لا يمكننا التحصل على أشياء جيدة دون قيمة عالية إلا إذا اشتغل الإنسان وثابر وبذل ما في وسعه في بيئة مستقرة، أملا في تحقيق المكاسب، في هذه الحالة ينطبق على كثير من المشاركين حول العالم الذين يرتبط إدراكهم بالعلوم ونسيج الثقافة النابضة بالحياة ويعملون من أجل الاختراعات والابتكارات، وما يعيشه العالم مع تسارع أشكال التقدم في مجالي تصنيع الأسلحة وتكنولوجيا الاتصالات، ونزعة التفوق في هذه الدول الكبرى التي استنزفت الموارد وأضرت بالحداثة والتقدم الإنساني والسلام. فعندما نصادف خللا ديناميكيا نبحث في قانون الحركة والسكون ونستدرج الذكريات القديمة مع مادة الفيزياء وعلاقتها بالطبيعة والإنسان، وتتشارك مع الحاضر بالتقنية الحديثة التي كادت أن تفقد الناس صوابها، فقد كان لكل شيء منذ القدم أثر عميق جداً، حتى النظرية النسبية، التي احدثت اضطرابا كبيرا في الفيزياء، واليوم يتكرر هذا الاضطراب الذي حول لبنان التي كانت تصدر الثقافة والفن والأدب وكانت وجهة سياحية لكل العرب، إلى دولة منهارة بسبب تدخل إيران وإنشاء دويلة حزب الله داخل الدولة والمستوى الكبير من التدهور ثقافياً واقتصادياً ودولياً أصبحت تصدر الإرهاب والمخدرات. لا شك أن تحقيق الاستقرار الذي يبحث عنه الإنسان في المجتمعات يتمحور في الدولة وما تقدمه لمواطنيها من حقوق وواجبات والحصول على احتياجاته وأهدافه لن تتحقق أو تبلغ غايتها دون النظر إلى تأسيس مفهوم للأجزاء المتبقية من الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية فإذا تعطل جزء منها تغيرت دوافع واعتبارات المفهوم السلوكي، وتوقف العقل عاجزا وتوالت ردة الأفعال غير المتوقعة، فيكبر الخلل مع واقع استهداف أبواق الأيديولوجيات السياسية وضعفت خلالها الالتزامات حتى انتهت إلى إقصاء الروح وإعدام الذات وكسر سلم النجاة، فيصبح الفرد عميلا مخلصا للفشل أو حليفا خائنا يتآمر على حياة الآخرين، لماذا لا تتبع الناس سبل الإنتاج الإيجابي الذي يرفع نسبة الشرعية في الحياة، ويطرد من حطم كيان وطنه وعبث بمدخراته وسرقها كأذناب إيران في المجتمعات العربية لماذا يستورد العالم التقنيات الهائلة ثم يقتل أرواحا وهبها الله أمانة في الأعناق، وكل ذلك بسبب عجز في قدرات العقول أو موروث إنساني لم ينجح. لم يكن الخطب في النوازع الذاتية بل في الانسجام والتماسك والثقة بين الحكومة والشعب.. ليست الحضارة ومواكبتها في الاقتناء والثراء والمظهر الباذخ - الحضارة أن تصنع فكرا يؤهل إلى وئام مع الحياة والتحرر من براثن التراجع المؤلم-، وترك الوجهة المجهولة التي انتابت العقول وأصبح شغلها الشاغل تدمير وسلب الإنسان العربي. يا حبذا لو لاحظ القارئ أننا كلما ذكرنا العلوم وآثارها في البشر والقيمة العلمية العالية للعلماء والمفكرين القدامى متحررين من استبداد سياسي تكون الصيغة في السرد فعلا ماضيا له مُثُل رائجة، وكأننا نندب حظ الحاضر الذي لم يكن له نصيب منها، فمن المحزن أن يقف الفرد عاجزا عن تحقيق غاياته في حقبة لا تنطق إلا أرقاما قياسية لكل وسيلة، لم يكن الفقر العائق الوحيد في العالم الثالث بل استهداف المنطقة والإنسان فيها، واستنزاف مواردها واستقرارها من إيران وعملائها. منطقة الشرق الأوسط يحاصرها العنف السياسي من الغرب والشرق، لم يكن العالم القديم يعول على الثراء لكي يتقدم بل انكبت أرواحهم على التحصيل رغم الظرف الحجري الصلب شيدوا ممالك وحصونا علمية من عطاء الطبيعة ولم يخونوا بعضهم لدرجة القتل، تجلت قدرة السواعد الحديدية التي كانت تتحد مع العقول إلى درجة التحالف المطلق، والإخلاص في العمل والتعامل وليس الخيانة، ولبنان تحكمها جماعات وأحزاب متناحرة تتقاتل من أجل السلطة. ومع وجود هذه العقبات، لن يتحقق سلام وينال الشعب اللبناني حقوقه إلا إذا تغلب على شيطنة إيران وذراعها حزب الله، فعلى مدار تسعينيات القرن العشرين، وفي أثناء الحرب الأهلية بين 1975 و1990 كان لها دور سلبي مع التدخل الإيراني والسوري فيها وما خلفته الحرب من دمار لجميع الأطراف التي كانت تتقاتل ضمن محاور دينية وسياسية، يتحمل اللبنانيون مسؤولية دمار بلادهم، ويأتي ذلك اليوم لتأكيد أسباب عملية للانتهاكات نتيجة فرط عجز لتلك الدول بوصفها شراً جامحاً تدور حول الأمة وترسم دائرة الحرب وتتدخل في شؤونه الداخلية وتشكيل حكومتها هنا قطعا مكمن الخلل الذي يعطل موكب الأمم نحو الاستقرار والتقدم.