لا أعتقد أني قادر على تذكر كل الفنانين الذين يغنون أو يصارخون في القنوات الفضائية فكل قناة فضائية ملزمة أن تعبأ مساحات وقتها بأكبر كمية من المواد بأقل التكاليف. أظن أن أهم شرط لكي تقبل كمطرب في زمن الفضائيات هو أن تثبت بأنك لست أطرم . فطالما يخرج من حنجرتك صوت «حتى لو كان شخيراً» فأنت فنان بالفطرة وليس من حقك أن تحرم العالم من ابداعاتك ولم نتخلف في المملكة عن أمتنا العربية في هذا الامر فقد انكب على القنوات الفضائية وشركات تسجيل الكاسيت عدد لا حصر له من الشباب الراغب في الشهرة والفلوس. لا أعرف هل هذه ظاهرة صحية ام مرضية فالأمور بنتائجها ولأن الابداع لن يوقفه هجمة فنانين أو نصابين، فالعالم يتقدم دائما وان صادف تقدمه بعض التعرجات وعليه ارى بصيص نور في نهاية النفق كما يقول المثل الانجليزي. في الماضي أيام «سكة التايهين» و«عطني المحبة» كان الوضع عكس ما هو عليه الآن، كان يسيطر على سوق الفن في المملكة ثلاثة أو أربعة مطربين يتناوبون علينا واحد بعد الآخر. وهم على ما أذكر طلال مداح وعبد الله محمد وغازي علي وطارق عبد الحكيم. ثم دخل عليهم فجأة محمد عبده وزحفوا له من باب المجاملة ولكنه ركض وجلس في صدر المجلس. حاول الجميع زحزحته بالحسنى فلم ينفع معه لأنه كما أعلن جاء ليبقى في صدر المجلس. وعلى ما أذكر كان طارق عبد الحكيم يتصدر مجلس الفن ويبدو أن طلال مداح زحزحه وان كان لم يزله نهائيا لكن من الواضح انه كان يجلس مكانه في غيابه وإذا حضر لا يقوم احتراماً له وتقديراً لسنه. فعرف طارق عبد الحكيم ان أيامه في صدر المجلس أصبحت محدودة. فكان أول المؤيدين لمحمد عبده على تصرفه وعدم احترامه لمن سبقه ولكن طلال مداح عرف أن صدر المجلس الذي انتزعه من طارق عبد الحكيم اصبح مهددا. فاختبص في بداية الامر واخيراً اهتدى الى فكرة «ما يفل الحديد غير الحديد» فقدم بالتآمر مع لطفي زيني الفنان عبادي الجوهر بأغنية يا غزال يا غزال، كان من الواضح ان محمد عبده يشتغل مثل ما يشتغل البلدوزر لا ينفع معه مثل هذه السياسة خصوصا ان عبادي الجوهر لم يكن على هذا المستوى من الصراع، حيث انزوى يدندن على العود ويعلن الحزن على العالم دون هوادة، فأحس طلال مداح أن هذا الشاب ليس مرشحا لانقاذ مكانته فقرر الصراع بنفسه. كانت معركة غير متكافئة فطلال مداح لم يكن يملك سوى موهبته في الوقت الذي نجد فيه ان محمد عبده يملك بالاضافة الى الموهبة حساً إدارياً وقدرة على ادارة المعارك الاعلامية والمالية والاجتماعية. لم يكن محمد عبده مخطئاً أو مغروراً عندما قال في سنة من السنوات «أنا فلتة». شعر طلال مداح بالخطر، وفي مواجهة هذا الخطر المحدق ركز طلال جهوده في الفن وترك عنه الصراع باستخدام الآخرين. فاشتعلت معركة على كل الجبهات وفي الاخير تمكن طلال مداح من الصمور والبقاء حتى النهاية اظن ان صمود طلال مداح يعود الى النبل الذي تقوم عليه شخصيته فطلال مداح شخصية لا يمكن الا ان تحبه وتقدره فالفرق بين محمد عبده وطلال مداح ان محمد عبده مقدر له ان يصبح رجلا مهما سواء كان مطربا أو رجل اعمال أو مسؤولا كبيرا في البلاد اما طلال مداح فلم يكن امامه سوى ان يكون فنانا لا غير وما خدم طلال مداح في الأزمنة الماضية لا يمكن ان يخدم فناني اليوم لسبب بسيط : الناس في الماضي تخلط بين حياة الفنان الشخصية وبين موهبته الفنية وتتبنى تقييما مختلطا اما اليوم لكثرة الفنانين ولعامل السرعة التي نعيشها فالناس غير معنية بسلوك هذا او ذاك فلسان حالهم يقول: قدم لي اغنية جميلة او اذهب أنت وسلوكك الى الجحيم.