الأسهم الأوروبية تغلق على تراجع    أمير تبوك: نقلة حضارية تشهدها المنطقة من خلال مشاريع رؤية 2030    الفالح: المستثمرون الأجانب يتوافدون إلى «نيوم»    برئاسة ولي العهد.. مجلس الوزراء يقرّ الميزانية العامة للدولة للعام المالي 2025م    السعودية وروسيا والعراق يناقشون الحفاظ على استقرار سوق البترول    مغادرة الطائرة الإغاثية ال24 إلى بيروت    التعاون والخالدية.. «صراع صدارة»    الملك يتلقى دعوة أمير الكويت لحضور القمة الخليجية    الهلال يتعادل إيجابياً مع السد ويتأهل لثمن نهائي "نخبة آسيا"    في دوري يلو .. تعادل نيوم والباطن سلبياً    خادم الحرمين الشريفين يدعو إلى إقامة صلاة الاستسقاء    «التعليم»: 7 % من الطلاب حققوا أداء عالياً في الاختبارات الوطنية    أربعة آلاف مستفيد من حملة «شريط الأمل»    «فقرة الساحر» تجمع الأصدقاء بينهم أسماء جلال    7 مفاتيح لعافيتك موجودة في فيتامين D.. استغلها    أنشيلوتي: الإصابات تمثل فرصة لنصبح أفضل    الأسبوع المقبل.. أولى فترات الانقلاب الشتوي    «شتاء المدينة».. رحلات ميدانية وتجارب ثقافية    مشاعر فياضة لقاصدي البيت العتيق    الزلفي في مواجهة أبها.. وأحد يلتقي العين.. والبكيرية أمام العربي    مبدعون.. مبتكرون    ملتقى الميزانية.. الدروس المستفادة للمواطن والمسؤول !    هنآ رئيس الأوروغواي الشرقية.. خادم الحرمين الشريفين وولي العهد يعزيان القيادة الكويتية    بايدن: إسرائيل ولبنان وافقتا على اتفاق وقف النار    كيف تتعاملين مع مخاوف طفلك من المدرسة؟    حدث تاريخي للمرة الأولى في المملكة…. جدة تستضيف مزاد الدوري الهندي للكريكيت    قمة مجلس التعاون ال45 بالكويت.. تأكيد لوحدة الصَّف والكلمة    7 آلاف مجزرة إسرائيلية بحق العائلات في غزة    الدفاع المدني: استمرار هطول الأمطار الرعدية على معظم مناطق المملكة    كثفوا توعية المواطن بمميزاته وفرصه    شركة ترفض تعيين موظفين بسبب أبراجهم الفلكية    «هاتف» للتخلص من إدمان مواقع التواصل    حوادث الطائرات    حروب عالمية وأخرى أشد فتكاً    معاطف من حُب    الدكتور عصام خوقير.. العبارة الساخرة والنقد الممتع    جذوة من نار    لا فاز الأهلي أنتشي..!    الرياض الجميلة الصديقة    هؤلاء هم المرجفون    المملكة وتعزيز أمنها البحري    اكتشاف علاج جديد للسمنة    السعودية رائدة فصل التوائم عالمياً    خادم الحرمين الشريفين يدعو إلى إقامة صلاة الاستسقاء الخميس المقبل    مناقشة معوقات مشروع الصرف الصحي وخطر الأودية في صبيا    حملة على الباعة المخالفين بالدمام    «السلمان» يستقبل قائد العمليات المشتركة بدولة الإمارات    أهمية الدور المناط بالمحافظين في نقل الصورة التي يشعر بها المواطن    المؤتمر الدولي للتوائم الملتصقة يناقش تحديات إعادة ترميم الأعضاء وتغطية الجروح    مركز صحي سهل تنومة يُقيم فعالية "الأسبوع الخليجي للسكري"    "سلمان للإغاثة" يوقع مذكرة تفاهم مع مؤسسة الأمير محمد بن فهد للتنمية الإنسانية    جمعية لأجلهم تعقد مؤتمراً صحفياً لتسليط الضوء على فعاليات الملتقى السنوي السادس لأسر الأشخاص ذوي الإعاقة    حقوق المرأة في المملكة تؤكدها الشريعة الإسلامية ويحفظها النظام    استمرار انخفاض درجات الحرارة في 4 مناطق    الكرامة الوطنية.. استراتيجيات الرد على الإساءات    محمد بن راشد الخثلان ورسالته الأخيرة    زاروا المسجد النبوي ووصلوا إلى مكة المكرمة.. ضيوف برنامج خادم الحرمين يشكرون القيادة    نوافذ للحياة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«ذاكرة قرى الملح والقفل والصقيع »
حكايات قرى توسدت الأيام وغفت على وقع خطى الأنين من حوران القريات بوابة الوطن.. بوابة التاريخ «الحماد» يمتد كالبساط وتلاله البركانية تشرف على ما حولها
نشر في الجزيرة يوم 19 - 10 - 2002

حلقات يكتبها:سليم صالح الحريص - صورها : حمدان حسين عثمان
نحلق بكم هذا الاسبوع في رحلة مختلفة في عرضها الرائع تستلهم مكامن التاريخ القديم.. بل الموغل في القدم في اقصى الشمال..
نتناول ثروات الذاكرة العتيقة المتخمة بكل الوان التاريخ مع ذاكرة قرى الملح والقفل والصقيع.
مبتدأ الحكاية
كل الاشياء الى زوال.. تفنى.. تذهب وجوه وتخلفها وجوه.. امكنة تندثر وتظهر غيرها تتراءى لنا الاشياء فنبصر.. تختفي الاشياء فلا نعتبر.ان تكون هنا.. ان تكون هناك.. ان تظل بواق للامس.. ان تنتهي.. لا شيء يتعب مثل مغالطة.. مثل ركض يعاكس الريح.. لا شيء يعوض عن الشيء حين يفقد.. اليوم ليس الامس ولن يكون مثله والامكنة تبدلت.. تغيرت.. والوجوه لا تحمل قسمات الوجوه التي ذهبت.. ما بين ذاكرة المكان واطلالة الخربة.. مثابرة زمن تقودنا الى الانصات.. التأمل.. الاصغاء.. عل اصداء من الامس توقظ غاف.. غافل عن حقيقة ان الاقامة لن تطول.. لن تدوم.. كل شيء سيبقى ذكرى والذكرى صدى السنين.. والاطلال تروي لنا الحكايات.. حكايات قرى كان لها في امسها ما كان واليوم يحدثنا الاثر وتطلعنا الصور على زمانها الذي كان..
حدود الوطن تنقلكم اليوم الي بوابة الوطن حيث التاريخ ينام قرير العين والمكان توسد صفحاته وغفا والارض اطبقت على اسرارها.. صامتة لا تبوح بشيء.
كأن التاريخ لم يمر من هنا ولم يعانق الحبر صفحاته او ان سحابة لم تهم على هذه الاكام ولم تخضر تلالها وسهولها.. بين البياض والسواد اقف.. هنا الحماد حيث يمتد كالبساط. الارض سوداء والتلال البركانية تشرف على ما حولها وهناك حيث بداية الصدع.. هبوط في الارض عما سواه وانحدار تحس به كلما اتجهت صوب سرير الوادي.هنا الحماد حيث كانت الحياة، وهناك، على بعد خطوات تغط في نوم عميق من كانت هي الحياة تطالع بقايا التاريخ.. وتشاهد صورة متناثرة على خد هذه الصحراء.
يقول سعد الحميدين:
على خد البسيطة صورة الآثار
مقبلة خلف عنترها على الهودج
قوافلهم تقطع في الصحاري قطعة قطعة وما بقيت سوى الريح الشمالية).الى ان يقول (سأسير في الدرب الطويل مفتشا آثار من كانت هناك في كل ليل اقرع الباب المغلق واهما انى لقيتك مرة.. لا بأس ان هبت شمال..)
بين السماوة والهضبة ننيخ ركاب الكتابة، هنا ينام التاريخ و هنا تتنفس الارض وهنا يتراقص النخيل وهنا ترى البياض وهنا نشاهد احتفالية شامتنا في عناقها مع المطر في غزلها مع «قوس قزح» او كما نسميه نحن «مجفل السحاب» وفي مشهد تشتهي ان يطول في بقعة تدفق الحب كيفما تريد ونحن نذرف الدمع.. نتباكى على امسها ونبكي حاضرها اليوم.
قلائد في عنق الوطن
هن اليوم قلائد في عنق بوابة الوطن وفي الامس كن بوابة التاريخ.. يقفن على بعد خطوات من اطراف تدمر ومدن «الديكابولس - جرش - وفيلادلفيا - عمان» وعلى الطرف الآخر مدين ودادان ومسلة تيماء والابلق وعلى اهداب العين «المدينة الوردية - البتراء» وعلى انفاس الناس واصواتهم حضور «بصرى» هنا حلقة الوصل بين الشرق والغرب وخاصرة الارض وهن على ارضهن تلاقت الخطى والرحال فقد كن في امسهن معبراً لقوافل التجار من جرهاء على ساحل الخليج وحتى «غزة هاشم» على ساحل المتوسط، وهاهو امسهن حاضر في تجدد مكانتهن ومكانهن فهن اليوم ملتقى طرق دولية قد يعدن لحاضرهن زهو أمسهن وألقه.
يبقى المكان الرمز.. وللرمز اضاءاته وحضوره، وقيمة الاشياء في حضورها والامكنة تتضاعف قيمتها كلما تقادم عليها الزمن وعتقت، والزمن يمنحها قيمة مضاعفة كما البستها الايام اثواب الوقار.وما بين جغرافية المكان ورموز التاريخ تقف الاقدام على عتبات الزمن كي تستعيد الذاكرة قراءة نصوص قد تكون منسية، تجمعها من هنا ومن هناك لتطل على تاريخ ارض شكلت اليوم «قريات الملح»، لن اتحدث لكم عن القريات المدينة، لكنني سأقرأ لكم من تاريخ قرى الخصب والجود والذي يمتد لالاف السنين، لعصور ما قبل التاريخ، سأحدثكم عن ارض «بوز» ومافي سجلات الآشوريين وعن بنات قين وما قاله النابغة الذبياني عنهن وما قام به هدد ملك ادوم في مطاردته للعرب وقتله لملكين في قر اقر قرب كاف، وملوك وادي السرحان الثمانية الذين قضى عليهم «اسرحدون» في حملته التي قام بها عام 676 ق.م.
وادي السرحان والذي شكلت قريات الملح مركزه وخاصرته سماه «الاغريق» «Syrmaion pedion» وورد اسمه بأرض «اوسيتس Ausitis» في التوراة «الترجمة السبيعينة» العهد العتيق». وقد رأى بعض العلماء ان المراد بها «ايسايتاي» او «ايسايتة» وهو اسم ذكره الجغرافي «بطليموس» داخل بادية العرب ورأى هؤلاء العلماء ان «ايسايتة» هي ارض «بوز» والتي اتفق العلماء على انها «بازو» والتي ذكرتها النصوص الاشورية وارض بوز قصد بها «بوز بن ناحور أخو ابراهيم» ويعتقد ان لاسمه صلة بأرض بوز، كما اطلق على هذه المنطقة اسم «وادي السر» ذكره «نصر الاسكندري» اذ قال: ضاحك ماء ببطن السر في ارض بلقين من بلاد الشام.
وقال ياقوت: حرة راجل بين وادي السر ومشارف حوران، وراجل واد يتحدر من حرة راجل حتى يدفع بالسر، كما اطلق على قرى الوادي القديمة وهي ما تعرف ب «العيون» لكثرة الماء المتدفق على سطح الارض.اسم «بنات قين» و «سر بني القين» وسميت بهذا الاسم لان «القين بن جسر بن شيع الله بن اسد بن وبرة بن تغلب بن حلوان بن عمران بن الحاف من قضاعة» كان يسكنها ويقول هذه العيون بناتي وقال فيها عويف القوافي:
صبحناهم غداة بنات قين
ململمة لها لجب طحونا
واورد «موزل» خبر إغارة «حميد بن حريث بن بجدل علي بني فزارة اهل العمود في رمضان واغارت فزارة على بنات قين وورد ذكر بنات قين في شعر النابغة الذبياني حين قدم وفد غطفان على الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه سألهم عن قائل الابيات نورد منها:
نأت بسعاد عنك نوى شطون
فبانت والفؤاد بها رهين
وحلت في بني القين بن جسر
فقد بانت لنا منهم شؤون
فقالوا انه النابغة.
قال العامري «اثرة وافيعة وابايض» كلهن من بلاد القين وهن في طرف بادية الشام وبما ان هذه المنطقة في موقعها والذي هو امتداد لشرق الاردن وغالبا ما يطلق عليها بادية الشام وكما سماها الكتاب «اليونان واللاتين» «العربية الصحراوية» «Arabiaeremos» وقد فهم «ديودورس» من العربية الصحراوية انها تعني المناطق التي سكنتها القبائل المتبدية وتقع في شمالها مملكة «تدمر» وقد جعل من سكانها الاراميين والنبط واطلق عليها الاشوريون اسم «عربي» و «ماتوا اريبي» عند البابليين و «أرباية» عند السريان والفرس، وكانت هذه المنطقة مأهولة بالسكان من قبائل عربية حسب ما ورد في النصوص الاشورية والتي كانت اول من ذكر العرب في هذه المنطقة سنة «854 ق.م» وقد ورد في نصوصهم وجود مملكة او مشيخة عربية في هذه المنطقة، وقد اشار الكتاب الرومان واليونان الى البادية وعرفت ببادية الشام او «خساف» ويقال للقسم الجنوبي منها بادية السماوة او «الحماد» والذي يمتد بين الدول العربية «السعودية والعراق وسوريا والاردن».
وتشير الدلائل الى ان الاستيطان البشري لهذه المنطقة يعود الى عصور متقدمة من التاريخ وهناك دلائل ثابتة على ان منطقة وادي السرحان احد مستوطنات العصر الحجري فقد عثر على العديد من المواقع التي تعود للعصور «الموستيري - النيوليثي - الشيليني والباليوثيكي» وقد استرشدت بعثة جامعة اكسفورد والتي زارت المنطقة سنة 1927م بكتابات الباحث التشيكي «موزل» والذي زار وادي السرحان والذي حقق عن كثير من المواقع وعلى وجه الخصوص مواقع «الصديقين الايوبيين» في وادي السرحان وهم زوار النبي «ايوب» عليه السلام ورأى من العلماء ان «ايوب» رجل عربي ومن ارض «عوص» وقد اختلفوا في تحديدها فمنهم من قال انها في «حوران» او في «اللجاة» او في «بادية الشام».
لكنهم وامام استنتاجات معينة بينها هجوم «سبأ» على ملك «ايوب» وان ثلاث فرق من الكلدانيين تهجم على ابل «ايوب» تصوروا ان ارض عوض كانت على مقربة منهم ويقصد «السبأيين والكلدانيين» ولما كان ايوب من بني قيدم ومن ارض عوص فيجب ان تكون عوص في البادية وربما استطاع موزل تحديد المكان بقدومه لوادي السرحان وتحديده لموقع سكني قبيلة «مسأى» شرق مؤاب «في البادية الشرقية للاردن» واتفق عدد من العلماء على انها الارض الجنوبية لوادي السرحان.
اما «فريدريك» في كتابه شرق الاردن ص «41» فيقول:
كان العرب عنصر اضطراب وقلاقل في شرق الاردن وفلسطين فغزاهم اولا «هدد» ملك ادوم ثم جدعون وبعدما قتل الاخير منهم ملكين او رئيسين منهم يدعيان «غرابا وذئبا» لحق بفلولهم من صويلح الى «قراقر» قرب «كاف» في وادي السرحان حيث اخذهم على حين غرة واسر منهم «15000» رجل. وقتل اثنين من ملوكهم وهما «ذبح وصلمناع».
وتشير النصوص الاشورية الى ان «اسرحدون» في السنة الخامسة من حكمه وهي تقابل عام «676 ق.م» في اليوم الثاني من شهر «تشري» قام بحملة على قبائل عربية تنزل ارض «هازو» و «بازو» وقد قتل فيهم ثمانية ملوك وهم:
«كيو - اكبرو - منسكو - يأفا - خبيصو - نخارو - باايلو - خبن امرو» واسر خلقا كثيرا وتمكن احد الملوك وهو الملك «ليلي» ملك «يدي» ويُرى ان «يدي» هي «الجاف» من النجاة غير انه ذهب الى نينوى طالبا العفو فكوفئ بان عين ملكا على «هازو وبازو»، وقد ذهب «كلاسر» و «دلج» وغيرهما على ان «بوز» هي «بازو» الواردة في نص «سنحريب» وتقع في العربية الشمالية، اما موزل فيستند الى الوصف الذي جاء في النص الاشوري عن بازو وهازو ويرى ان موضعهما جنوب تدمر وفي وادي السرحان وان الملوك الثمانية الذين قتلوا كانوا يقيمون في وادي السرحان ويرى ايضا ان «يدي» وهو موضع الملك ليلي هو الجاف والذي يعتقد بأنه «كاف» بعد تحريف «الجيم» الى «كاف» ورأى موزل بأن «بازو» هي «قلبان اللبن» وتعرف اليوم باسم «العقيلة» شرق مدينة القريات اما «هازو» فهي الملاصقة لاطراف الحرة وتعرف اليوم بأسم «حضوضى» وهناك العديد من المواقع الاثرية الاخرى والتي يستدل عليها من ايرادها في النصوص الشعرية مثل قول عدي بن الرقاع:
اخبر النفس انما الناس كالعيدان
ما بين نابت وهشيم
من ديار غشيتها
بين قارات ضاحك فالهزيم
والهزيم مورد ماء يقع الى الشمال الغربي من القريات وضاحك احد روافد وادي السرحان من جهة الشمال وهناك تلال سميت نسبة له «سمر الضاحكية» وفي صفة جزيرة ا لعرب للهمداني ذكر «عراعر» وهو مورد ماء بين كلب وذبيان وفيه «وان تياسرت وقعت من تيماء في ديار ذبيان والبياض «ويقصد بالبياض وادي السرحان» الى ان تقول حوران هأنذي ويخلطهم من كلب بعراعر وما يليه ثم من حوران في ديار كلب وفيه ايضا قراقر بين كلب وذبيان و «قراقر» المكان الذي مر به خالد بن الوليد اتيا من دومة الجندل في طريقه لنجدة المسلمين في معركة اليرموك وذلك في السنة «13ه» وحين اراد مواصلة سيره قال كيف لي بطريق اخرج فيه من وراء جموع الروم فوصف له «رافع الطائي» الطريق فأمر خالد اصحابه ان يستكثروا من الماء وقال «محرز بن جريش المحاربي» لخالد اجعل كوكب الصبح على حاجبك الايمن ثم امه تفض الى سوى وبعد مسير خمس بلغوا سوى فقال خالد «عند الصبابح يحمد القوم السرى» وقال احدهم:
لله عينا رافع انى اهتدى
فوز من قراقر الى سوى
خمسا اذا ما سارها الجيش بكى
ماسارها قبلك انسي يرى
وقراقر يقع شمال شرق القريات الدرجة «12-17 طولاشرقيا 15- 31 عرضا شماليا» وكان يوم قراقر وعراعر بين كلب وعبس ونقل ياقوت عن التكملة للصاغاني «عراعر» اسم ماء مالح لبني «عميرة» وهي ارض سبخة قال:
ولا تنبت المرعى سباخ عراعر
ولو نسلت بالماء ستة اشهر
وذكر في النقائض ان بني عبس حلوا الي كلب بعراعر وقد اجتمع عليهم بنو ذبيان فقاتلتهم كلب فهزمتهم عبس فقال عنترة:
الا هل اتاها ان يوم عراعر
شفى سقما لو كانت النفس تستقى
وقراقر واد لكلب قال فيه النابغة الذبياني:
له بفناء البيت سوداء فحمة
تلقم اوصال الجزور العراعر
بقية قدر من قدور تورثت
لآل الجلاح كابر بعد كابر
تظل الاماء يبتدرن قديحها
كما ابتدرت كلب مياه قراقر
ادلة الاستيطان
ويرى د. خليل المعيقل الاستاذ بقسم الآثار - كلية الاداب جامعة الملك سعود:وجدت في الجزء الشمالي من وادي السرحان ادلة استيطان تعود لعصور ما قبل التاريخ في مواقع عدة من بينها «باير» وكذلك تسجيل مواقع قرب كاب واثرة تعود للالف الرابع قبل الميلاد وفي موقع تل مقل عثر على كسر فخارية وهذه تنتمي لنماذج العصر النحاسي بفلسطين وسيناء ويمكن تاريخها الي الالف الرابعة وبداية الالف الثالثة قبل الميلاد، ويدلل ما عثر عليه من ادوات على الصلات التي كانت قائمة ما بين وادي السرحان وبلاد الشام.
ويشير د. المعيقل ان فترة الالف الاولى «ق.م» من اهم فترات تاريخ الوادي اذ شهدت هذه الفترة بداية النشاط التجاري لجنوب الجزيرة العربية وازدهار طرق القوافل والتي لعبت دورا مهما في تنشيط الحركة الاقتصادية.
وعن مراحل الاستيطان يتحدث المعيقل قائلا: في الالف الاولى ق.م اتضح ان هذه الفترة اكثر وضوحا في شمال الوادي حيث تم الكشف عن مواقع تعود ل «العصر الحديدي» مثل الفخار الذي عثر عليه في «موقع الرسلانية» بقرية اثرة جنبا الى جنب مع فخار يعود الى الفترات المتاخرة «البيزنطية والاموية» وكذلك العقيلة شمال كاف وهي مستوطنة تعود لمنتصف الالف الاولى ق.م. وكسر فخار يعود لما بين القرن الاول والسادس الميلادي كما تم العثور على بقايا مستوطنة شرق قرية اثرة تعود لمنتصف الالف الاول ق.م بالقرب من المعبد النبطي الذي اشار اليه «وينيت» مضيفا بانه عثر في قمة قلعة الصعيدي على بعض الكسر الفخاري والتي تعود لمنتصف الالف الاولى ق.م».
اقدم القرى
من الثابت ان قريتي «اثرة وكاف» وهما من اقدم القرى الباقية ومواقع اخرى تعرف بالمكان مثل «قراقر وحضوضي ودوقرا» في هذا الجزء من الوادي والتي تعتبر مستوطنات عمرت وسكنت منذ عصور موغلة في القدم رغم وجود مواقع اثرية اخرى وردت اسماؤها في النصوص الاشورية ولم تحدد تحديدا دقيقا وهي:
«خلديلي - ايل بياتي - مجل اني - دوخراني - كتابا «kataba» جاباني - اخيلو - بدا» ويرى د. المعيقل ان شمال الجزيرة العربية ووادي السرحان قد خضع منذ بداية القرن الرابع الميلادي تحت النفوذ المباشر للامبراطورية البيزنطية عن طريق ولاء الملوك والامراء العرب للامبراطور البيزنطي وقد ساعد على ذلك نشوء دولة الغساسنة في جنوب بلاد الشام وتحالفاتها مع مختلف القبائل في شمال الجزيرة ويشير د. المعيقل ان الاعمال الاثرية التي تمت في وادي السرحان كشفت عن فخار بيزنطي في عدد من المواقع وأن الاعمال الاثرية التي تمت في وادي السرحان كشفت عن فخار بيزنطي في عدد من المواقع من بينها «اثرة وكاف»كما برزت كندة كسلطة سياسية قوية وسط الجزيرة العربية خلال النصف الاول من القرن الخامس الميلادي وامتد نفوذها حتى حدود البيزنطيين والساسانيين مما دفع بالبيزنط لايفاد مبعوثين الي العرب لعقد اتفاقيات لانهاء العداء بين بيزنطة وكندة وهذا يؤكد ان وادي السرحان واقع تحت سلطة كندة لان الوادي كان معبرا تجاريا مهما واستنادا لما تقدم فان الوادي خضع خلال القرون الثلاثة السابقة للاسلام تحت نفوذ وسلطات مختلفة متباينة تبعا لمد وجزر السياسة لكنه لم يكن خارجا عن سلطتي الغساسنة وكندة ايهما الاقوى يكون هو المتحكم في هذا الوادي والواحات المنتشرة على طول سرير الوادي..
وقد خضع وادي السرحان للنفوذ العثماني وربط بولاية سوريا كما تعرضت قرية كاف لغزو تركي بقيادة ابراهيم باشا وحملة عسكرية ثانية والتي قامت بتدمير قلعة الصعيدي وقد بقيت المنطقة على هذه الحال من شد وجذب الى ان قيض الله لهذه البلاد من سعى لتوحيدها تحت راية واحدة وضمها في كيان واحد وبقيت القريات ببحكم الوضعية والتبعية لحائل تارة واخرها بسط النفوذ الهاشمي عليها مما دفع بالملك عبدالعزيز رحمه الله بمقايضتها واصر على تبعيتها لنجد واستمرت المفاوضات بشأنها سنوات مع المندوب السامي البريطاني حتى دخلت القريات تحت الحكم السعودي في شهر محرم 1343ه وقد كلف جلالته الشيخ/ عبدالله بن عقيل رحمه الله باستلامها واوصاه بالحرص على الرجل العاقل الذي فيه الخير وتوصيته بالعدل والرفق بين الناس «طالع الوثيقة» وكانت قاعدة المنطقة قرية كاف حتى عام 1357ه حيث تم نقل مركز الامارة الى مدينة القريات اليوم وحين تعرض الاشقاء في سوريا وتحديدا الثوار للاضطهاد من الاستعمار الفرنسي حل عدد من ابناء الشقيقة سوريا بالقريات من بينهم الامير سلطان الاطرش وبعض الامراء من آل ارسلان من بينهم الامير عادل ارسلان وقد كتب عن ذلك الاستاذ/ ابو الغيث الزركلي وقد ذكر بعض اشعارهم ومما قاله/ صياح الحمود:
يا ديرتي مالك علينا لوم
لا تعتبي لومك على من خان
حنا روينا سيوفنا من القوم
ما نرخصك مثل الردي بأثمان
..الخ اما خير الدين الزركلي فمما قاله:
وقلنا على اسم الله سيري رشيدة
الى معشر بيض المآثر عزان
الى «النبك» حيث العز خيم والسنا
وحيث ارتدى الازماع برد الدم القاني
الى معقل فخر العروبة «عادل»
وسيد من قاد المغيرين «سلطان»
..الخفرد عليه الامير عادل ارسلان بقصيدة منها:
ارقت ومافي النوم خير لوسنان
اذا لم ينعم شعر المغير بأوطان
بعيد على نبك القريات منزلي
فما لي سوى الذكرى اذا الليل اضواني
والمقصود ب«النبك» مدينة القريات اليوم واستمر بقاؤهم حتى جلاء الفرنسيين عن سورية وانتهاء الانتداب الفرنسي.
المصادر
تاريخ شرق الاردن «فريدربيك بك»
المفصل «جواد علي»
حمد الجاسر «شمال غرب الجزيرة»
تاريخ الجزيرة العربية القديم «د. عبدالرحمن الانصاري»
موزل «شمال نجد - الاصل الانجليزي»»
اخبار النوابغ «حسن السندوبي»
بلاد العرب «الاصفهاني»
د. عبدالعزيز صالح «الشرق الادنى القديم»


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.