* الغيث هدية من السماء.. يهبها الله عز وجل لمن يشاء وعلى أية أرض.. الغيث رحمة ونقاء.. تتجلى فيه عظمة الخالق الذي أنزل من المزن ماء. * شهور انقضت من الجفاف والحرارة.. نتنفس الصعداء كما أقبلت غيمة داكنة لتراها العينان اللتان طالما أطلقنا لهما العنان في صحوهما، ليمضي الصيف، لأن الجدب من أعظم المآسي التي تواجهنا فيه. الأرض تضحك من بكاء السماء فتنبت كل يوم أزهاراً وأقحواناً لتصبح الأرض بأجمل حلة. أتذكر حينها قول ابن مطير حين قال: كثرت لكثرة ودقه أطباؤه فإذا تحلب فاضت الأطباء وله رباب هيدب لرقيقه قبل التبعق وليمة وطفاء وكأن بارقة حريق تلتقي ريح عليه وعرفج وآلاء ثقلت نحلاه فبهرت أصلابه وتبعجت عن مائه الأحشاء * نعم نسعد لكثرة الودق وتبهر العين عندما ترى الأشجار فارهة تتمايل وكأنها تدق الدفوف لتسمعنا نغمات سمفونية تصدرها الرياح التي استولت على كل شيء. تندفع بسرعة نحو الشبابيك لتلقي علينا زخات المطر.. نهرب منه وإليه تحت وميض البرق الخاطف.. قال عبيد الأبرص: يا من لبرق أبيت الليل أرقبه في عارضٍ مكفهر المزن دلاح دان مُسف فويق الأرض هيدبه يكاد يرفعه من قام بالراح كما صور ابن خفاجة الجبل وفوقه سحاب ممطر: يلوث عليه القسيم سود عمائم لها من وميض البرق ذوائب * نلتجئ تحت أسقف الأبواب حيناً وخلفها حيناً آخر، نفتحها خلسة بعد أقفالها لتظهر الأيادي من خلف النوافذ ومن بين ثناياها.. فإذا به يعاودنا من جديد فنعاود غلق الأبواب حينما يشتد نزفه. * أرقب الكبار فإذا بهم يستبشرون الخير، وأرقب الأطفال سعداء يتسابقون إلى الظفر بحبات المطر بين أيديهم. أدرك بعد لحظة وداعه فتنفتح الأبواب وينتشر الأطفال والفرحة لا تكاد تسعهم وتسعنا معهم.. حتى الجمادات شاركتنا الفرحة، معلنة ظهور الألوان القرمزية السبعة وسط السماء. * يمرحون.. ويلعبون.. ويضربون بأرجلهم بقايا زخات المطر التي تشكلت على هيئة بحيرات متفاوتة الاتساع. فما أجمل ساعات الانطلاق وما أجمل أن نقطف الثمار والورود بعد ارتوائها.. لتروى بها النفوس المتعطشة.