قرار وزارة الشؤون البلدية والقروية إنشاء مركز لتطوير التصميم والتخطيط الحضري للمدن السعودية رغم مجيئه متأخراً وبعد طول انتظار، إلا أنه يعد خطوة مهمة، وتوجه في الطريق الصحيح، وهو بلا شك يعتبر إيماناً ضمنياً بأن هناك مشكلة حرجة تواجه المدن السعودية على مستوى التخطيط والتصميم الحضري، وهذا بحد ذاته أمر مُحفّز ويدعو للتفاؤل بإيجاد خارطة طريق من أجل حلول مبتكرة وغير تقليدية للتعامل مع حالة المدن الراهنة والمستقبلية. في رأيي الشخصي أن الأهداف المعلنة لمركز تطوير التصميم والتخطيط الحضري تحتاج إلى مراجعة وإعادة صياغة بهدف التركيز على مفهوم «التطوير» بشكل رئيس وممارسة دور «إستراتيجي» و»توجيهي» بالدرجة الأولى دون الدخول في حقل التفاصيل «التنفيذية» والتي من المهم جداً أن تبقى ضمن الاختصاصات والمسؤوليات المناطة «مؤسسياً» بإدارات ووكالات الوزارة الأخرى نظراً لأهليتها كبيوت خبرة ولما تمتلكه من رصيد كبير من المعرفة والتشريعات والأنظمة والمراجع الحضرية المتميزة، وحتى لا يتحول المركز مع مرور الزمن وتكالب المهام والأعمال المباشرة إلى إدارة تقليدية ويعود بنا إلى المربع الأول. أعتقد أن أكبر مشكلة ستواجه مركز تطوير التصميم والتخطيط الحضري هي التعامل مع البيئة العمرانية القائمة و»الحرجة»، حيث إن جل المدن السعودية تمدّدت أفقياً وبشكل مفرط وتجاوزت معدلات النمو المخطط لها، حتى اضطرت في كثير من الأحيان إلى إعادة تحديث مخططاتها الهيكلية ومواصلة «النمو العمراني» اللا محدود، مما أفقدها القدرة على التحكم في إدارتها العمرانية والبقاء على مشارف «التنمية العمرانية» التي لم تتمكّن من الوصول إليها حتى الآن كونها مثقلة بالمسؤوليات «الآنية» وأعمال التشغيل مع ازدياد الطلب على الخدمات لمجاراة التوسع العمراني بشكل مطرد، وهذا ما جعل كثير من المدن تضع جودة التخطيط والتصميم العمراني «أمراً ثانوياً» لأنها مشغولة جداً بتوفير الحد الأدنى من تلبية خدمات البنية التحتية للسكان. في -رأيي الشخصي- أن المدن السعودية ليست بحاجة لمزيد من التشريعات والأدلة والإرشادات فهي تمتلك مخزوناً معرفياً وتنظيمياً كبيراً. ما تحتاج إليه المدن السعودية هو إخراجها من غرفة «العناية المركزة» التي تعيش داخلها منذ سنوات، ومساعدتها في تطوير قدراتها لاستعادة «التحكم بإدارتها العمرانية» من خلال حظر ممارسة التخطيط والتصميم العمراني على غير المتخصصين، وتمكين المخططين والمصممين الحضريين «السعوديين» ومنحهم الفرصة الكاملة في تفعيل دور التخطيط والتصميم العمراني «عملياً» بكل أدواته وقوانينه وتطبيقاته ومخرجاته المختلفة، وتأصيله كمرجع رئيس لأي قرار يتخذ على مستوى إدارة المدن، ومراعاة أن يكون ذلك مبنياً وفق ظرفية التدرج الهرمي للتجمعات العمرانية بالمملكة على المستوى الوطني والإقليمي والمحلي، نحن هنا نتحدث عن بناء «نموذج تنفيذي» يُمكّن من ترجمة الأفكار والمبادرات والمعايير إلى برامج ومشاريع تؤثّر في ثقافة إدارة المدن ومسيريها. ما يجدر بنا فهمه أن البحث عن حلول لمشاكل المدن السعودية خارج إطار التخطيط والتصميم العمراني يعد مضيعة للوقت وهدر للمقدرات واستهلاك للجهود، لذلك تأتي أهمية إنشاء مركز تطوير التصميم والتخطيط الحضري وقيمته المضافة، أنا متفائل جداً بأن هذا المركز سيقود تغييراً نوعياً، وتطويراً جذرياً. الأهم أن يتسم عمله بالمنهج «العملي»، وإمكانية «التدخل السريع» لمعالجة الوضع الراهن، وللمساهمة في الحد من شيخوخة المدن المبكرة، وأن تكون مخرجاته قابلة للانتقال لحيز الواقع، فالمدن السعودية لم تعد تحتمل مزيداً من الانتظار.