حيث تقع الفترة الزمنية التي تمر هذه الأيام وهي ما بين شهر رمضان، وموسم الحج، بما يعرف بأشهر الحج، وهي فترة بين مناسبتين كبيرتين يتوافد خلالها مئات الألوف، بل يرتفع العدد بالملايين كلهم وفدوا من ديار الاسلام المختلفة لاداء العبادة، في الحرمين الشريفين وكلهم يشاهدون الجهود الكبيرة التي قامت بها الحكومة السعودية في بناء الحرمين الشريفين وتوسعتهما وما ترتب وراء ذلك من مشروعات متزايدة في المدينتين المقدستين: مكةالمكرمة والمدينة المنورة بحيث تفد الأعداد الكبيرة ليؤدوا شعائر دينهم بيسر وسهولة وفي راحة نفس واطمئنان مع الأمن والأمان. هذه الفترة الزمنية، هي انسب وقت لتعريف المسلمين بجزء من الجهود المبذولة، بعد ان شاهدوا الأعمال ماثلة للعيان، وارتاحت قلوبهم من يسر الاداء بعد ان تيسرت المواصلات وتهيأت الفرص مع ان الله سبحانه يقول وقوله الحق عن بيته المحرم: وتحمل اثقالكم الى بلد لم تكونوا بالغيه الا بشق الأنفس ]7 النحل[. ومع الجهود المخلصة والنية الصادقة تيسرت الأمور وخفت كثير من المشاق الأمنية ووسائل المواصلات، وسبل العيش وفي الطرقات داخل المدينتين وخارجهما وفي المشاعر وفي توفر المياه، ولكن تأتي مشاق أخرى في التكاثر والازدحام والمشقة البدنية والنفسية. والملك عبدالعزيز يرحمه الله منذ دخل مكة محرماً عام 1343ه وهاجسه الاول عمل الاصلاحات والتعمير في المسجد الحرام، وقد أمر عاجلاً بإصلاحات وترميمات في المسجد الحرام، الذي لم تمتد اليه يد الاصلاح والتجديد منذ بني في العهد العثماني مما يقدر بعشرات السنين, وقد ذكر المؤرخ حسين عبدالله باسلامة، أوليّات من الملك عبدالعزيز أراحت الحجاج وهوّنت عليهم المشقة في العبادة ومن ذلك: في اوائل 1346ه صدرت أوامر الملك عبدالعزيز بإجراء عمارة عموم المسجد الحرام داخلاً وخارجاً على حسابه الخاص فقام بذلك الشيخ عبدالله الدهلوي، واستغرق العمل عاماً كاملاً، أبان تفاصيل هذه الاصلاحات حسين عبدالله باسلامة وما برز من آثار هذا الجهد في كتابه تاريخ عمارة المسجد الحرام ]282 285[. وقبل ذلك في عام 1344ه كان الملك عبد العزيز - رحمه الله - قد اصدر أمراً بتجديد عمارة المسجد الحرام فتم ترخيم عموم المسجد واصلاح كل ما يقتضي إصلاحه من ترميم عموم الخراب في جدار المسجد الحرام، وأرضه وأعمدته وما حول المطاف وطلاء مقام ابراهيم بالأخضر والأبواب، وغير ذلك من الاصلاحات التي يحتاجها المسجد الحرام ]المصدر نفسه 282[. - وفي عام 1354ه صدر امر الملك عبدالعزيز بإجراء عمارة عمومية بالمسجد الحرام داخلاً وخارجاً وبناءً عليه صدر امر النائب العام لجلالة الملك الأمير فيصل الملك فيما بعد رحمه الله في 12 شعبان 1354ه بتشكيل لجنة من المختصين لاجراء الكشف وتحديد ما يجب تنفيذه وتقدير القيمة، فحددوا ذلك بتوصيات بلغت سبعة بنود، بما يجب اصلاحه وقدّروا القيمة فوافق عليها الملك عبدالعزيز وبدىء بتعمير ما شمله قرار اللجنة وقد تم كل شيء على خير ما يرام ]المصدر السابق 285 289[. - وفي عام 1345ه لما تكاثر عدد الحجاج الذين بلغ عددهم اكثر من نصف مليون، وهذا العدد يندر وقوعه في مواسم الحج الاخرى السابقة، حيث ضاق المسجد الحرام بالمصلين فاضطرت الحكومة السعودية ان تضع سرادقات في باحة المسجد الحرام حتى يستظل تحتها المصلون من وفود بلد الله الحرام، ويتوقّون تحتها ضربة الشمس وحر الظهيرة وهذه من الأوليات للحرم التي عملها الملك عبدالعزيز وقد نفع الله بها واحدثت أثراً بالغاً لدى ضيوف الرحمن. - في عام 1346ه اصدر الملك عبدالعزيز رحمه الله امره على وزير المالية لما ظهر نفع المظلات، بأن يعمل مظلات ثابتة، قوية على دائرة صحن الحرم مما يلي الأروقة من الجهات الاربع، فعملت من الجملون المكسو بالقماش القوي المنسوج بالقطن الأبيض المسمّى بالقلع من اعلاه ونصبت على حافة الأروقة فصارت توضع في اشهر الحج عند كثرة الحجاج وترفع بعد سفرهم لأوطانهم ]المصدر السابق 289 290[. في عام 1345ه أمر الملك عبدالعزيز رحمه الله بإزالة الغبار من المسعى وذلك برصفه لأول مرة في التاريخ فشُكِّل اجتماع لبحث ذلك وما يجب حياله، وتقرر ان يكون فرش شارع المسعى بالحجر الصوان المربع وان يبنى بالنورة، فابتدأ العمل بالرصف من الصفا، وعمل لذلك احتفال عظيم، حضره النائب العام للملك الأمير فيصل - الملك فيما بعد رحمه الله وقد تم ذلك في اواخر ذي القعدة عام 1345ه فكان هذا هو اول شارع رصف بمكة أيضاً على الاطلاق، وأول مرة رصف فيها المسعى من الصفا الى المروة، منذ فرض الله الحج على المسلمين، بل منذ سكن الحجاز، وكان الملك عبدالعزيز رحمه الله اول ملك اعتنى برصفه، وهذا العمل اعظم مفخرة من مفاخر ملوك المسلمين ]المصدر السابق 295 296[. لما استولى الملك عبد العزيز رحمه الله على الحجاز جعل للمسجد الحرام ادارة خاصة وجعل رئيسها نائب الملك وسميت هذه مجلس ادارة الحرم ووظيفتها القيام بإدارة شؤون المسجد الحرام، مع مراقبة عموم خدمة المسجد الحرام، وبما ان ريع اوقاف الحرمين الشريفين انقطع وروده الى الحجاز من عموم الممالك الإسلامية، الذي كان يرد خزينة نظارة الاوقاف العثمانية، وكان يصرف منه عموم عوائد الخدمة، فقد اصدر الملك عبدالعزيز أوامره بصرف عموم مرتبات خدمة المسجد الحرام من صندوق المالية، وزاد في مرتب البوابين والمؤذنين وغيرهم ضعف ما كان يصرف لهم في زمن الحكومة العثمانية وأوجد مطعماً سعودياً، وتوزيع ما يصدره من الخبز الى كافة المستحقين من الفقراء ]السابق 305 306[. وعن أول دخول الكهرباء في المسجد الحرام يذكر باسلامة ان الملك عبدالعزيز في عام 1346ه جاءت إليه ماكينة من احد تجار الهند قوتها 30 كيلو واط وتم تركيبها، ثم في شهر شعبان سنة 1347ه امر الملك عبدالعزيز بتجديد عموم اللمبات التي بالمسجد الحرام وبزيادتها لتبلغ ألف لمبة، وكان المسجد الحرام يضاء ليلاً حتى الإسفار، وفي عام 1349ه اصدر الملك امره بشراء ماكينة قوية تضم الى السابقة، لأجل تحسين الاضاءة بالمسجد الحرام، وفي عام 1354 جاءت ماكينة اكبر واقوى فعممت الاضاءة على المسجد الحرام وابوابه والمطاف، وما حول المسجد,, ويقول المؤلف: واذا قابلنا بين اضاءة المسجد الحرام بالكهرباء التي أمّنها الملك عبدالعزيز في عام 1354 وبين اضاءته بالقناديل في زمن الدولة العثمانية فيكون قد زيد فيه من النور نحو اكثر من عشرين ضعفاً عما كان عليه, ]السابق 256 260[. ويذكر محمد طاهر الكردي من الاوليات بمكة. أول مرة منعت المحامل من الوصول الى الحرمين الشريفين كان في سنة 1343ه. وأول ظهور للكهرباء بالمسجد الحرام كان في سنة 1346ه. وأول ظهور استعمال السيارات في مكة ثم في المملكة كلها عام 1346ه. وأول شيوع لاستعمال الكهرباء في مكة وفي المملكة كان في عام 1365ه. وأول استعمال للمراوح الكهربائية في المسجد الحرام كان في عام 1366ه. وأول ما بدأ استعمال مكبرات الصوت: اي الميكرفون في المسجد الحرام بمكة المشرفة كان في عام 1367ه. وأول مصحف طبع في مكة وكان بخط محمد طاهر كردي - المذكور - كان في عام 1369ه. وكثر ظهور المستشفيات واحضار الأطباء الأجانب وكان ذلك في سنة 1371ه. اول انتشار للتليفونات بمكة المشرفة كان في عام 1350ه ]التاريخ القويم لمكة وبيت الله الكريم 2:124[ وغير هذا من الاوليات التي اقترنت بعهد الملك عبد العزيز واهتمامه بمكة وبيت الله الحرام. وعن سقيا ضيوف الرحمن والعناية ببئر زمزم، ففي عام 1345ه أنشأ الملك عبد العزيز - رحمه الله - سبيلاً للسقاية علىحسابه الخاص يقع بجوار حجرة الاغوات من الجهة الجنوبية لبيت زمزم بجانب السبيل القديم المعمول في زمن سلاطين آل عثمان. ثم في عام 1346ه تم انشاء سبيل آخر على نفقة الملك عبد العزيز رحمه الله وموقعه بالجهة الشرقية مما يلي باب قبة زمزم على الجناح الجنوبي، كما أمر - رحمه الله - بأن تجدد عمارة السبيل القديم. وقد قام بهذا العمل الشيخ عبدالله الدهلوي، فعمل السبيل الذي بجوار باب قبة زمزم بالحجر الرخام المرمر على شكل بديع الصنع وجعل له ست فوهات، وجعل للسبيل الثاني ثلاث فوهات، وجدد عمارة السبيل القديم بشكل بديع يماثل الذي بجواره وكتب على كل سبيل من السبيلين الجديدين: هذا السبيل أنشأه الامام عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود ]الحرمان الشريفان: التوسعة والخدمات خلال مائة عام ص 271[. ولما كان الملك قد اولى الموظفين جلّ اهتمامه وعنايته، حيث رفع مرتباتهم الى الضعف تشجيعاً لهم في اخلاص العمل في خدمة الحرمين وقاصديهما من حجاج وعمّار، فإنه أيضاً قد اهتمّ بالاغوات فأمر في عام 1346ه بإصدار مرسوم ملكي فصدر برقم 835 تاريخ 19/4/1346ه وهذا نصه: فبخصوص الأغوات الخاصّين بالحرم المكي فهم بأمورهم الخاصة على ما كانوا عليه ولا يحق لأحد ان يعترض عليهم او يتدخل في شؤونهم. وفي عام 1355ه صدر في مكةالمكرمة نظام خاص للأغوات: تنص المادة (40) منه على ما يلي: ان نظام الأغوات مؤيد بالفرمانات السلطانية وتقارير الملوك المسجلة والمخلّدة بأيديهم، وان تقرير صاحب الجلالة الملك عبد العزيز المسجل لدى كاتب عدل مكة قد جاء مصدقاً لهذه التقارير والفرامانات ومؤيداً للنظام الشامل لأمورهم الخاصة والعامة وتنص المادة (42) من نظام الأغوات: ان رئيس الاغوات وجماعته أمة مستقلة في نظامهم الداخلي، وان هذا الاستقلال الاداري ممنوح لهم بتقرير صاحب الجلالة الملك عبدالعزيز المعطى لهم والمنصوص عليه في المادة 40 . وبعد وفاة الملك عبد العزيز - رحمه الله - ايد الملك سعود تقرير والده الملك عبد العزيز بتقرير ملكي رقم 35 وتاريخ 4/3/1374ه ثم صدر قرار مجلس الوزراء رقم 925 تاريخ 21/9/1391ه بأن يبقى الأغوات على عاداتهم وتقاليدهم وما هم عليه. وقد عبّر شيخ الاغوات بالمسجد النبوي الشريف قائلاً: فحكومة خادم الحرمين الشريفين جزاها الله خيراً عنا هيأت لنا كافة اسباب الراحة ولم تمنع عنا الاوقاف التي ترد الينا بل إنها تولينا اهتماماً خاصاً يعجز الانسان عن ذكره ]ينظر الحرمان الشريفان: التوسعة والخدمة ص 298 299[. وكان الملك قد حرص في حياته على توسعة الحرمين الشريفين عندما رأى الحجاج يتزايد عددهم عاماً بعد عام وقد امر بذلك بدءاً بالمسجد النبوي الشريف ولكن الاجل المحتوم قد عاجله قبل البدء في المشروع حيث واصل بنوه من بعده: الملك سعود والملك فيصل، والملك خالد - رحمهم الله - ثم خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز، اعانه الله ووفقه لكل خير,, بالمواصلة والتنفيذ حتى غدا في عهد خادم الحرمين الشريفين ثمرة ناضجة وبلغت التوسعة رقماً قياسياً حيث اعجب بها القاصي والداني واصبح الحرمان الشريفان من اعاجيب الزمان سعة وفناً وهندسة. وسوف يكون الحديث عن هذه التوسعة في الحديث القادم ان شاء الله. لقد كانت مساحة المسجد الحرام عندما استقر حكم الملك عبد العزيز في الحجاز 29100 م 2 فصارت بعد البناء السعودي اضعاف هذا الرقم كما كانت البناية للحرمين مثار اعجاب كل من شاهدها، فهذا أبو القاسم زين العابدين وهو من السودان يعبر عن اعجابه واعجاب كل مسلم عن التوسعة في كتاب ألفه فيقول: وفي الحقيقة ان السعوديين لم يتركوا سبيلاً من سبل التهيئة المادية الا سلكوه، فهم يعنون بالحرم يريد المكي ادارة وحراسة، وارشاداً وتوسعة واضاءة وفرشاً، بل إنهم ليهتمّون بما يؤدي إليه من طرق ومواصلات، فالعناية بالحرم هي الحسنة الاولى للسعوديين، وكأنما أرادوا ان يجعلوا بينهم وبين الله صلة تقيهم عوادي الايام وفجوات ميادين الحياة فهم بذلك عملوا ما يقتضيه الدين وما تتطلبه روح العصر. فالبناء السعودي للحرم احدى عجائب الزمان، فما أحسب ان في الدنيا عمارة بمثل هذه السعة وبهذه الضخامة، وهي في نفس الوقت بهذه القوة وبهذه المتانة وبهذا الحسن والجمال حتى لقد بدا البناء العثماني للحرم الذي كان اعجوبة زمانه، بدا الى جانب الحرم الجديد كأنما هو عشة يحيط بها قصر عظيم, ومن حسنات السعوديين ابقاؤهم على المسجد القديم، عظة وعبرة، وتاريخاً وذكرى، ولا معنى لإزالته ما دام قد اضطلع ويضطلع بأعباء ايواء الحجيج منذ مئات السنين. ولتوسعة الحرم بحيث يكون مريحاً جميلاً متيناً، مع الابقاء على المعالم القديمة، تضمنت خطة الحرم ما يلي: 1 ان يوسع الحرم جميع جهاته وذلك بجعل الحرم الجديد محيطاً بالحرم القديم من جميع جوانبه وبذلك تصبح مساحة الحرم 160168 متراً مربعاً وهو بذلك يتسع لقرابة نصف مليون من المصلين ]لقد اصبحت التوسعة اكبر بكثير مما ذكره[ وسوف يبين ذلك في الحديث القادم ان شاء الله من مصادر احصائية[. 2 ان تتعالى في المسجد الحرام سبع مآذن كما كان عددها قبل التوسعة ويبلغ طول كل منها 90م ]لقد اصبحت تسع مآذن[. 3 ان تقام في جهات المسجد ساحات أربعة على ان تشجّر وتصفّف على احدث نسق ]لقد اصبح ما وراء الحرم من عدة جهات ساحات تستوعب أعداداً كبيرة من المصلين[. 4 لقد رصدت السعودية لتنفيذه اكثر من 700 مليون ريال وهو مبلغ يساوي ميزانية دولة ولم يكن من السهل اخراجه لولا احترام الحرم وما له من قيمة ادبية ومادية يسترخص في سبيلها كل عزيز (لقد كان المبلغ اكثر مما ذكر بكثير) وختاماً فإني اتمنى للسعودية ان تكون كل اعمالها في كل ميادين الحياة بمثل هذا الاتقان والحسن الواضحين في الحرم ]ينظر كتابه الكعبة والحج في العصور المختلفة 191 193[. عمارة آدم للبيت:جاء في الدر المنثور: أخرج الأصبهاني في ترغيبه وابن عساكر عن أنس: ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: اوصى الله الى آدم: ان يا آدم حجّ هذا البيت قبل أن يحدث بك حدث، قال: وما يحدث عليّ يا ربّ؟ قال: ما لا تدري وهو الموت, قال: وما الموت؟ قال: سوف تذوق, قال: ومن أستخلف في أهلي؟ قال: أعرض ذلك على السماوات والارض والجبال, فعرض على السماوات فأبت وعرض على الارض فأبت، وعرض على الجبال فأبت. وقبله ابنه قاتل أخيه, فخرج آدم من ارض الهند حاجاً فما نزل منزلاً اكل فيه وشرب، الا صار عمراناً بعد وقرى، حتى قدم مكة، فاستقبلته الملائكة بالبطحاء فقالوا: السلام عليك يا آدم برّ حجك، اما أنا قد حججنا هذا البيت ولكل ملك حيازة، وبطن مكة حوزتي التي اخترت لنفسي دون خلقي، فأنا الله ذو بكة، أهلها خفرتي وجيران بيتي، وعمّارها وزوارها وفدى واضيافي وضماني وذمتي وجواري، اجعله اول بيت وضع للناس وأعمره بأهل السماء. وأهل الارض يأتونه افواجاً، شعثاً غبراً، علىكل ضامر يأتين من كل فجٍّ عميق، يعجّون بالتكبير عجيجاً، يرجّون بالتلبية رجيجاً، فمن اعتمره وحق الكريم ان يكرم وفده، واضيافه وزواره وان يسعف كل واحد منهم بحاجته، تعمره يا آدم ما كنت حياً، ثم يعمره من بعدك الامم والقرون والانبياء من ولدك، أمةً بعد أمة، وقرناً بعد قرن، ونبياً بعد نبي، حتى ينتهي ذلك الى نبيٍّ من ولدك، يقال له محمد، وهو خاتم الأنبياء، فأجعله من عمّاره وسكانه وحماته وولاته وحجّابه وسقاته، يكون أميني عليه ما كان حياً، فإذا انقلب إليّ وجدني قد أدخرت له من اجره ونصيبه، ما يتمكن به من القربة إليّ والوسيلة عندي وأفضل المنازل في دار المقامة. واجعل اسم ذلك البيت وذكره وشرفه ومجده وسناه مكرمة لنبيٍّ من ولدك يكون قبيل هذا النبي وهو أبوه يقال له ابراهيم ارفع له قواعده وأقضى على يديه عمارته وأنيط به سقايته وأريه حلّه وحرمه ومواقفه وأعلمه مشاعره ومناسكه واجعله أمة واحدة قانتاً بأمري وداعياً الى سبيلي وأجتبيه وأهديه الصراط المستقيم، ابتليه فيصبر، وأعافيه فيشكر، وآمره فيفعل وينذر لي فيفي ويعدني فينجز، استجيب دعوته في ولده وذريته من بعده وأشفعه فيهم، واجعلهم اهل ذلك البيت وحماته وسقاته وخدمه وخزنته وحجّابه حتى يبتدعوا ويغيّروا ويبدّلوا، فاذا فعلوا ذلك فأنا اقدر القادرين على ان استبدل من اشاء بمن اشاء واجعل إبراهيم إمام ذلك، واهل تلك الشريعة، يأتمّ به من حضر تلك المواطن من جميع الإنس والجن، يطأون فيها آثاره ويتبعون سنّته ويقتدون بهديه فمن فعل ذلك فيهم أوفى بنذره واستكمل نسكه واصاب بغيته ومن لم يفعل ذلك منهم ضيّع نسكه وأخطأ بغيته ولم يوّف بنذره، فمن سأل عني يومئذٍ؟ فأنا مع الشعث الغبر الموبقين الموفين بنذرهم المستكملين مناسكهم، المتبتلين الى ربهم ]1: 316[.