في كتابه (العولمة والتنمية العربية) الصادر من مركز دراسات ا لوحدة العربية – بيروت عام 2000، يقدم مؤلفه الدكتور جلال أمين، قراءة للأوضاع الاقتصادية في البلاد العربية في ظل العولمة، على مدى القرنين الماضيين. ويستشرف مستقبل العرب من خلال قراءته الآثار المترتبة وتلك التي يمكن أن تترتب عن «عولمة المنطقة العربية»، التي ارتبطت الأحداث والتحولات فيها بالوتيرة المتسارعة التي اتسمت بها أحداث العالم وتحولاته في العقود الأخيرة بصورة خاصة. يضع الكاتب العلاقات الاقتصادية بين العرب والغرب بشقيّه (الأوروبي – الأميركي)، في إطارها التاريخي، ابتداء من عشية دخول نابليون مصر، وصولاً إلى جولة الأوروغواي، ليقدم خرائط واضحة ترسم طبيعة هذه العلاقات وأهدافها وما آلت إليه عبر مراحلها المختلفة، بدءًا بشعارات «التنوير» و«التنمية الاقتصادية» و«السلام»، انتهاء بالنتائج الكارثية التي تمثلت «التغريب». ويبحث في التأثيرات التي تتعرض لها الدولة والثقافة والبيئة والتنمية البشرية، في ظل عقود من العولمة المتسارعة. ذلك أن للعولمة آثارها الإيجابية كما لها آثارها السلبية باهظة التكاليف التي تتمثل في دفع دور الدولة إلى الانحسار وتقليص قدراتها الوظيفية، مما يجعلها غير قادرة على حماية البيئة مثلاً، في ظل نمو الفوارق الاجتماعية والفجوات على مستوى المداخيل بين الدول في العالم وبين الفئات المجتمعية في الدولة الواحدة، حيث تتعمق الهوة بين قلة قليلة من الأغنياء وسواد أعظم من الفقراء.. هذا الغياب التدريجي للدولة التي تترك وظائفها ومهامها في عهدة الشركات الكبرى، يترك أيضًا آثاره السلبية على الثقافة، إذ تحل اللغات الأوروبية محل اللغة العربية، ويصاحب ذلك عملية تحول سريع للمجتمع على مستوى البنى الثقافية والقيمية، من حيث الميول والأنماط السلوكية، وفاقًا لما يفرضه قانون السوق. على أن تاريخ العلاقة بين العرب والغرب، كما يبين الباحث، ليس تاريخ «تقدّم مطرد» أو استتباع واستغلال، بقدر ما هو تاريخ «انسلاخ» واستلاب. ذلك أن الاتصال بالغرب، والذي بدأ اقتصاديًا، ترك، حتى الآن، أبلغ الآثار وأقواها على المستوى الاقتصادي كما على المستوى المجتمعي، في كل مظاهر الحياة في المجتمع: في الفكر والسلوك ونمط العيش، فعلى مدى القرنين المنصرمين عاش العرب في علاقاتهم مع الغرب تجارب عديدة، يرى فيها المؤيدون للمزيد من الارتباط بالغرب، ما يحقق «التقدالاقتصادي». ويرى فيها المعارضون لهذا الارتباط، إستراتيجية «للاستغلال الاقتصادي» و«الاغتراب الحضاري والثقافي، التي كلفت وستكلّف العرب المزيد من المسخ لهويتهم». إن الانسلاخ من الثقافة والهوية القومية والوطنية يؤدي بالعديد من المجتمعات إلى ردّات ثقافيّة وأخلاقية ينميها الشعور القومي أو الديني، ومع ذلك فإن الدول لا تستطيع إيقاف مدّ العولمة بقدر ما تستطيع التحكّم في المظاهر السلبيّة التي تنتج عنه. في النهاية يمكن القول إن العولمة تعني ذوبان الخصوصية، وعلى العكس الهوية تجمع بين العمومية والشمولية. ** **