يخال الناظر في أحوال هذه الفترة الزمنية الصعبة أن جائحة كورونا «كوفيد 19» تسلب منه السكينة والراحة، لأنه يعيش الأحداث بكل تفاصيلها وتبين له أن ما يمر به إنسان اليوم هي من أحلك الظروف وأصعبها، فمنهم من فقد عزيزاً ومنهم من وجد فرصاً أكبر للعيش، ولكن مع قدوم شهر رمضان حدث تغير خفي في الأرواح أبهجها بشهر الصيام والقيام وتلاوة القرآن، شهر العتق والغفران، شهر الصدقات والإحسان، فذلك راجع إلى أن أشد أخلاق الأمم رسوخاً هو دينها وعقيدتها، إذ لابد من التعرف إلى الغايات القصوى للمعنوية والحياة من الجهة النفسانية حيث ارتبطت الأرواح بالعبادات وهللت فرحاً بشهر فيه ليلة خير من ألف شهر تفتح فيها أبواب الجنات، وتضاعف فيه الحسنات، وارتفعت فيه المعنويات واتجهت جميع المشاعر والأفكار نحو العبادة التي تجاب فيها الدعوات وتوزع فيه الزكاة والصدقات. وجمع غفير يرى أن رمضان حرر النفوس من تعاسة الوباء واستبشر خيراً بقدوم الشهر المبارك. بل يحصر نظره واهتمامه بأهم هذه العبادات وإلى جانبها العادات سواء كانت متعلقة بالواقع أو متعلقة بالقيم، فالشعوب العربية تحافظ على موروثاتها في التعبير عن البهجة في استقبال رمضان، عادات تتوارثها عبر الأجيال، ولكن عندما تتساوى العبادات والعادات في مواقع كثيرة من حياة المجتمعات، لابد أن نقرع ناقوس النصح والإرشاد، فالبعض ربط قدوم رمضان بالطعام والشراب والمسلسلات التلفزيونية وصنع له خصوصية غذائية فريدة تستهلك وقتاً طويلاً من عمر العابد وتشغل نهاره في إعداد المأكولات، وموائد متنوعة من الحلويات، وتنقضي لحظات النهار في الإعداد والتجهيز، ويضيع الجوهر الحقيقي من قائمة العبادات. وفي بيان الوجوه السلبية والإيجابية لهذا الشأن تجد أن غالباً ما تتكون روح كل شعب من مجموع صفات وأصول لا تتغير، حتى وإن كان قانون التطور الاجتماعي كبيراً، ويدل ذلك على مجموعة من الاعتبارات قد تكون ناقصة وذات طابع مشوش تتطلب دراسة أنثروبولوجيا مفصلة للتعرف على وحدة الصفات والمتغيرات التي صاحبت إنسان العصر الحديث في الشكل والاقتناء، وها هي العادات والتقاليد القديمة المصاحبة للمناسبات في حياة المجتمعات المبالغ فيها ما زالت مستمرة، ولن نستطيع إدراك مفاهيمها حتى وإن صاحبتها جهود فكرية جبارة، تظل الخصوصية هنا فريدة رغم كلفتها وغرابتها. مهما فتحنا أبواباً لأثارها وأغلقناها لن تتغير عاداتنا وتقاليدنا وستبقى رهناً بما نفعل وميداناً لكل التفاعلات، ونقطة التقاء تصب فيها جميع المعايير، ما من شك أن كثيراً قرأ عن النظرية والتجربة ولكن انتهى بالتساؤلات التي لن تجد لها إجابات كافية أو مقنعة، فكل ما حولنا ينسجم مع العصر، إضافة إلى ذلك، يميز بين معطيات الدين ومعطيات العلوم البشرية بكل أدواتها، أي إنسان العصر يعيش تحت طائل الصفات المتوارثة ومتطلبات العصر ومقدار كبير من التقاليد.