في شهر رمضان المبارك تنبعث البهجة في نفوس الصائمين ويصبح لكل شيء مذاق خاص، ومن هنا يقبل الناس على شراء لوازمهم من الطعام والشراب ويتفنون في صناعة المأكولات ذات الحضور اليومي على مائتي الإفطار والسحور. ولعل الكنافة والقطايف من الأطباق اللذيذة التي تحرص كل أسرة على حضورهما في المنزل خلال ليالي رمضان. وقبل ساعات قليلة من وقت الإفطار يتزاحم الصائمون أمام محلات بيع الحلويات وخاصة الكنافة والقطايف التي يسعد الجميع بتناولها بعد الإفطار. ويذكر التاريخ أن استعمال المصريين للكنافة والقطايف لم يكن مقروناً بالفتح الإسلامي لمصر، فقد عرفته مصر منذ أقدم العصور ولكن بأشكال وطرائق أخرى، حتى جاء العصر الفاطمي واقتصر تقديم تلك الأطباق على أفراد العائلة الحاكمة دون سواها لتنتشر بين العامة في العهود التالية وتصبح من المأكولات الرمضانية الشهيرة والتي يتزايد الإقبال عليها في هذا الشهر الكريم دون سواه من الشهور، وقيل إن شيخ الإسلام جلال الدين السيوطي لم يمنعه منصبه الديني من أن يكتب عن مأكولات رمضان من خلال مشاهداته اليومية لعادات وسلوك الناس في الشهر الكريم ليخرج بكتابة «منهل اللطائف في الكنافة والقطايف». نوادر الشعر ودائما كانت الكنافة والقطايف مصدر إلهام للظرفاء من الشعراء في كل عصر، وكثيراً ما نسجت الحكايات الطريفة التي يتندر بها الحكاؤون والرواة، مثل الشاعر أبو الحسين الجزار من شعراء مصر في القرن السابع للهجرة، و«الجزار» هي كنيته لاحترافه الجزارة في مدينة الفسطاط العاصمة الإسلامية الأولى لمصر وسرعان ما انقلب «الجزار» على مهنته والتي تناقضت مع تفجير ينابيع الشعر، فهام يردد قصائده التي اختص منها جانباً كبيراً في وصف الأطعمة ومنها الكنافة والقطايف وله في هذا ديوان طريف لا يزال مخطوطاً باسمه «تخاطيف الجزار» إذ يقول في إحدى قصائده: سقى الله أكفاف الكنافة بالقطر ودر عليها سكراً دائم الدر وتباً لأيام المخلل إنها تقوت بلا نفع وتحسب من عمرها ويذكر أن كلمة «القطايف» تعني طعاماً يسوى من الدقيق الممرق بالماء وقيل إنها سميت بالقطايف لأنها تشبه القطيفه من الملبوسات فحين ينضجها «القلي» في الزيت أو المسلي، تبدو زاهية وهاجة بلون بني يميل إلى الدكنة، وهكذا عمت شهرة الكنافة والقطايف في الماضي البعيد والقريب لتكون مادة خصبة لظرفاء وشعراء العرب، وقد جاء ذكر الكنافة في كتاب «المسالك» لفضل الله حيث كتب يقول: إن معاوية بن أبي سفيان الخليفة الأموي جاع ذات مرة في شهر رمضان جوعاً شديداً فشكا ذلك إلى طبيبه محمد بن زال فاتخذ له الكنافة دواء فكان يأكلها في وقت السحور ويقول زين القضاة السكندري: لله در قطايف محشوة من فستق رعت النواظر والسر اشبهتها لما بدت في صحتها بحقاق عاج قد حشين زبرجدا. فن خاص ورغم حضور الكنافة والقطايف في محلات الحلويات طوال العالم، إلا أنها تحمل مذاقاً مختلفاً خلال شهر رمضان المبارك على اعتبار أنها عادة متوارثة، وهي على خلاف بعض الأطعمة التي تصنع من الدقيق إلا أنها تحتاج إلى دراية وخبرة خاصة، حيث تعجن بطريقة تختلف عن الفطائر والشطائر الأخرى، ويراعى فيها ألا تتقطع خيوطها وألا يتجمد العجين خلال عملية الرش بواسطة «كوز» مثقوب تدور به أصابع الصانع حول اسطوانة دائرية أسفلها نار مشتعلة أما القطايف فهي تتطلب درجة ومهارة خاصة حتى ينزل خيط الدقيق على السطح الساخن في هيئة قرص دائري. وكان في السابق البعيد تصنع الكنافة بطريقة واحدة وهي إقامة فرن طيني توضع عليه صينية كبيرة تتوزع تحتها النار بالتساوي وتستلزم أن يتمتع صانعها برشاقة حتى لا تتكوم الخطوط وتتلاصق وقد اختفت هذه الطريقة بشكل ملحوظ في المدن الكبيرة ولكنها ما زالت ماثلة في الأماكن الريفية. وبعد ذلك تم استحداث بعض الآلات الاسطوانية التي تعمل بالكهرباء ويعلو سطحها النحاس، فتعطي خيوطاً رفيعة منتظمة يسهل إعدادها بعد ذلك للطعام.