يرى الدبلوماسيون والمحللون ان التنافس الدبلوماسي الذي شهدته اروقة مجلس الامن بين فرنساوالولاياتالمتحدة من وجهة نظر الفرنسيين يتعلق بترتيب النظام العالمي في المستقبل، ومكان امريكا به، فضلا عن التهديد العراقي للامن الدولي، وان ما يثير قلق فرنسا هو محاولة واشنطن اقرار مبدأ حق القيام بعمل وقائي. ويقول بول سوندرز مدير مركز نيكسون للدراسات السياسية «ان فرنسا مثلها في ذلك مثل عدد من الدول الاخرى تشعر بالانزعاج بعض الشيء ازاء احتمال قيام قوة عظمى بعمل عسكري في المكان الذي تريده دون ضوابط، لذا فان تركيز هذه الدول يتجه الى التأثير على هذه القوة اكثر من أي شيء آخر». ويضيف سوندرز قائلا «ان مجلس الأمن يمثل بالنسبة للفرنسيين خط الدفاع الاخير». تجدر الاشارة الى ان هناك ثلاث دول اخرى تتمتع بحق الاعتراض «الفيتو» في مجلس الامن هي الصينوروسياوبريطانيا، إلا ان فرنسا هي اكثر الدول وضوحا في تحدي الاتجاه الامريكي الخاص بتشكيل تكتل دولي ضد العراق، في الوقت الذي سعت فيه واشنطن بمساندة بريطانيا الى استصدار قرار قوي من مجلس الامن يتضمن دخول المفتشين الدوليين الى العراق دون قيود، وفي حالة عرقلة العراق لمهمة المفتشين كما حدث في الماضي عندئذ تقع نذر الحرب. دبلوماسية اشهار السلاح وعلى الجانب الاخر تريد فرنسا بمساندة روسيا اصدار قرارين، الاول يقضي بوضع نظام تفتيش صارم، والثاني يتعلق بالتدخل العسكري - في نهاية المطاف اذا فشل العراقيون في الالتزام بالقرار الاول، ويخاطب هذا القرار المكون من مرحلتين مظاهر القلق الحقيقية التي تشعر بها فرنسا من العراق وتشاركها فيها الولاياتالمتحدة، فضلا عن انه يكشف عن مظاهر قلق اخرى من بينها النظر الى الولاياتالمتحدة على انها تتسلح بدبلوماسية «اشهار السلاح». يقول دبلوماسي اوروبي بارز في واشنطن «ان الفرنسيين يرون ان هذا الامر يتعلق بواشنطن وعلاقاتها معهم ومع العالم» ان فرنسا ترى ان ادارة بوش تتعامل بازدراء مع المنظمات الدولية الاخرى مثل المحكمة الجنائية الدولية وبروتوكول كيوتو الخاص بتغير المناخ، وتعول فرنسا على مجلس الامن باعتباره الامل الاخير في كبح جماح القوة الامريكية الجبارة. لا.. للتفويض المطلق ومن جانبه، يرى فرانسوا هيسبورج، مدير معهد الابحاث الاستراتيجية في باريس، ان الفرنسيين مثل معظم الاوروبيين لايريدون اعطاء الولاياتالمتحدة تفويضا مطلقا، وهنا يقول سوندرز ان هذا الموقف يتسبب في «درجة عالية من التوتر» بين الولاياتالمتحدة واقدم حليف لها، فضلا عن انه يضع باريس في موقف دقيق وحساس، ويقول «ان الفرنسيين من جانبهم يريدون استخدام مجلس الامن لممارسة بعض النفوذ على سياسة الولاياتالمتحدة، ولكنهم في نفس الوقت لايريدون في الحقيقة التمسك بالعناد في مواجهة الولاياتالمتحدة الى الدرجة التي تدفع ادارة بوش الى العمل خارج اطار الاممالمتحدة». ان استخدام حق الاعتراض «الفيتو» في مجلس الامن لمنع واشنطن من القيام بعمل عسكري ضد العراق يمثل بالنسبة للفرنسيين هزيمة بالفعل لكل من فرنسا والمجتمع الدولي حيث سوف يترتب عليه اطلاق يد الولاياتالمتحدة للعمل بمفردها على نطاق واسع في منطقة حيوية. انشقاق في الادارة الامريكية لقد لخص وزير الخارجية الفرنسي دومنيك دوفيلبان مظاهر قلق بلاده في رد له على احد اعضاء الجمعية الوطنية الفرنسية عندما قال انه يجب على فرنسا ان تستخدم «الفيتو» لمنع صدور أي قرار يسمح باستخدام القوة من جانب الولاياتالمتحدة. وقال دوفيلبان «اذا استخدمت فرنسا الفيتو سننحرم من استغلال نفوذنا وقدراتنا التي تتيح لنا ان نكون جزءا من اللعبة الدولية». مصالح فرنسية ويقول هيسبورج «اننا لانعرف بعد ما اذا كان بوش سوف يسير مع حكومة تشيني او حكومة كولين باول، ان الفرنسيين يفكرون في مصالح عريضة، فضلا عن ان لديهم وجهة نظر اكثر اتساعا من مجرد التركيز فقط على علاقاتهم مع الولاياتالمتحدة، وتشمل مصالح فرنسا الاخرى علاقاتها الاقتصادية مع المنطقة، ودورها التاريخي في الشرق الاوسط، فضلا عن الاعتراف بدور القوة العسكرية في عالم اليوم، ان فرنسا تريد بوضوح تأمين تعاملاتها التجارية مع العراق والعالم العربي، وتريد الاشتراك في التخطيط لما بعد صدام في العراق. ويرى احد الدبلوماسيين «ان القضايا الاساسية بالنسبة لفرنسا تتمثل في معرفة الطرف الذي سيكون له التأثير على مجريات الاحداث في منطقة الشرق الاوسط في المستقبل، ان فرنسا تعد واحدة من دول قليلة تستطيع المشاركة في عمل عسكري في العراق او أي مكان آخر، وهي تريد ان تعي امريكا هذه الحقيقة، ولكنها لاتريد ان يأتي اليوم الذي تلتفت فيه الى الوراء وتقول عن هذه الازمة انها جرت بسبب ترك العنان للولايات المتحدة في الشرق الاوسط. خدمة كريستيان ساينس مونيتور .