عندما أراد الرئيس الأمريكي جورج بوش أن يجيب على السؤال الذي يتردد باستمرار «لماذا العراق؟» قال بوش في خطابه للشعب الأمريكي في مدينة سينسناتي بولاية أوهايو في السابع من أكتوبر الماضي أنه في حين يوجد الكثير من التهديدات في العالم فإن الخطر العراقي يظل خطراً منفرداً ومتميزاً لأنه يجمع أكثر المخاطر تهديدا في عالمنا المعاصر في مكان واحد. وفيما يلي سلسلة التحذيرات النمطية المعروفة فيما يتعلق بالعراق وهي ترسانته من الأسلحة النووية والبيولوجية التي يمكن أن تصل إلى الأراضي الأمريكية ثم خطر التهديد النووي العراقي وأخيراً العلاقة المفترضة بين صدام حسين وشبكة تنظيم القاعدة الإرهابي. وهناك كلمة من ثلاثة حروف لم تنطق بها شفاه الرئيس بوش وهو يجيب عن السؤال الدائم لماذا العراق وهي ال«نفط»، والحقيقة أن الرئيس بوش ليس الوحيد الذي يتهرب من الحديث عن موضوع نفط العراق على الملأ ليس هذا فحسب بل إن وسائل الإعلام الرئيسية في الولاياتالمتحدةالأمريكية تتجاهل اهتمام واشنطن بحقول النفط العراقية التي تعد ثاني أكبر احتياطي مؤكد للنفط على مستوى العالم بعد المملكة العربية السعودية فمحررو الصحف وكتاب الأعمدة الأمريكيون يهتمون أكثر بالاستثمارات الفرنسية والروسية في العراق ويقولون ان هذه الاستثمارات هي الدافع الرئيسي لمواقف الدولتين المعارضة لإصرار إدارة الرئيس بوش الظاهري على تنفيذ قرارات الأممالمتحدة الخاصة بالعراق. ولكن الأمر يختلف تماما عندما تغلق كاميرات وسائل الإعلام ليبدأ مسؤولو الإدارة الأمريكية ومسؤولو الشركات الكبرى في الكلام بصراحة مع بعضهم البعض حدث هذا الموقف في لقاء لكبار رجال الأعمال الأمريكيين في جراند رابيدس بولاية ميتجان حيث كان المتحدث الرئيسي في اللقاء وليام سيدمان الذي عمل كمستشار اقتصادي لأربعة رؤساء أمريكيين هم ريتشارد نيكسون وجيرالد فورد ورونالد ريجان وجورج بوش الأب كما يعمل حاليا معلقا لدى شبكة سي إن بي سي التلفزيونية الأمريكية كما كان سيدمان رئيسا لشركة التأمين على الودائع الاتحادية في أمريكا ورئيسا لشركة خدمات مالية أخرى. ثم عمل كمستشار للرئيس جورج بوش الابن أثناء فترة انتقال السلطة من إدارة الرئيس السابق بيل كلينتون إلى إدارة بوش ويحتفظ بعلاقات قوية مع معظم المسؤولين في الإدارة الحالية.قال سديمان إن الحرب ضد العراق أكثر شيء مثير يمكنني أن أفكر فيه. وأضاف سيدمان أمام الحضور في جراند رابيدس أنه قادم للتو من وزارة الخارجية الأمريكية حيث حضر عرض تقرير عن الخطط الأمريكية الموضوعة لاحتلال العراق عسكريا. وقال إن إزاحة الرئيس صدام حسين عن الحكم وإقامة حكومة عسكرية أمريكية تسيطر على حقول البترول في العراق أصبح أمرا مهما على الأقل في نفس أهمية التخلص من أسلحة الدمار الشامل لدى العراق. فالسيطرة على هذا البترول سوف يؤدي إلى تغيير أشياء كثيرة في مقدمتها أسعار البترول، وأضاف سيدمان بحماسة بالغة أن الأمريكيين يفكرون في حكومة عراقية على طراز الحكومة التي أقامها الجنرال الأمريكي ماك أرثر في اليابان عقب هزيمة اليابانيين في الحرب العالمية الثانية. وقال سيدمان: عندما نكون في العراق لن يستطيع أي شخص استخدام البترول كسلاح وأشار إلى أن إقامة حكومة عسكرية أمريكية في العراق سوف تضع يد واشنطن على منتج البترول الرئيسي الآخر في الشرق الأوسط وهي المملكة العربية السعودية ويقلص قدرتها على وضع سياسات نفطية مستقلة، ويستطرد قائلا: إن وجود الدولتين الرئيسيتين المنتجتين للبترول خارج نطاق الأصولية الإسلامية أو الحكومات المعادية للولايات المتحدةالأمريكية سوف يكون عنصرا إضافيا مهما في اقتصاد العالم. نفس هذا الموقف تم التعبير عنه في مقال مشترك كتبه كل من المصرفي الأمريكي روبرت جونسون والذي كان كبير الاقتصاديين للجنة البنوك في مجلس الشيوخ الأمريكي والمدير الإداري لصندوق سوروس فاند مانجمنت للاستثمار وتوماس فيرجسون استاذ العلوم السياسية في جامعة ماساشوستس الأمريكية ونشرت المقال صحيفة لوس أنجلوس تايمز. قال الكاتبان في المقال أن الدوافع الاقتصادية البترولية هي التي تدفع في اتجاه الحرب. وعلى عكس سيدمان فإن جونسون وفيرجسون أقل «استثارة» بالنسبة لتأثير عواقب الحرب الأمريكية ضد العراق على اقتصاد العالم. ويقول الرجلان أن النزعة العسكري الأمريكية الفردية وعلاقتها مع حرب أخرى في منطقة الخليج العربي تتوافق مع النزعة الفردية الاقتصادية التي يمكن أن تقوض الاستقرارالاقتصادي العالمي والعلاقات السياسية أيضا. كتب الرجلان يقولان: إن وضع تغيير نظام الحكم وليس التخلص من أسلحة الدمار الشامل كهدف والتباهي بالمسؤولية المفترضة عن العمليات العسكرية ثم إدارة العراق فيما بعد يعني أن الولاياتالمتحدةالأمريكية تبعث برسالة قوية إلى وزراء المالية والخارجية بالعالم تقول أنه عندما يتعلق الأمر بإمدادات البترول أو قيمة الدولار فإن الأمريكيين سيتصرفون وفقا لمصالحهم فقط دون أدنى اعتبار لرؤية الآخرين أو مصالحهم، ويضيفا أن بترول العراق الوفير والرخيص سوف يجعله عنصرا محوريا في تحقيق استقرار أسعار البترول في كلا الحالتين. فإذا ارتفعت أسعار البترول يمكن للعراق ضخ المزيد من النفط إلى الأسواق لكبح جماح الأسعار، وبالمثل إذا شهدت أسواق البترول محاولات لحرق اسعار البترول وتخفيضها لمنع الدول الأخرى الرئيسية المنتجة للبترول من زيادة انتاجها فإن العراق يمكن أن يلعب دورا مرة أخرى من خلال تخفيض انتاجه لدعم الأسعار. والحقيقة أن الرؤية بالنسبة لعنصر البترول في المعادلة العراقية تتضح أكثر عندما نتذكر أن الرئيس بوش كان حاكما لولاية تكساس مركز أغلب شركات البترول الأمريكية وأن بوش نفسه كان رئيسا لإحدى هذه الشركات وهي شركة هيركان إنرجي. وكذلك نائبه ديك تشيني الذي كان رئيسا لشركة هيلبرتون للبترول والتي وقعت عقودا لتوريد معدات بترولية إلى العراق خلال الفترة من 1997 وحتى عام 2000 وهي الفترة التي كان تشيني يتولى رئاستها فيه بلغت قيمة هذه العقود 73 مليون دولار، ولكن بالنسبة لكلمات الاستهلاك المحلي لدى إدارة بوش فإن كلمة البترول تصبح كلمة قذرة لا ترد على ذهن الرئيس، لذلك وعقب خطابه في مدينة سينسنتي الأمريكية بشأن العراق منذ أسابيع دار الحوار التالي بين مندوب إحدى الصحف الأمريكية لدى البيت الأبيض وبين المتحدث باسم الرئيس بوش آري فيلتشر على النحو التالي: - المراسل: ما هو قيمة البترول في تقييم إدارة الرئيس بوش للتهديد الذي يمثله صدام حسين؟ -فيلتشر: آسف أعتقد أنني لم استمع إلى سؤالك. - المراسل: يقول أغلب المحللين الأمنيين أن البترول عنصر محوري في الأمن القومي الأمريكي. فهل ترى أن البترول لا يشغل تفكير الرئيس بوش على الإطلاق فيما يتعلق بالعراق؟ - فيلتشر: عندما تراجع القرارات التي صوتت عليها الأممالمتحدة والتي صوت عليها الكونجرس الأمريكي والتي وقعها الرئيس السابق بيل كلينتون وما يدعمه حاليا الرئيس بوش بالنسبة العراق ستجد أن البترول ليس عنصرا في المعادلة. - المراسل: معنى هذا أن البترول ليس عنصرا؟ - فيلتشر: نعم البترول ليس عنصرا. - المراسل: إذن فاستقرار أسعار البترول ليس أمنا قوميا أمريكيا ولا قضية سياسية فكيف يمكنك القول بأن البترول ليس عنصرا أنا لا استطيع أن افهم ذلك؟ - فيلتشر: انك تسأل عن استخدام القوة العسكرية وعن حماية أرواح الشعب الأمريكي. هذا النوع من الحوار المزدوج والغامض هو الذي يميز كل البيانات الصادرة عن البيت الأبيض. لأن الإدارة الأمريكية تحاول أن تخفي عن الشعب الأمريكي حقيقة أنها تتجه إلى مغامرة عسكرية إجرامية في العراق. ولكن الحقيقة أن الإدارة الأمريكية تختفي تحت شعارات مثل خطر أسلحة الدمار الشامل أو الإرهاب أو حتى معاناة الشعب العراقي لكي تضحي بأرواح عشرات وربما مئات الآلاف من الأرواح من أجل أن تتمكن شركات البترول الأمريكية من السيطرة على حقول النفط العراقية. ولكي تحشد الإدارة الأمريكية الدعم الشعبي لهذه الحرب لجأ مسؤولوها إلى استغلال الخوف العام بعد هجمات سبتمبر ليقول هؤلاء المسؤولون أنه يجب غزو العراق والتضحية بأرواح الجنود الأمريكيين حتى نتجنب 11 سبتمبر آخر. ولكن المقربين من إدارة الرئيس بوش يؤكدون أن بوش يعتقد أن غزو العراق وإعادة استعماره سوف يوفر حلا سريعا لأزمة الرأسمالية الأمريكية المتعمقة. (*) عن «جراند رابيدس برس»