وأصحابه، فسألهم عن تلك المسائل المشهورة التي رواها البخاري ومسلم، وجعل أبوسفيان يُجْهد أن يحقّر أمره، ويصغّره عنده، وقال: والله ما يمنعني أن أقول عليه قولاً أسقطه من عينه- يعني النبي صلى الله عليه وسلم - إلا أني أكره أن أكذب عنده كذبة يأخذها عليَّ، ولا يصدقني بشيء. قال: حتى ذكرت قوله ليلة أُسري به، فقلت أيها الملك ألا أخبرك خبراً تعرف أنه قد كذب؟. قال: وما هو؟ فقلت: إنه يزعم لنا أنه خرج من أرضنا، أرض الحرم في ليلة، فجاء مسجدكم هذا - مسجد إيلياء، ورجع إلينا تلك الليلة قبل الصباح. قال: وبِطْريق إيلياء عند رأس قيصر، فقال بطريق إيلياء: قد علمت تلك الليلة؟. قال: فنظر قيصر وقال: وما علمك بهذا؟. قال إني كنت لا أنام ليلة، حتى أغلق أبواب المسجد، فلما كان تلك الليلة، أغلقت الأبواب كلها، غير باب واحد غلبني، فاستعنت عليه بعمالي، ومن يحضرني كلّهم، فعالجته فغلبني. فلم نستطع أن نحركه، كأنما نزاول جبلاً. فدعوت إليه النجاجرة، فنظروا إليه، فقالوا: إن هذا الباب قد سقط عليه النجّاف - أسكفه وهو أعلاه - والبنيان، ولا نستطيع أن نحركه حتى نصبح، فننظر من أين أتى. فهل بعدما أوردنا يكون ليهود اليوم بزعامة المجرم شارون، حقٌّ في هذا المكان المقدس؟!. إنه الادعاء والادعاء لا تُمْلَكُ به الديار والأموال. فلابد أن يرجع الحق لأصحابه، يقول صلى الله عليه وسلم:«لو يعطى الناس بدعواهم لادّعى رجال أموال قوم ودماءهم ولكن البيِّنة على المدعي».