كان للدكتور غازي القصيبي - رحمه الله - منذ أن بلغ الأربعين قصيدةٌ مع كل عقد من عمره؛ فضلاً عن الأبيات التي تتضمن إشارات عابرة للشيب أو الشيخوخة. ففي الأربعين يرد على ابنته التي جعلت تقص شعراته البيض وهي تقول له: (لا أرضى لك الكبر). يقول من قصيدته (يارا والشعرات البيض): وأنشأ قصيدته (أمام الأربعين) التي يقول في مطلعها إنه أمام الأربعين، كمن يشاهد شريطًا ملونًا بالنقيضين: المباهج والأحزان: وفي الخمسين نظم قصيدته التي مطلعها: وتساءل فيها بدهشة: أما ملَّ بعد هذه الجولة الطويلة في الحياة وهذا الصراع اليومي؟ وتلاها قصيدته في الستين التي يتصور في مطلعها غانية تغويه، ويصفها بالشيطانة، لكنها (أحلى الشياطين)، افتتحها بقوله: وكأنما استبطأ عقد السبعين، وصار عنده هاجس ألا يدركه، فكتب قصيدته التي افتتح بها ديوانه الذي أعطاه الاسم نفسه (حديقة الغروب)، وكان في الخامسة والستين. ومع أن مشيئة الله أرادت للقصيبي أن يبلغ السبعين، ويكتب قصيدته الأخيرة (سيدتي السبعون)، إلا أن (حديقة الغروب) فاقت في شهرتها كلَّ شِعره، واحتفل بها الأدباء في كل أرجاء الوطن - وما أكثر أصدقائه ومحبيه ومريديه - لأنهم قرؤوا فيها رثاءه لنفسه. لقد أزعجتهم القصيدة أكثر مما أعجبتهم. وقد عارضها أكثر من شاعر، أخذ كل منهم يفنِّد ما أورده فيها داعين شاعرهم الكبير إلى الرفق بنفسه وبهم. بدأ القصيدة بسؤاله المحوري الذي ردده في قصائد سابقة (أما مللت؟)، وبالرد على نفسه (بلى): ثم يتجه بحديثه - أو وصيته - لثلاثة من الذين يهمه أن يستمعوا إليه. وصيته الأولى لرفيقة دربه: ووصيته الثانية لمعجبة بأدبه: وأما وصيته الثالثة فلوطنه: ويختم رائعته أجمل ختام بدعائه لخالقه: ** **