في تصديره لموسوعة الأدب العربي السعودي الحديث، يقول د. منصور الحازمي: «لقد أردنا أن تكون هذه الموسوعة (النماذج الأدبية) سجلاً تعريفياً للتطور الثقافي الذي عاشته بلادنا طوال الحقبة الماضية». إن الموسوعة التي تقع في 10 مجلدات التي أصدرتها دار المفردات في الرياض هذا الشهر تقدم صورة شاملة لسيرة الأدب السعودي طوال مائة عام، بوصفها أول موسوعة ترصد هذه السيرة عبر الأجناس الأدبية المختلفة، الشعر، المقالة، القصة القصيرة، الرواية، السيرة الذاتية، المسرحية، بالإضافة إلى الدراسات والنقد الأدبي. وينفرد كل مجلد من مجلدات الموسوعة العشرة، بدراسة عامة تقدم لتطور هذا الجنس الأدبي أو ذاك، ويقدم المجلد الأول «مقدمة عامة» عن الوضع السياسي، والاجتماعي والاقتصادي والثقافي الذي يشمل أربع مراحل تبعاً للموسوعة وهي: البدايات، التأسيس، التجديد، التحديث، ملاحق تشمل أنظمة حماية حقوق المؤلف، الإبداع، نظام مجلس رعاية العلوم والفنون والآداب، نظام الأندية الثقافية والأدبية، نظام دارة الملك عبدالعزيز، نظام جائزة الملك فيصل العالمية، واللوائح الخاصة بجائزة الدولة التقديرية في الأدب. فيما تضمن المجلد العاشر تراجم الكتاب، وكشاف الأعلام والمصادر والمراجع، وقد تشكلت اللجنة العلمية للموسوعة التي ترأسها د. منصور الحازمي من د. عبدالرحمن الأنصاري «السيرة الذاتية» بالاشتراك ود. عبدالله المعيقل «الشعر»، ود. مرزوق بن تنباك «المقالة» ود. معجب الزهراني «القصة القصيرة» ود. منصور الحازمي «الرواية» ود. عزت خطاب «الدراسات والنقد الأدبي» أما «المسرحية» فقد كانت بالاشتراك بين د. الزهراني، ود. المعيقل، وكتب مقدمة المجلد الخاص بها د. نذير العظمة. وكتب عبدالرحيم الأحمدي «عضو اللجنة» عن الوضع الاجتماعي والاقتصادي، وتناوب أعضاء اللجنة الكتابة عن كل جنس أدبي، كل في مجاله. وتولى الإشراف والمتابعة د. عبدالواحد الحميد. تجليات الموسوعة لا تنهض الموسوعة تماما بعبء التسمية الاصطلاحية لكلمة موسوعة، فهي مقدمات نقدية لكل جنس أدبي، ومجموعة كبيرة مختارة من النصوص، ولو أنها انبثقت من خلال الإطار المصطلحي لمسمى «موسوعة» لكانت احتوت كل أو حتى جل ما ظهر من كتاب وأدباء في السعودية، لكن الموسوعة «المختارات» تبنت مصطلح «موسوعة» فيما يوضح د. الحازمي في المجلد الأول «للتعبير عن مختلف الأفكار والثقافات والاتجاهات التي عاشتها بلادنا خلال مائة عام». إن الموسوعة كانت ستصدر خلال احتفالات المئوية، لكن العمل الدؤوب لإعدادها لم يفرغ منه القائمون عليها إلا بعد فوات المناسبة، لكن يبقى العمل شاهداً على هذا الجهد الكبير الذي بذل لتقديم صورة شاملة للأدب العربي السعودي الحديث، ولتنوع هذا الأدب، وثرائه. لقد انقسمت الموسوعة إلى أربع مراحل أو فترات تاريخية على النحو التالي: 1- مرحلة البدايات: 1319 1342ه «1902 1923م». 2- مرحلة التأسيس: 1343 1373ه «1924 1953م». 3- مرحلة التجديد: 1374 1390ه «1954 1970م». 4- مرحلة التحديث: 1391 1418ه «1971 1998م». إن هذه المراحل الأربع حسب الموسوعة «يتكون كل منها من حوالي ربع قرن، لا يمكن فصل بعضها عن بعض، فهي متلاحقة متداخلة، فالمرحلة الأولى تمثل بداية اليقظة على المستويين المحلي والعربي، والثانية بدأت بدخول «السلطان» عبدالعزيز مكةالمكرمة، وفي هذه المرحلة بدأت الدولة الحديثة بكل طموحاتها وتوجهاتها واصلاحاتها وانفتاحها على العالم الخارجي، كما انتعش التعليم وازدادت الصحف والمجلات والمطابع والمكتبات، والمرحلة الثالثة تبدأ بعهد الملك سعود، رحمه الله، وتستمر حتى سنة 1390ه 1970م، أما المرحلة الرابعة وهي مرحلة «التحديث» التي تستمر من عام 1301ه وحتى الوقت الراهن فقد كثرت المدارس والمعاهد والجامعات كثرة مذهلة، وتعددت منابر الأدب، وأسست الأندية الأدبية، وظهر فيها تياران عبرا عن المرحلة هما تيار «الحداثة» وتيار «الأدب الإسلامي». وكان تيار «الحداثة» قد بدأ في الشعر والقصة القصيرة منذ السبعينيات الميلادية، ثم بدأ يظهر أثره في النقد الأدبي في فترة متأخرة، أما الأدب الإسلامي فقد تبنته بعض الجامعات السعودية، وكان يبدو كردة فعل للتيار الحداثي الغربي، الذي كان سائداً في معظم البلدان العربية. هذا ما تقوله الموسوعة بالنسبة للمراحل الأربع بإيجاز. بيد أن المتأمل في هذا التقسيم يلحظ أنه تقسيم زمني لا فني، بمعنى أن البعد التاريخي هو الذي سيحدد الأسماء المختارة التي تعبر عن كل مرحلة، مما سيخلط أوراق «الجنس الأدبي» فهناك تداخل في هذه المراحل، وتداخل بين الأجيال، وسيهمل هذا البعد سيرورة «الجنس الأدبي» وتحولاته النوعية. والسؤال هنا: هل ينطبق هذا البعد التاريخي على تاريخ البلد نفسه، أم على تاريخ الجنس الأدبي وتحولاته؟ وإذا كان ينطبق على تاريخ البلد «السعودية» فلماذا لم تبدأ بالتاريخ الفعلي لظهور مسمى «المملكة العربية السعودية» في العام 1932م؟ وبالتالي يتم منهجياً تبرير ظهور أسماء أدبية من مناطق المملكة المختلفة؟ وإذا كان التقسيم ينطبق على تاريخية الجنس الأدبي وتطوراته من مرحلة لأخرى فلماذا يحدث خلط بين أسماء متضادة الاتجاه، متباينة الرؤى خاصة في مرحلة «التحديث» كما سنرى؟ أليس كان من الأجدى أن يكون التقسيم تبعاً للجنس الأدبي مادام أن الموسوعة ترتكز على هذه الخصيصة في نهجها الأسمى، وأن يتم التقسيم إلى: جيل الرواد، وجيل الوسط، وجيل التحديث؟؟ إن هذا التقسيم الذي جاءت به الموسوعة ربما يحتاج للكثير من التأمل فهناك تبعا للأسماء المختارة خلط بين البدايات والتأسيس من جهة، وبين التجديد والتحديث من جهة ثا نية، وتواريخ مواليد الكتاب والأدباء المختارين لا تعني بالضرورة انتماء هذا الكاتب أو ذاك الأديب إلى جيل محدد، فالشاعر محمد العلي مثلاً ينتمي في نوعية نصوصه إلى مرحلة التحديث لا إلى مرحلة التجديد كما جاء في الموسوعة، ولا يمكن أن يندرج نوعيا وفنيا مع شعراء متبايني الاتجاه معه مثل: عبدالله العثيمين، أو محمد الدبل، أو مقبل العيسى، أو أحمد سالم باعطب، أو عبدالله بن خميس. كما لا يمكن أن نقرن في مر حلة التحديث بين أسماء شعرية مثل: إبراهيم الحسين، وإبراهيم صعابي، وأحمد الملا، وحبيب معلا المطيري، وعلي الدميني، وعبدالرحمن العشماوي، أو محمد الثبيتي وعبدالله الصيخان، وإبراهيم الوزان، على سبيل المثال. ربما يحتاج هذا التقسيم إلى نوع من الضبط المنهجي، حتى تتلافى هذا القرن غير المبرر على المستوى الفني، أو حتى على المستوى التاريخي. ويقدم المجلد الأول في الموسوعة صورة عامة حول الأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية لكل مرحلة، كما ذكرنا، ويستهل المجلد الثاني الأجناس الأدبية، حيث يتضمن نصوصا ل 181 شاعراً يمثلون المراحل الأربع، مسبوقاً بمقدمة عن الشعر العربي السعودي تقع في الصفحات «13 88» من المجلد الثاني كتبها د. عبدالله المعيقل، معدّ الجزء الخاص بالشعر في هذه الموسوعة. الشعر: هاجس التنافر تقدم الموسوعة نصوصاً شعرية ل 181 شاعراً، ينقسمون بحسب المراحل الأربع إلى التالي: البدايات: 16 شاعراً، التأسيس 29 شاعراً، التجديد 59 شاعراً، التحديث 77 شاعراً. ومما يلفت الانتباه في هذه الإحصائية زيادة عدد الشعراء بشكل مطرد كلما تواترنا إلى مرحلة التحديث، وهذا يدل على زيادة الأفق الشعري وكثافة التجارب الشعرية مع تحولات النهضة الثقافية والاقتصادية بالمملكة، كما أن ظهور الشاعرات بدأ مع مرحلتي التجديد والتحديث، حيث تم اختيار نصوص لأربع شاعرات في مرحلة التجديد هن: ثريا قابل، رقية ناظر، سلطانة السديري، ومريم البغداوي، فيما اختير 12 نصاً ل«اثنتي عشرة شاعرة في مرحلة التحديث»، وبذا يكون عدد الشاعرات في الموسوعة 16 شاعرة، وهي نسبة تعد قليلة جداً بالقياس إلى عدد الشاعرات اللائي ظهرن في الأدب السعودي خاصة في المرحلة الأخيرة، وفيما وضعت أسماء شاعرات مغمورات إلى حد ما مثل: نجلاء السويل، وشريفة أبو مريفة، تجاهلت الموسوعة الشاعرات: سارة الخثلان، سلوى خميس، وآمال بيومي، وهن أكثر نضجاً، وأكثر تمثيلاً وتعبيرا عن مرحلة التحديث. هذا بالنسبة للشاعرات، أما بالنسبة للشعراء، فإن الموسوعة تقدم صورة متميزة للوجه الشعري السعودي وتفصيلاته المختلفة، وهي على الرغم من الملاحظات المقبلة، تعد من أهم الموسوعات التي تبرز صورة تحولات كل جنس أدبي بالمملكة، لكن مع ذلك ستثير مسألة اختيار الأسماء الشعرية نوعاً من الجدل الكثيف عند تأملها ومقاربتها بشكل منهجي، وبرؤى نقدية متعددة، ويمكن أن نشير إلى جملة من التأملات في الموسوعة فيما يتعلق بهذا المجلد الخاص بالشعر: أولاً: إن أقدم شاعرين وردا بالموسوعة هما: أحمد الحفظي «1133 1233ه» و إبراهيم اسكوبي «1269 1332ه» الأول من عسير، والثاني من المدينةالمنورة، فهل ينطبق عليهما مسمى «شاعر سعودي »خاصة أنهما عاشا وماتا قبل تأسيس المملكة العربية السعودية نعم إنهما يدرجان في مرحلة البدايات، فأين الشعراء الآخرون الذين عاشوا في جنوب المملكة وفي الحجاز تلك الفترة، ولماذا لم تمتد مرحلة البدايات إلى الدولة السعودية الأولى والثانية، ثم ومن وجهة أخرى هل يندرج هذان الشاعران إلى مسمى «الشعر الحديث»؟ ثانياً: أدى هذا التقسيم الرباعي إلى الخلط بين الاتجاهات الشعرية المختلفة، وإلى ورود أسماء في مرحلة ما كان يمكن أن يكونوا مدرجين ضمن مرحلة أخرى، على سبيل المثال في مرحلة البدايات نجد أسماء مثل: محمد حسن فقي، حسين عرب، حمزة شحاتة، محمد حسن عواد، حسين سرحان، وعبدالله الفيصل، فيما نجد في مرحلة التجديد أسماء شعرية مثل: حمد الحجي، زاهر الألمعي، عبدالله بن إدريس، عبدالله بن خميس، محمد الفهد العيسى، ومحمد هاشم رشيد. والمتأمل في شعر هؤلاء جميعا لا يجد فوارق نوعية كبيرة فيما بينهم، فلماذا تم تقسيمهم في مرحلتين؟ بل إن أسماء شعرية في مرحلة البدايات مثل: حمزة شحاتة، والأمير عبدالله الفيصل أكثر تجديداً ممن ذكروا في مرحلة التجديد. ثالثاً: وردت أسماء في مرحلة «التحديث» وكان يجب أن تكون في المرحلة السابقة تبعاً لخواص نتاجها الشعري كما وردت أسماء في مرحلة «التجديد» كان من الأحرى وضعها في مرحلة «التحديث». فمن الأسماء الواردة في مرحلة «التحديث» الشعري: إبراهيم صعابي، و إبراهيم مفتاح، وحبيب معلا المطيري، وحمد الرشيدي، وسعد عطية الغامدي، وصالح الزهراني، وعبدالرحمن العشماوي، وعبدالله الرشيد على سبيل المثال فأي «تحديث» شعري صنعه هؤلاء الشعراء في سياق الشعر الحديث في المملكة؟ بل أي تجديد، ونصوصهم كما هي موزونة مقفاة مكررة للمعجم التقليدي؟ ألم يكن من الأجدى وضعهم في مرحلة أخرى سوى التحديث؟ ومن الأسماء الواردة في مرحلة التجديد: حسن القرشي، وغازي القصيبي، ومحمد العلي، وهؤلاء الشعراء من الممكن إدراجهم في مرحلة «التحديث» إذ قدموا كل في اتجاهه نوعا من التجريب الشعري المختلف، ليس في مجرد الشكل بل في الرؤية الشعرية نفسها، وكيف يوضع هؤلاء كما أشرت سابقاً مع شعراء من مراحل تقليدية مثل: عبدالله بن إدريس، عبدالله بن خميس، وزاهر الألمعي؟ رابعاً: ورد اسم القاص والكاتب عبدالله السفر من بين الشعراء، ومجموعته الصادرة بعنوان: «يفتح النافذة ويرحل» المختار منها نصه: «طقوس أولية لجثث لا تنتهي» تنتمي إلى القصة القصيرة الحديثة المكتوبة بلغة شعرية، وهي ليست ديواناً شعرياً، ولا ادعى عبدالله السفر يوماً ما أنه شاعر. خامساً: خلت المختارات من أسماء شعرية معروفة منها على سبيل المثال: أحمد عسيري، إبراهيم طالع الألمعي، سعد الحامدي الثقفي، خالد مصطفى، فيما تضمن أسماء مغمورة، أو أسماء لا أثر شعري لها يمكن تلمسه في نصوصهم. سادساً: تضمن المجلد الخاص بالشعر نصوصاً لمن أسهموا في إعداد الموسوعة حيث ورد نص «ترانيم» لعبدالرحيم الأحمدي، ونص «عودة الغريب» لمنصور الحازمي، وهذا قد يثير نوعاً من عدم المنهجية، وكان يمكن لمعدي الموسوعة أن ينأوا عن هذا الاختيار، لأنه كان يمكن إفساح المجال للأسماء الشعرية الغائبة، فضلاً عن ذلك تم اختيار نصوص شعرية لبعض نقاد الأدب الذين عرفوا بأنهم نقاد لا شعراء، مثل: د. عبدالرحمن السماعيل، ود. عبدالله الفيفي. إن هاجس التنافر سيظل ملازما لمن يتتبع تقسيمات الشعراء خا صة في المراحل الأخيرة.. لكن هذا التجاور والتباين بين الأسماء الشعرية قد يصنع نوعاً من اللوحة الفسيفسائية للمشهد الشعري بالسعودية، وقد يضفي نمطاً من التنوع بين نص وآخر وشاعر وآخر، على رغم من أن نوعية بعض النصوص المختارة قد لا تمثل شعراءها تماماً خاصة في مرحلة التحديث إلا أن الموسوعة مع ذلك تبقى واحدة من أهم الموسوعات التي صدرت بالسعودية في المرحلة الراهنة.