لم يعد الحديث عن اشتعال التنافس بين أميركا والصين لقيادة العالم اقتصادياً ومن سينتصر هو محور التوقعات، بل بات لدى الكثير من مراكز الأبحاث القناعة الكاملة بأن المنتصر هو الصين وآخرها مركز الاقتصاد والأعمال البريطاني الذي توقَّع أن تتفوَّق الصين على أميركا بحلول العام 2028 م بسبب الفارق الكبير بمعدلات النمو المتوقَّعة للدولتين لصالح الصين بأكثر من ضعفين على أقل تقدير، بل وزاد المركز في توقعاته للتغيّرات بمراكز الدول اقتصادياً ليضع الهند بالمركز الثالث بحلول العام 2030 متفوّقة على اليابان التي تحتل هذا المركز حالياً، فالعالم يبدو على موعد مع تغيّرات كبيرة بموازين القوى الاقتصادية سيكون لها تأثير واسع على توجهات الاستثمار دولياً فالمركز البريطاني أرجع سبب توقّعه لتفوّق الصين في إدارتها لازمة كورونا مما سيعطيها الفرصة لتتقدَّم كثيراً على أميركا وأوروبا بمعدلات النمو الاقتصادي، فقبل حوالي شهرين أطلقت الصين خطتها التنموية الخمسية التي تطمح من خلالها لتحقيق معادلة التداول المزدوج أي تعزيز حضورها الدولي بالتجارة من خلال الاستفادة القصوى من العولمة وأيضاً رفع دور المستهلك الصيني في نمو الاقتصاد وقدرت بأن تصل لأهداف هذه الخطة العام 2035م أي أنها تضع حالياً الأسس التي توصلها لهدفها البعيد تدريجياً، فجميع المؤشرات والإحصاءات تشير لعودة دوران عجلة الاقتصاد بالصين لوضعها قبل جائحة كورونا بنسبة كبيرة جداً ورغم أنها تعيد النظر بخططها الدولية لتوجهاتها بالاستثمار خصوصاً بمبادرة الحزام والطريق حسب ما يرشح من أخبار لكنها ماضية في هيمنتها على الحصة الأكبر بالتجارة الدولية ويدعمها بذلك توسعها بالتحالفات على مبدأ لا تنمية بدون انفتاح. ففي العام 2000 لم يكن حجم الاقتصاد الصيني يزيد عن 3.6 بالمائة من الاقتصاد العالمي لكنه اليوم يقارب 18 بالمائة وهو ما يفسر تسارع تأثير الصين بالاقتصاد العالمي وأنه بات يمثِّل ركيزة أساسية فيه فهذا الحجم من التأثير يوضح صعوبة المعركة التي بدأت بها أميركا لكبح نمو الصين الكبير من خلال الحرب التجارية التي بدأها الرئيس الأميركي ترمب والتي انتقلت لتفاهم على صيغة تجارية جديدة للعلاقة بين الدولتين لكن مواجهة الصين لم تعد أمراً يسيراً لأميركا إذا ما أرادت أن تقوم بذلك منفردةً ولذلك ستخسر أميركا هذه المواجهة لأن الأدوات التي تملكها وتتفوّق فيها على الصين لم تعد كافية لأكثر من تأخير تفوق الصين وهو ما يتضح بشكل غير مباشر من تصريحات الرئيس المنتخب بايدن الذي بدأ يوجه رسائل لحلفاء أميركا التقليديين في أوروبا وكندا وشرق آسيا بأنه سيعود لسياسة تعزيز التحالف معهم وهو ما يعني بالضرورة مواجهة تحديات مشتركة ومن أهمها تفوق الصين عليهم اقتصادياً، فلم يعد بإمكان أي قوى كبرى أن تعيش بمفردها دون تحالفات ومصالح متبادلة، ولعل القوى الغربية خسرت كثيراً بالمقارنة مع مكاسب الصين التي باتت الشريك التجاري المفضَّل للكثير من الدول بمختلف قارات العالم خصوصاً في آسيا وإفريقيا اللتين تحققان أعلى معدلات النمو بالاقتصاد العالمي. المواجهة الأميركية للصين قائمة ولكن مفاتيح اللعبة لم تعد بيد قوة واحدة، وأصبح من الضروري التعامل على أساس أوزان الدول الجديدة بالاقتصاد العالمي وتأثيرها على التجارة الدولية، فلم يعد ممكناً استمرار التفكير بالحروب التجارية والصراعات التي لن تحقق أي هدف سوى عدم استقرار الاقتصاد العالمي مما يعني بالضرورة أن التفاهمات والاتفاقيات على علاقات تجارية عادلة ومنصفة ستكون هي الحل الذي سيسعى له الجميع.