تُعرّف الخرافة بأنها: «الاعتقاد أو الفكرة القائمة على مجرد تخيلات دون وجود سبب عقلي أو منطقي مبني على العلم والمعرفة»، كما كان يعتقد بأن الخرزة الزرقاء تدفع الشر وأن حدوة الفرس مجلبة للخير، وما إلى ذلك من «الوهم» الذي يعيشه البعض ويؤدي به إلى هدر مزيد من الجهد والوقت وضياع للمقدرات والتسليم بأفكار ما أنزل الله بها من سلطان. في إدارة المدن هناك نسخة عمرانية من هذه الخرافات تظهر على هيئة معتقدات لدى ممثلي سكانها أو مدرائها تعارفوا عليها ومارسوها وصارت جزءا من عقلية إدارتها والأخذ بها كمعايير للتطوير أو أحد تلك البدائل التي تستخدم كحلول لمعالجة قضايا المدينة ومشاكلها الحضرية، دون تفكير وتحليل لماهيتها أو حتى السؤال عن فاعليتها أو الحاجة إليها ومدى وملاءمتها، وفي كثير من الأحيان تصل بهم إلى مستوى مُطوّر لممارسة ثقافة القطيع العمراني لكن بشكل ممنهج. كثيرة هي الأمثلة التي تجسد قضية الخرافات العمرانية ويأتي في مقدمتها على المستوى الإستراتيجي إيمان كثير من الأجهزة المعنية بإدارة التنمية العمرانية - بمختلف قطاعاتها - بالسياسات والأنظمة وأنماط وتشريعات التخطيط العمراني «الموّحدة» لجميع المدن سواء كبيرة أم متوسطة أم صغيرة، قرى كانت أو هجر أو تجمعات بشرية محدودة دون النظر إلى اعتبارات أحجامها ومواقعها وطبيعتها وعدد سكانها وظرفيتها المكانية وتركيبتها السكانية وميزها النسبية والتنافسية ومستواها الاقتصادي، وهذا في نظري إخفاق كبير ومغامرة غير محسوبة قد تؤدي إلى نتائج وخيمة على المدى الزمني البعيد. في المستوى التنفيذي أيضاً تظهر كثير من المعتقدات في إدارة المدن تُبرهن أننا لا زلنا بحاجة إلى «غسيل دماغ» لنتخلص من سيطرتها وتحكمها بتوجهات التنمية المكانية، أمثلة عاشت معنا لسنوات كان البعض يعتبرها من معايير التطوير للمدينة أو القرية وتعبير عن إنجاز مزعوم، ومصدر تفاخر، بل يصل الأمر حتى إلى تقديسها، وفي الحقيقة ماهي إلا فشل ذريع وبرهان على عدم القدرة على قراءة تطوير المدينة بالمفهوم المبدع والمبتكر. من الممارسات البائدة والتي تصدرت المشهد ردحاً من الزمن ويتم تنفيذها دون فهم لمقاصدها ومعاييرها أمثلة ك»التوسع الأفقي»، «الطرق المزدوجة»، «الجزيرة الوسطية»، «بوابة مدخل المدينة»، «تشجير الشوارع»، «الإنارة المضاعفة»، «المجسمات الأسمنتية»، «تلوين الأرصفة»، «سفلتة كل شيء»، «ارتدادات المباني وارتفاعاتها»، «الحدائق المُسوّرة»، «الرصيف الغارق بأثاث الشارع»، وحدث ولا حرج لكثير من العناصر التي تُوظّف في غير مكانها، بينما مفهوم تطوير المدينة أبعد بكثير من إغراقها بمثل هذه المكوّنات المادية «كماً» لا «كيفاً». تنمية المدن ليست مُنتجا، بل حالة مستمرة من التغيير والإبداع والابتكار من أجل صناعة مكان يلائم حياة الناس ويلبي احتياجاتهم.