الترجمة الأدبية الإبداعية من أكثر جسور التواصل الإنسانيّ الفعّال بين ثقافات الأمم وحضاراتها مساهمةً في تسليط الضوء على جوانب فكرية متنوِّعة ومضيئة، كان يمكن أن تظل مجهولة للآخر لولا ترجمتها وجعلها في متناول يده سهلة ميسَّرة بلغته. إن الأعمال الموسوعية المترجمة إلى اللغة الإنجليزية سواء ما كان منها مقدماً الأدب العربي ككل أو الأدب السعودي بصفة خاصة للقارئ الغربي قد ساعدت بصورة فعالة بالتعريف بالأدب السعودي مثل «موسوعة الأدب العربي الحديث» وهو عمل ضخم تم بتضافر الجهود بين جامعة الملك سعود ومشروع الترجمة من اللغة العربية PROTA وقد صدرت الطبعة الأولى عام 1988 في لندن. و التي ترجمت لخمسة وتسعين من أدباء وأديبات الخليج العربي واليمن وقد كان للأدباء السعوديين حظاً وافراً في هذه الموسوعة حيث ضم العمل ترجمة لقصائد أربعة وعشرين شاعراً سعودياً، نذكر منهم على سبيل المثال: عبدالله الفيصل، محمد حسن فقي، أحمد قنديل، محمد فهد العيسى، محمد الثبيتي، غازي القصيبي، واثني عشر من كتاب القصة القصيرة من الجنسين مثل إبراهيم الناصر، أحمد السباعي، منصور الحازمي، فوزية أبو خالد، خيرية السقاف وشريفة الشملان. بالإضافة إلى ترجمة جزء من رواية حمزة بوقري «سقيفة الصفا» والتي أصدر لها مشروع الترجمة من اللغة العربية لاحقاً ترجمة متكاملة عام 1991 . وسواء كان عدد الأدباء السعوديين المترجمة أعمالهم إلى الإنجليزية كبيراً كما في الموسوعة آنفة الذكر أو صغيراً، مثلما هو الحال في «موسوعة الأدب العربي القصصي الحديث» الصادرة عام 2005 التي احتوت على ترجمة لمجموعة من الروائيين وكتاب القصة القصيرة من العديد من البلدان العربية وكان الأدب السعودي حاضراً بكاتب واحد فقط، فإن أي دراسة تتبعية للأدب العربي أو تقديم ترجمات له، لا يمكنها تجاهل النتاج الإبداعي للكتاب السعوديين الرواد منهم أو المعاصرين ليكون العمل المقدم ذا شمولية وموضوعية. ومن ناحية ثانية، نجد أن موسوعة الأدب السعودي الحديث «ما وراء الكثبان» مختارات من الأدب السعودي الحديث والتي نشرتها عام 2006، I.B Tauris Publishers البريطانية بالتعاون مع دار «المفردات للنشر والتوزيع» في الرياض وقد حظيت الموسوعة بدعم سخي من صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز آل سعود - رحمه الله - وقد خصصت بأكملها لأدباء المملكة العربية السعودية وهي امتداد للتعاون بين جامعة الملك سعود ومشروع الترجمة من اللغة العربية وكذلك فإن الأعمال الأدبية التي تضمنتها تعطي فكرة عامة عن تطور الأدب والثقافة في المملكة منذ فتح الرياض وحتى الوقت الحاضر. وقد أهتم القائمون على هذا العمل الأدبي الهام على ترجمة أعمال متنوعة لسبعة وتسعين من أدباء المملكة وهي قصائد ثمانية من الرواد مثل محمد حسن عواد وحسين سرحان، بالإضافة إلى ثلاثة وأربعين من المجددين مثل أشجان هندي، غازي القصيبي. كما ترجمت تسع وعشرين قصة قصيرة للكثير من الكتاب والكاتبات مثل حسن النعمي، عبدالله الناصر وخيرية السقاف. وترجمت بعض الفصول من سبع روايات مثل رواية حامد دمنهوري «ثمن التضحية»، «العدامة» لتركي الحمد، و»الفردوس اليباب» لليلى الجهني. كما ترجمت خمس مسرحيات مثل «الشياطين الخرس» لعبدالله عبدالجبار و«الموت الأخير للممثل» لرجاء عالم و»سر الطلسم»لملحة عبدالله. ولإعطاء صورة مكتملة عن الأدب السعودي ترجمت مقتطفات من أدب السيرة الذاتية وذلك لثمانية كتاب مثل صاحب السمو الملكي الأمير خالد بن سلطان بن عبدالعزيز والأديب أحمد السباعي. وهذه الموسوعة لا تكتف بترجمتها الشاملة لجميع الأجناس الأدبية لهذا العدد الكبير من كبير ومتنوع من الكتاب والكاتبات من شتى المدارس الفكرية، بل إنها كذلك تعطي القارئ في مقدمة الموسوعة فكرة شاملة عن المملكة العربية السعودية جغرافياً وسياسياً وملخصاً عن نشأة الأدب السعودي وتطوره. وعلى صعيد الترجمات الفردية فقد حظي الكثير من الكتاب السعوديين وبالذات الروائيين منهم بتوصيل إبداعهم إلى اللغة الإنجليزية مثل د. غازي القصيبي فقد نال اهتماماً واسعاً من المترجمين إلى اللغة الإنجليزية منذ السبعينيات الميلادية ابتداءً بدواوينه الشعرية مثل ديوان»من الشرق والصحراء» الذي صدرت أول ترجمة له عام 1977، «قصائد غنائية عربية» (1986)، وديوان «واللون عن الأوراد» (1995). كما شارك القصيبي في ترجمة كتاب «كنز قصائد الحب العربية: اقتباسات وأمثال» (1996) وقد اشتمل على مجموعة كبيرة من القصائد الغزلية ابتداء من الشعرالجاهلي إلى شعراء العصر الحديث وقد شملت ترجمة أعمال القصيبي كتاباته النثرية مثل «مقالات عربية» (1985) وكتابه الذائع الصيت «حياة في الإدارة « (1999). ومن جانب آخر نجد أن كتاب القصيبي «ثورة في السنة النبوية» قد نشر أولاً باللغة الإنجليزية عام 2004 ثم بعد ذلك باللغة العربية عام 2005، أما روايات القصيبي التي ترجمت إلى اللغة الإنجليزية فهي «شقة الحرية» (1996)، «سبعة» (1998)، «دنسكو» (2000)، «حكاية حب» (2002). يوسف المحيميد الذي ترجمت له «فخاخ الرائحة»، «القارورة» التي ترجمت إلى الإنجليزية والروسية، وكذلك عبده خال الذي ترجمت روايته «ترمي بشرر» بعد فوزها بالجائزة العالمية للرواية العربية عام 2010 ورجاء عالم التي ترجمت روايتها «طوق الحمام» بعد الفوز بذات الجائزة مناصفة مع الأديب المغربي محمد أشعري لسنة 2011، و قد ترجمت روايتها «خاتم» إلى الإنجليزية والفرنسية والإسبانية. كما ترجمت روايات الأديب السعودي محمد حسن علوان إلى اللغات الأجنبية مثل روايته «القندس» والتي كانت ضمن اللائحة القصيرة للبوكر العربية عام 2013 فقد ترجمت للإنجليزية والفرنسية، كما ترجمت روايته الفائزة بالجائزة العالمية للرواية العربية عام 2017 «موت صغير» إلى اللغة الإيطالية خلال عامنا الحالي. أما رائد الجشي فقد ترجم ديوانه «النورس الدامي»إلى الإنجليزية وبعدها اختير عام 2015م من قبل جامعة ولاية أيوا الأمريكية ليكون ضمن منهج الأدب الدولي المعاصر كما حصل على جائزة أفضل ديوان مترجم للغة الإيطالية لعام 2018 . وكذلك فإن لبعض المترجمين السعوديين جهود في إيصال الإبداع السعودي إلى اللغات العالمية فهناك العمل الرائد للأستاذ حسن الصلهبي بإصدار نادي جازان الأدبي مختارات من القصة في جازان مترجمة للإنجليزية 2012م بعنوان Everything is Reduced to Ashes لثمانية وعشرين قاصاً وقاصة لرموز القصة القصيرة في جازان مثل محمد زارع عقيل، وعمر طاهر زيلع، وحجاب الحازمي، وعبده خال، وحسن الحازمي، وقد شارك في الترجمة مع الصلهبي نخبة من المترجمين من جميع أنحاء المملكة. وقد شملت ترجمات أ. نادية خوندنة المجموعة القصصية «رجل لا شرقي ولا غربي» للأديبة السعودية زينب الخضيري إلى اللغة الإنجليزية (2015)، كما ترجمت للشاعرة السعودية د. أحلام القحطاني ضمن عمل خليجي جماعي مع المترجم الإماراتي العالمي د. شهاب غانم بعنوان «شموع ذات ألوان» 2019 وتتضمن الكتاب ترجمات لشعراء سعوديين مثل د. ثريا العريض وأ. جاسم الصحيح وأ. تركية العمري. كما ترجم د. عبدالله الطيب عدد كبير من القصص القصيرة لكتاب سعوديين وعرب في إصداره باللغة الإنجليزية «معراج على أجنحة السرد» 2019. ونحن متفائلون بازدهار حركة ترجمة الأدب السعودي إلى اللغات العالمية وعلى أيدي المترجمين والمترجمات السعوديين بعد أن أصبح للمترجمين السعوديين مظلة رسمية بحمد الله تعالى وهي هيئة الأدب والنشر والترجمة والتي يترأسها الأديب محمد حسن علوان ويسعى بتوجيهات صاحب السمو لأمير بدر بن عبدالله بن فرحان آل سعود وزير الثقافة للعمل على تحقيق أهداف الرؤية الخيرة لسمو ولي العهد 2030 بجعل الثقافة «من مقوّمات جودة الحياة» ومن هنا نجد أن من أهداف هيئة الأدب والنشر والترجمة العمل على تنظيم صناعة النشر في المملكة بكل ما يرتبط بها من دعم للتأليف وحفظ للحقوق وتهيئة البيئة المحفزة للإبداع وخلق التدريب وفرص الاستثمار. ** ** نادية عبدالوهاب خوندنة - محاضر أدب إنجليزي جامعة أم القرى