** التقى به صاحبُكم مرةً أو مرتين، وهاتفه الشيخُ - مبادئًا - مرارًا، ودعاه إلى زيارته في منزله العامر بمدينة «حُريملاء» كثيرًا، ووعده بتلبيتها فلم يؤدِّها لانشغالاتٍ تُلهيه أو تلهو به فيظنّ ألّا وقتَ حيث تتوفر أوقات، ويمر الزمن سريعًا، ولا ندري متى نقضي ديونًا معنويةً تسوّفتْ طويلًا؛ وهل ثمَّ دينٌ أحقُّ بالوفاء من صلةِ أفاضل لا تربطنا بهم غاياتٌ دنيويةٌ أو مصالحُ زائلة. ** حين يرى رقمَ هاتف الشيخ متصِلًا يحسُّ بذنْب التقصير، ويعِدُ نفسه أن الاتصال التاليَ سيكون منه، ويجيءُ الثاني والعاشر والخمسون، والسبقُ لا يتحقق، وكذا يصنع الكسلُ والتأجيل من جانبه، والكرمُ والأريحيةُ من جانب الشيخ. ** شيخُنا صديقٌ صدوقٌ للكتاب؛ فلا يُرى إلا حاملًا كتبًا بيديه أو مع من يرافقه، مالئًا سيارته بما تسعُه منها؛ سواءٌ أألَّفها أم ألِفها ليُهديَها بابتسامته المصحوبة بدعائه. وروى صديقنا الأستاذ حمد القاضي أنه - مع بعض خاصته - زاروا «حريملاء»، والتقوا الشيخ في بيت صديقٍ مشتركٍ على مائدة الغداء، فأكد عليهم أن يتوقفوا بمنزله عصرًا، وفاجأهم بمائدةٍ ممتدةٍ ولمّا يمض على الغداء ساعةٌ ونحوُها؛ فعاتبوه بلطف، وضاقوا بوجبةٍ ليس لها مكانٌ بعد الشِّبع، ولم يجبهم، حتى إذا كَشف أغطية المائدة فوجئوا أنها ملأى بالكتب، فابتسموا واقتسموا، وحمدوا له فكرته الطريفة. ** الشيخ عبدالعزيز بن عبدالرحمن الخريِّف من أوائل طلبة دار التوحيد بالطائف، والمعهد العلمي في الرياض، وكلية اللغة العربية التي حمل شهادتها مع الدفعة الثانية من خريجيها (عام 1378ه)، ومن زملائه العشرين - وفق دليل خريجي الكلية - الأساتذة والدكاترة: عبدالله بن حمد الحقيل، ومحمد بن سعد بن حسين، وصالح بن حمد المالك، وعبدالله بن عبدالكريم المفلح، ومحمد بن صالح العميل، وعبدالعزيز بن عبدالله الرويس، وآخرون. ** أخلص عمرَه في الميدان التعليمي، وأكثرُه في حريملاء؛ حيث أدار معهد المعلمين بها، وأشرف على مدرستها الابتدائية، وواصل خدمته في قيادة متوسطتها وثانويتها حتى تقاعده قبل بضعة وعشرين عامًا، ويذكر فيشكر من أمدُّوه بخبراتهم، ويزور أصدقاءَه في مدنهم وقراهم، كما يتواصل مع أولاد من غادر الدنيا منهم. ** عُرف بمرثيّاته التي نشرها في «الجزيرة» منجمةً، ومعظمُها في وداع الراحلين تذكيرًا بمآثرهم واستجلابًا للدعاء لهم، وقد جمعها في كتابه (فقد ورثاء) الذي صدر منه - حتى الآن - خمسةُ أجزاء، ولعل السادس في الطريق؛ فما يزال يواصل التفقد ويألم للفقد. ** أطلق عليه الدكتور عبدالله بن محمد الزيد لقب «ابن خَلِّكان هذا الزمان» لعنايته ب»وفيات الأعيان»، و (عميد خريجي دار التوحيد)؛ إذ هو واسطةُ عقدهم المؤثرُ في دعم علائقهم، وما يزال الشيخ عبدالعزيز الخريّف - أمدَّ الله في عمره - رمزًا نادرًا للوصل في وقت التفت الأكثرون فيه إلى هوامش التفاصيل. ** الذِّكرُ يأتي متأخرًا.