اعتدنا في شرقنا العربي ألاّ نقيم لأديب أو عالم حفلة تكريم يستحقها عن جدارة إلا بعد أن يرحل عن دنيانا، أو بعد أن يبلغ من الكبر وعلو السن مبلغاً يستوى فيه لديه التكريم وعدمه، وبذلك نحرمه منه إضاءة بسمة مشرقة على وجهه وهو في قمة عطائه وتميزه، ونحجب عنه طيف الإحساس بسعادة تلامس فؤاده وهو قادر على الإنتاج والإفادة والمشاركة الفاعلة، ونشعره من حيث ندري أو لا ندري ان عمله الذي أمضى فيه زهرة عمره يتضاءل أمام حفلة تكريم، حظي بها أفراد لم يكن لهم من الأثر والإنجاز ما يتسامى بهم إلى هذا الاستحقاق الذي ظفروا به بسبب علاقة أو صداقة أو ترشيح من شخص مؤثر. نعم اعتدنا في شرقنا العربي أن نقيم حفلات التكريم لأصحاب الأصوات العالية الطنانة التي تغالب ذاتها في إظهار شيء من الجرأة، لتحظى بوصف الشجاعة عند أناس لا يملكون القدرة على النفوذ إلى بواطن الأمور. بالأمس تعالت أصوات تنادي بتكريم الأديب الرحالة محمد ابن ناصر العبودي الذي فاق ابن جبير، وابن بطوطة، وابن فضلان، وماركو بولو مجتمعين في كثرة البلدان التي زارها، والمسافات التي قطعها، وإن كانت على جناح طائرة أو على ظهر سيارة، وعشرات البلدان التي أصْفَاها كتباً مستقلةً، فلم أر لهذه الأصوات والنداءات أمرا يبهج القلب، ويشرح النفس، ويعيد بعض الحق إلى صاحبه. وفي ساحتنا الأدبية أديبٌ دارس للأدب، أمضى أكثر من أربعة عقود وهو يدرس الأدب السعودي، ويُدرِّسه، ويبحث فيه، ويوالي الإصدار تلو الإصدار في تاريخه وفنونه وأعلامه، ويشرف على عدد من رسائل الماجستير والدكتوراه التي أعطت الأدب في المملكة عمقاً وتأصيلاً وامتداداً، ولكنها ظلت مجهولة لدى المعنيين بالأدب السعودي، لأنه لم ينشر منها سوى القليل جدا. وكان اهتمامه بالأدب السعودي مبكرا جدا قبل قبل أن ينخرط في سلك الدراسات العليا بسنوات، فكان كتابه «الأدب الحديث في نجد» المنشور عام 1391ه / 1971م، بعد أن ألقى محاضرات في نادي الرياض الأدبي باكورة ما صدر له عن الأدب في المملكة. ثم رسالته للدكتوراه التي قدمها عن الأديب الرحالة عالم البلدانيات محمد بن عبدالله البليده، وأجزم بأن اسمه بات واضحاً تماماً للقارئ المتابع، ذلك هو الأستاذ الدكتور محمد بن سعد بن حسين الذي أثرى بعد حصوله على الدكتوراه مكتبة الأدب السعودي بعدد من الإصدارات الأدبية المتنوعة، ولم يقتصر في ذلك على نشر الكتب، بل أسهم بمقالاته الكثيرة في الصحف والمجلات في الكشف عن جوانب مضيئة في الأدب السعودي، ويعد برنامجه الإذاعي «من مكتبة الأدب السعودي» من أنجح البرامج الأدبية وأطولها عمراً. ولست في هذا المقام أدوّن له سيرة، فذلك مفصل في الكتاب الذي أصدره عنه الأستاذ الدكتور طلعت صبح السيد «ففي لجنة البحر ما يغني عن الوشل». ولغزارة إنتاجه، وتنوعه، واستمراره، وخصوصيته بالأدب السعودي، وشموله، فانه أهل لكل تكريم، وكذلك يراه المحقون المنصفون، وفي طليعتهم طلابه وطالباته الكثر الذين تتلمذوا عليه، وأشرف على رسائلهم وبحوثهم، وفتح لهم صدره وبيته. وأرشح جهتين للقيام بتكريمه تقديرا لعطائه الأدبي: 1 مهرجان الجنادرية الذي سار حديثا على سنة حميدة في تكريم الأدباء والعلماء. وقد كرّم أفراداً أقل منه عطاء. 2 نادي الرياض الأدبي، وهو أولى بتكريمه من سائر الأندية، لأن الرياض هي البيئة الخصبة التي شهدت ميلاد أعماله الأدبية، وانتشارها، وبحكم توجه النادي إلى الاهتمام بالأدب السعودي الحديث خاصة. وأقترح على النادي أن يكون تكريم الأدباء ضمن برامجه تقديرا لأصحاب الجهد والمواهب الأدبية. واستغرب عدم دعوته للإسهام في موسوعة الأدب السعودي الحديث التي ظهرت مؤخرا فجأة كأن أمرها قضي بليل، بل أعتقد انه لم يعلم بأي شأن من شؤونها حتى أذيع خبرها على الملأ، وهو المتخصص في الأدب السعودي الذي تشهد أعماله ومؤلفاته بذلك.