** لا ينفصلُ انتماؤنا الوطنيُّ الشموليُّ الممتدُّ على أكثرَ من مليوني كيلومتر مربع من «النفود إلى الأخدود» عن انتمائنا لناسنا الأدنَين ومدننا الأصل، بل هما، أي المكان والإنسان، منطقُ الانتماء ومنطلقُه، ومظلةُ الخير «المليونية» التي تلمُّنا من «الماء إلى الماء» هي نبضُ الحبّ الأبقى والأنقى والأرقى. ** قبل بضعة عشر عامًا زار - بصحبة أصدقائه « الشقراويين» الذين يجمعه بهم حتى اليوم لقاء أسبوعي منتظم- مدينتي « شقراء» و « أشيقر»، ووجد عنايةً فائقة بتراث «أشيقر»، واستعادةً لتكوينها القديم، وتأكيدًا على دورها التأريخي فانتشى بهجةً بها وبناسها، ورأى مدنَ نجد التي عبر ساكنوها يومًا بهذه المدينة العريقة تُجدّدُ أطلالَها؛ وتخيل -متحسرًا- أنه في حارات « الخُريزة والعقيليّة والجوز والمسهريّة والجديِّدة والهفوف والمسوكف والقاع والجادّة والبرغوش وباب العقدة والبويحة..» التي أخفتها - في مدينته» عنيزة»- معاولُ التحديث فلم تُبقِ اسمًا ولا وسمًا ولا رسمًا، واستعاد في ذهنه نصَّ الشاعر عبدالعزيز المسلّم رحمه الله، ومطلعُه: ** سأل رفقته عن مدينتهم «شقراء» وطلب زيارة عتيقها فأروه صوىً شبهَ مندثرة، وخشي أن يطالها ما طال مدينته فباح لهم بهواجسه، وكتب مقالًا تمنى فيه أن يتدارك أهلُ شقراء إرثهم المؤثّل. ** وجد المقالُ المنشور يوم السبت 5 صفر 1428ه تحت عنوان (شقراء وأشيقر) استقبالًا واسعًا أعقبه عملٌ عمرانيٌ سريعٌ لإحياء مدارج الأجداد وتوثيق خطاهم، وقرنه الأستاذ الدكتور عبداللطيف بن محمد الحميد بمشروعٍ تأريخي- توثيقي موازٍ للحفاظ على قديم «الوشم» اتكأ فيه على تخصصه الأكاديمي فأنشأ «دار تراث الوشم»، ونفذ -بين مهامها- قاعاتِ عرضٍ ثقافيةً تراثيةً كي يرى زائروها الوشمَ حين يرسمه الحبُّ إنجازًا يتجاوز الأمس إلى الغد، ويحتفي بالأقربين والأبعدين، ولتغدوَ الدارُ منارةَ وطن فوق كونها مسار زمن. ** أوجد الحميد في الدار غرفًا لمدن وقرى «شقراء وأشيقر والوقف وغسلة والقصب وأثيثية وثرمداء ومرات» وبقية محافظات ومراكز الوشم، ومكتبتين عامةً وخاصة، ونشر إصداراتٍ ثريةً بعناوين موحيةٍ، ومنها: (نفح الورد من ثرى نجد، وحكايات من أشيقر، وكراسة دار تراث الوشم) وسواها، وافتتحها أوائل عام 1440ه بحضور نخبوي مشهود. ** صارت الدار مزارًا، وشاهد المهتمون صورًا نابضةً وساكنةً، وثمَّنُوا اتساع أركانها لثقافات الوطن ومثقفيه، واحتواءها الكتاب والصورة والوثيقة والجريدة والخارطة والمخطوطة واللوحة وسواها. ** من يعرف الدكتور عبداللطيف ويتابع جهوده في محطات عمله المتعددة سيرى فيه المنتميَ الواعيَ الذي يؤثر العطاء ويستأثر بالمبادرة، وسيرتُه شاهدٌ له في مؤلفاته ودراساته واستشاراته ومحاضراته وعُضوياته، ولعلنا -والحديث عن الوشم- نتساءل عن غياب مجلة (الدرعية) التي رعاها بجانب رئيسها ومؤسسها وابن مدينته شيخنا أبي عبدالرحمن ابن عقيل، وهي ثروةٌ يحتفظ صاحبكم بجميع أعدادها، ونتمنى أن يكون توقفُها مؤقتًا. ** كذا وبذا نترجم حُبَّ مدننا ومناطقنا ووطننا؛ فللجميع عواطفُهم وقصائدُهم، وللقلة أفعالُهم وعطاءاتُهم. ** البذلُ موقف.