سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
نافذة على الإبداع سمير مرتضى في «الغروب الأخير»
القصص تحمل لغة السرد.. وبعض الهمس الشعري
* يسرف الكاتب في وصف المشهد ويقتضب في الأحداث * النهايات المفزعة وموت الأحلام ظاهرة السرد
في باكورة أعماله السردية يطل الكاتب والصحفي سمير مرتضى على القارئ بعمل قصصي بعنوان «الغروب الأخير» مشتملة على عدد من القصص القصيرة.. تلك التي تحمل في تضاعيفها العديد من الرؤى الإنسانية المتباينة ليتسنى للكاتب التقاطها وتوظيفها في هذا البناء السردي. في القصة الأولى من المجموعة التي جاءت بعنوان «نعي.. البقاء لله..!!» أطل وجه الحكاية تلك التي يرصد فيها القاص مرتضى ومضة المفارقة بين الموت والحياة بين لحظة احساس الرجل بالفناء وبين فاجعة موت الطبيب لتأخذ القصة شكل الشخصية الواحدة ليصور الكاتب وببراعة متناهية حجم الضياع الإنساني الذي لا يختلف عن الموت كثيرا حتى وإن اختلفت فرضياته ورؤاه. في قصص المجموعة رؤية نحو الغناء: في الهواجس العامة للكاتب حالات الموت، ورصد حالة الفناء الممكن حينما يجسد في بناء القصص ذلك الولع الفطري برصد حالة النهاية الرحبة والتي تقع عادة خلف ألم الإنسان ومكابدته العصية.. فيما تأخذ صورة الموت حالتين متقاربتين هما حالة الموت المألوف ذلك الذي يأتي بعد الحياة عادة.. وحالة الموت معنويا. فقصة «أحزان طفولة» مثال واضح للموت في دلالاته المادية المألوفة فيما القصة الثالثة في المجموعة «كبرياء عانس» (المجموعة ص23) هي دلالة معنوية على موت الأحلام لحظة أن تفارق المرأة دورها المعقود دائما أماً لبيت وارف الظلال انثى يعود إليها الرجل محملاً بالأحزان واللواعج اليومية. في قصة «الوصية» (المجموعة ص33).. يعود وجه الموت من جديد على هيئة استحضار لصورة المقبرة وحالة النهاية التي تتلبس الإنسان عندما يكتشف البطل أن هذا الرجل الذي يخطو بين القبور يحمل نفس الرؤى.. بل انه يتفق معه في صياغة واحدة للحزن على الأحبة الراحلين.. فهناك قصص أخرى من المجموعة تسير في هذا الاتجاه الذي يزاوج بين الموت كحالة ثابتة وواقعية وبين حالته كموت معنوي للمشاعر والآمال والطموحات.. حتى ان القصص في هذا الاتجاه تحمل دلالات ضمنية تؤكد رغبة الكاتب «مرتضى» أن يقيم للموت مشهداً باذخاً يتجسد في هذا الاطراء للمهابة النهاية.. تلك التي نلوذ بها بعد عناء البحث عن الذات. سمير مرتضى يخلق من أحداث قصصه حواراً جاداً من الذات.. ما الذي تريده..؟!، وإلى أين نسير في هذه المعاندة اليومية..؟! نعم الكاتب يصوغ لحن المعادلة الممكنة ويبني من اسرار الذات مادة تصلح لأن نلتقي حولها.. ليس أدل من ذلك ما نراه في قصتي «المتشردة»، «طلقني» (المجموعة ص47، ص66). الغروب الأخير.. دلالات الفاجعة: يروم المؤلف في هذا السياق السردي تكوين اضمامة مختارة لمفردات النهاية.. تلك التي تتمثل في لواعج الإنسان أمام منغصات الحياة في لحظة يجسد فيها صورة الفاجعة كاستلهام حقيقي لما تؤول إليه الأحداث حينما يستنبط من الفكرة حالة الموت والعدم والفاجعة ووشائج أخرى تضفر حالة النهاية، وتتوج ألق البحث عن الذات في مواجهة العناء والشقاء.. حتى قصة «الغروب الأخير» التي تحمل اسم المجموعة لم تخل من هذا الفزع الذي يجسده الموت بصورته الأخرى.. موت المعاني.. سقوط صورة ذلك الفنان الذي ظل يرفع عقيرته بالغناء على مدى أربعين عاما دون كلل أوملل.. لكنه وبلحظة مصارحة مع الذات يكتشف انه مات منذ زمن وظلت أعماله محنطة على أرفف الاذاعات التي لم تعد تستطيع احتواء هذه الهالة العصية على الفهم والإدراك. من هنا يجسد الكاتب حالة واحدة يمكن ان نقول عنها وبكل وضوح (حالة الموت) ومفرداته ومعانيه التي برع في استخلاصها من الأحداث، وقصص الشخوص المتفرقة.. لكنه استطاع التقشف والاختصار لتأخذ كل حكاية حيزها المطلوب دون إطالة أو اسهاب فلم يعد أمام القارئ سوى الاعتقاد بأن هؤلاء الشخوص في المجموعة نجحوا الى حد لا بأس به من توثيق حالة الحزن والفاجعة التي تأتي على هيئة أفكار يقتضب الكاتب في تقديمها لتأخذ هذه الاشارات هيئة الشهادات الواضحة على عصر يمر بحالة مخاض إنساني عسير لا ندري ماذا ستكون عليه حالة هذا الجنين الذي نسميه تجاوز المستقبل.. لكن قصص (مرتضى) تؤاخي بين الموت كظاهرة وبين حالة الإنسان في هذا الزمان فلم نعد نميز وفق هذه المعطيات بين من يرقص جذلا وبين آخر يرقص لقرب النهاية المدوية. إشارة : * الغروب الأخير (قصص) * سمير مرتضى * جدة الطبعة الأولى 1423ه - 2002م * تقع المجموعة في (172 صفحة) * لوحة الغلاف للفنانة رضية برقاوي