المَزلَقُ السادس: «ظاهرة نَفْخِ الكُتبِ»: وأعني بهذا المزلق: أن يعمد المحقق إلى كتاب مخطوط فيحققه، ويبالغ في التعليق عليه مبالغة تزيد من حجم الكتاب أضعاف أصله، وغالباً ما يكون هذا في الكتب الحديثية. وخدمة النص بالتعليق عليه بعد ضبط نصه، أمر لازم من لوازم التحقيق، ولكن الذي ننكره هنا هو حشد أكبر قدر ممكن من التعليق تحت كل نص من نصوص الكتاب المُحَقَّق، وإذا ما جئنا إلى هذه التعاليق فإننا نجد أن غالبها ما هو إلا استعراض للفتوة العلمية التي يتمتع بها المحقق، والتي لم يعد لها أهمية بعد خروج برامج الحاسب الآلي، التي تبحث عن النص في مئات المجلدات في ثوانٍ معدودة. «مثال ذلك»: (1) تخريج الحديث من مصادر كثيرة جداً، والأشد من ذلك أنهم يسردون إسنادَ كل من أخرجه، والكلام على كل رجلٍ بإسهابٍ، ولو اكتفوا بذكرِ بعض من أخرج الحديث لكان حسناً. وسردُ الإسنادِ لا حاجة له - ما لم يكن في طُرِقه علة يريد الباحث الكلام عليها - فإن الباحث سيرجع إلى هذه المصادر ليرى الطرق. وسردُ الإسناد مريح للقارئ بدلاً من الرجوع للمصدر ليرى السند، ولكن في ذلك تطويلاً للكتاب يتبعه ارتفاع في سعره، ودرءُ المفاسدِ مقدمٌ على جلبِ المصالح. والأمثلة على ذلك أكثر من أن تُحصى، وأكبر دليل على ذلك الكتب الحديثية التي تدخل تحت العمل الأكاديمي، وأنا لا أعيب هذا في الرَّسائل الجامعية، ففي هذا المنهج دُرْبَةٌ للباحث، ويعطيه ملكة في فن التعامل مع كتب الأسانيد والرجال (1). ولكن أعيبُ خروجَ الكتابِ مطبوعاً بهذا الترف العلمي، وكان على الباحث حذف ما كان من لوازم العمل الأكاديمي، ويكتفي بما يحصل به ضبط النص، وبما تكمل به فائدة الكتاب (2)، وإلا فهل تقر العين، وينشرح الصدر بخروج أحد الكتب في ثمانية مجلدات مع المقدمة والفهارس، ومخطوطته الأصلية الكاملة والمعتمدة في التحقيق في «73» ورقة؟ ولك أن تعجب أن هذا الكتاب المحقق من الكتب المختصرة، حيث اختصره مؤلفه ابن الملقن - رحمه الله - ت «804ه» من مختصر للذهبي ت «748ه»، فالكتاب - كما رأيت - مختصر المختصر، وكذا أراد مصنفه، وقد علَّقه - كما قال في آخره «7/3584» - في أيام يسيرة، وهو إمام في الحديث، وكان قادراً على أن يأتي بما لا يسع المحقق الإتيان به من النصوص، ومن كُتُبٍ لا يوجد منها اليوم إلا العنوان، ولكنه أراده مختصراً، فهل سيفرح عندما يرى مختصره في ثمانية مجلدات؟ ويعلم الله كم أنا محبٌ لمن حقق هذا الكتاب، وغيره من الذين أوقفوا حياتهم لخدمة أحاديثِ النبي صلى الله عليه وسلم، وقد استفدت من تعليقاته الكثيرة، ولكن هذا شيء وما أقصده هنا شيئاً آخر. (2) حشدُ كل ما يقف عليه المحقق من مصادر العَلَم الذي يرد في الكتاب المحقق، ومن أقوى الأمثلة على ذلك كتاب «الطبقات» للإمام مسلم، بتحقيق الشيخ الفاضل: مشهور آل سلمان وفقه الله، و«تاريخ الإسلام» للإمام الذهبي بتحقيق الأستاذ الدكتور: عبدالسلام تدمري وفقه الله، فهما يأتيان إلى الترجمة فيذكران الكثير من مصادرِ هذه الترجمة، ولو أن المترجم من أئمة الإسلام، ومن مشاهيرِ الأعلام، وأحسبُ أنهما ذكرا كل ما وقفا عليه من المصادر. «أخي القارئ»: هذان الرجلان - مشهور، والتدمري - قدما خدمات طيبة في تحقيق النصوص، وخدمة الكتب العلمية، ولكن كما قلت نحن على ما نُكِنّه من الحب لكل من خدم التراث العلمي للمسلمين، إلا أننا نعتب عليهما هذا الصنيع. وهذا الفعلُ فيه ارهاق للموظفين الذين يعملون معهما في المعمل «انظر: المزلق الخامس: ظاهرة معامل التحقيق»، واهدار لطاقات يمكن أن توجه لعملٍ آخر، وأنفع للأمة. ثم إن في هذا الترف تكراراً سقيماً لمعلوماتٍ واردة عند غيرهما، والمصادر متيسرة عند مقتني الكتاب. (3) توثيق النقول، والمسائل الواردة في الكتاب من مصادر عديدة، حيث يحشد المُحقق كلَّ ما وقف عليه من المصادر التي تعرضت لهذه المسألة، فيذكرها في حواشي الكتاب. وسأضرب بعض الأمثلة على هذا المزلق عموماً، فأقول: أ - الأصل الخطي لكتاب: «الأمراض والكفارات والطب والرُّقيات»، يقع في «10» ورقات، فخرج بعد تحقيقه من قبل الشيخ الفاضل: أبو إسحاق الحويني - وفقه الله - في: «250» صفحة فحسبنا الله ونعم الوكيل. ب - وحقق الشيخ المذكور «تفسير ابن كثير» فأكثر من التعليق والتخريج حتى خرج الجزء الثاني وما زال في البقرة عند الآية رقم: «78». فقلت في نفسي متى سيكمل هذا التخريج؟ وفي كم مجلدٍ سيخرج «التفسير» الذي تسابقت الدور في اخراجه في مجلدٍ واحدٍ لتيسير حمله، والاستفادة منه؟ وهل سيخرج بالصورة التي يرضاها ابن كثير؟ إن هذه الطبعة محشوة بتعليقات طويلة، وقد كان في وسع ابن كثير أن يكتبها وأحسن منها، ولكن آثر التوسط لنفع الناس، فالتوسع في التعليق والتخريج قد يخرج الكتاب عن مراد مصنفه. ثم إن المحقق - وفقه الله - باستطاعته أن يقابل «التفسير» بين نسخه الخطية، ويخرج لنا طبعة كاملة موثوقة، ويفوز بالأجر، ورضا طلاب العلم، ثم يُخرج كل ما يود أن يقوله تعليقاً أو تخريجاً في كتابٍ له مستقل، ليأخذه من أراد، دون إلزام الناس به. وأنا لا أود الحطَّ من قدر هذه الطبعة، ولكن فقط أردت التنبيه على عادة جرت عند بعض المحققين المعاصرين الذين يخرجون الوريقات في «مجلد» والمجلد في «مجلدات». وقد بلغني إن طبعة الحويني ستصل إلى «عشرين» مجلداً، فإن صح هذا، فلا حول ولا قوة إلا بالله. وأخشى أن يكون حال «تفسير ابن كثير» كحال «بذل الاحسان» للمحقق نفسه، فقد توقف عنه منذ سنوات ولم يكمل - لطوله - حتى الآن، والله أعلم. ج - الأصل الخطي لكتاب: «تنبيه النائم الغَمْر» لابن الجوزي رحمه الله يقع في «6» ورقات، وخرَج بعد تحقيقه من قبل الشيخ: عرفة حلمي - وفقه الله في: «159» صفحة. علماً بأن الكتاب طُبِعَ قبل هذا الطبعة، فخرج في «9» صفحات، فكان ذلك أقرب إلى عدد صفحات الأصل. د- الأصل الخطي ل: «كتاب الطبقات» للإمام مسلم يقع في «23» لوحة، فخرج مطبوعاً بتحقيق الشيخ: مشهور بن حسن آل سلمان - وفقه الله - فبلغت صفحاته بما فيها الدراسة والفهارس والمستدرك «1420» صفحة، أي: أكثر من الأصل بثلاثين مرة، والله المستعان. ه - و - ز - تحقيقات الدكتور: عبدالمعطي أمين قلعجي سامحه الله، وغفر له، ومنها:«السنن» للشافعي، و«معرفة السنن والآثار» للبيهقي، و«الاستذكار» لابن عبدالبر. أضف إلى ذلك ما سبق ذكره ك«مختصر استدراك الذهبي على مستدرك الحاكم» لابن الملقن، و«تاريخ الإسلام» للذهبي.. «تكميل»: قال العلامة الدكتور: بكر بن عبدالله أبو زيد - حفظه الله - في مقدمة تحقيقه ل«الجد الحديث» للغزي «ص 6 -7»: «خدمة اخراج المخطوطات المنتشرة اليوم على مسالك: الأول: طريقة أهل العلم من إعمال عدة التوثيق لاثبات نص الكتاب سليماً - حسب الإمكان - من التحريف، والتصحيف، دون إلحاق أي تعليقٍ، إلا في مواطن الاضطرار، كالتنبيه على خطأ عقدي، أو وهمٍ، أو ذِكْرِ إفادٍة مناسبة. الثاني: كسابقه، مع إلحاق تحقيقات، وتعليقات في مواطنِ الحاجة، وبقدرها. ومن هذا الطراز: العلامة المعلمي رحمه الله. ومنه: اشتغاله الماتع على كتاب:« الفوائد المجموعة» للشوكاني رحمه الله تعالى. الثالث: «نفخ الكتاب»، فترى أصل الكتاب في ورقاتٍ معدوداتٍ، فيُنفخُ بتكثيرِ المراجع، وجلبِ النقولاتِ، وربما صاحب ذلك الانصراف عن توثيق النص سليماً من التحريف، والتصحيفِ. وَسُوقُ هذا «الاشتغال» هي الرائجة اليوم. وقد بيَّنْتُ ما لهذا من سوالب في كتاب: «التعالم وأثره على الفكر والكتاب» أ. ه. المَزْلَقُ السابع: «المبالغةُ في نقدِ الطبعاتِ السابقة» وأعني بهذا المزلق: أن يتكلم المحقق في مقدمة التحقيق على الطبعات السابقة لطبعته، ويذكر ما فيها من محاسن ومساوئ، ويبالغ جداً في ذكر المساوئ وقد لا يذكر شيئاً من المحاسن، وأحياناً يركز على طبعة بعينها، ويكون اهتمامه بشدة النقد لأمرين. الأمر الأول: فحش الطبعة المنتقدة، وكثرة عيوبها، مقارنة بغيرها. الأمر الثاني: حصول بعض الأمور بين محقق الطبعة المنتقدة والطبعة الجديدة، فيكون النقد من باب تصفية الحساب بين الطرفين، ويحرصُ المنتقد على التشهير بالمنتقد، تحت غطاء الرد العلمي، والنصيحة للأمة، علماً بأن سياق النقد يدل على أن في الأمر سراً لا يعرفه إلا من عرف المحققين، وعلمَ ما بينهما من أمور، والتي قد تكون: حول اختلاف المنهج العلمي أو الدعوي، أو حول حسابات مالية، أو نزاعات حول حقوق أحد الكتب.. وأنا لا أتحدث عن هذا المزلق من محور الأمرين السابقين، بل أتحدث عن الظاهرة نفسها، وهي المبالغة في النقد، أما المسبب لها، فلا يعنيني هنا. والاهتمام بنقد الطبعات السابقة عمل جيد، وللمحقق أن يشير إلى الطبعات السابقة لطبعته، ولا حرج في الكلام عليها بمدحٍ أو ذمٍ، حسب ما يراه المحقق، ولكن دون إسرافٍ في النقد، والموفق من المحققين من يستطيع اجمال النقد في فقرات معدودة. «مثال ذلك»: (1) «كتاب الصمت وآداب اللسان» لابن أبي الدنيا، فقد حققه الشيخ: أبو اسحاق الحويني وفقه الله، وتعرض في مقدمة تحقيقه إلى نقد طبعة الدكتور: نجم خلف وفقه الله، وكان ذكره لهذه الطبعة من أول مقدمة التحقيق إلى آخرها، من صفحة «5» إلى صفحة «20» وقد انتقده في «56» موضعاً، باستثناء ما ذكره كسقوط أحاديث كثيرة، ومثلَّ لها بعشرة أمثلة. وجاء هذا النقد الطويل على حساب ترجمة المصنف، وذكر منهج التحقيق، والتعليق وكان يكفيه من هذه ثلاثة أمثلة، أو أربعة، مع ذكر نقد عام على هذه الطبعة في أسطر محدودة. وطلاب العلم لهم القدرة على معرفة الطبعة الجيدة، من خلال مراجعتهم لكلتا الطبعتين. (2): كتاب : «مفتاح دار السعادة» لابن القيم، فقد عقد محققه الشيخ: علي الحلبي - وفقه الله - مبحثاً بعنوان: «الطبعات السابقة ل:«مفتاح دار السعادة» عرضاً ونقداً»، وهو مبحث طويل جداً استهلك الصفحات من «1/45» إلى «1/99»، وقد تناول طبعات الكتاب بصفة مجملة في نصف صفحة، أما باقي الصفحات فقد خصصها لطبعة واحدة، والتي بتحقيق: الأستاذين: حسان عبدالمنان الطيي، وعصام فارس الحرستاني، فراح يتكلم عليها بالتفصيل الممل، حتى جاوز النقد «50» صفحة، مقسماً الأغلاط العلمية «حسب تعبيره» الموجودة في التحقيق المنتقد إلى أربعة أقسام، وفي نقده هذا تحامل ظاهر، فقد بالغ جداً في تتبع ونقد هذه الطبعة، وأكثر من ذكر الأمثلة على كل ما يقوله، بل قال في أحد المواضع بعد سرده عدة أمثلة: «وعنده أحاديث أخر من هذه البابة، أعرضت عنها هنا!» «1/72». وقال في موضعٍ أخر: «وله من مثل هذا مواضع عدة» «1/83». وقال في موضعٍ آخر: «وما تركته أكثر» «1/98». والغريب أنه قال عن هذا النقد المبني على تحليله للكتاب تحليلاً تكلف فيه: إنها «دونما تقصٍّ، ومن غير تدقيق في المقابلة والموازنة !!» «1/ 46». وهذا غير صحيح، بل ما خرجت هذه المواضع إلا بالتدقيق، والمقابلة، والموازنة مراتٍ، يعرف ذلك من تأمل هذه الملحوظات التي تجاوزت «200» موضع، غير ما أشار إليها ضمناً، وهي كثيرة جداً، ومن تتبع المواضع التي ذكرها، يجدها شملت المجلدين، كما شملت أول كل مجلد، ووسطه، وآخره، وبين ذلك. والكل يعرف ما بين الحلبي وعبدالمنان، وكل يطعن في الآخر، لذلك تأهب كل نفرٍ منهما إلى تتبع زلاتِ الآخر، بكل دقة، ومقابلة، وموازنة، لفضحه بأسلوب لا يليق بطلاب العلم. وتكون ثمرة هذا المزلق على حساب، الورق، وإلزام الناس بشراء، ما لو أُفرِد لما اشتروه، ولا حول ولا قوة إلا بالله. وقد رأيت - كغيري - الكثير من المحققين - وفقهم الله - يسودون عشرات الأوراق في مقدمة تحقيقهم في الحط من قيمة الطبعات السابقة لطبعتهم. وأنا لا أنكر وجود طبعات سقيمة همّ المحقق منها - أو الناشر - التجارة. ولا أنكر عبث أهل الأهواء والبدع بكتب السلف. ولا أنكر تطاول المتعالمين على فن التحقيق والتأليف. ولكن أقصد بكلامي أن الاشارة إلى سوء الطبعة، أو جودتها يمكن أن يصاغ في فقرة لا تتجاوز الأسطر القليلة، ولا حرج لو كانت في صفحة أو صفحتين، ولكن بأمثلة تدل بوضوح على ما قيل في الطبعة المنتقدة، ولا حاجة إلى اشغال فكر القارئ للطبعة بكلامٍ خارجٍ عن الموضوع الذي أُلف الكتابُ «المحقَّق» من أجله. ثم إن هذا المزلق يجعل القارئ يظن أن المراد من هذا الحطِّ ترويج الطبعة الجديدة على غيرها، وأعوذ بالله من أن أتهم أحداً بذلك، ولكني سمعت أحد الأفاضل قال ذلك عندما قرأ مقدمة أحد المحققين لأحد الكتب. وإن كان لهذا الاتهام وجه عند من يقول به، لكثرة ما نلاحظه، بل ما قرأت في مقدمة محقِّقٍ لكتابٍ، قد طبع من قبل، إلا وجدته يحط من قيمة الطبعة السابقة، وقلَّ من سلم من ذلك. وقد حقق فضيلة الشيخ الدكتور: محمد الصباغ - حفظه الله - كتاب:«الآلئ المنثورة» للزركشي، وتعرض في آخر مقدمة تحقيقه لطبعة سابقة، ونقدها بشكل علمي في صفحات يسيرة، مع أنه ذكر أنه كتب عليها نقداً مفصلاً في «65» صفحة، ولكن ذكرها لا يناسب المقدمة اليسيرة، فاكتفى بما يؤدي المقصود. وأعجبني صنيع الشيخ: محمود الأرنؤوط - حفظه الله - في مقدمة تحقيقه ل:«المنهج الأحمد» للعليمي، فقد تعرض لنقد طبعة سابقة بكلام مجمل قصير، قدم لنا تصوراً كاملاً لهذا الطبعة، وكان نقده في «6» أسطر تعليقاً في حاشية الكتاب، ومما قاله «1/ 23»: «ولو رحنا نُبَيّن ذلك «أي: تفصيل الملحوظات»، لطال بنا المقام، ولكن لا نرتضي لأنفسنا ما يفعله البعض في هذا الاتجاه، من الإساءة للعاملين في خدمة العلم، لمجرد الوقوع على بعض الأخطاء في أعمالهم العلمية» أ. ه. وقد حقق العالم الجليل: محمد حامد فقي رحمه الله، «كتاب الشريعة» والكل يعلم ما في طبعته من التصحيف والتحريف، اضافة للسقط الكبير الحاصل في طبعته، وعدم العناية بتخريج أحاديث الكتاب، وقد خدم الكتاب حسب إمكانياته المتواضعة في ذلك الوقت، فرحمه الله رحمة واسعة. وأيضاً ما فعله فضيلة الشيخ الدكتور: عبدالله بن عمر الدميجي «حفظه الله»، حيث حقق «كتاب الشريعة» للآجري - رحمه الله - من جديد، وقد أعجبني صنيعه عندما تعرض لطبعة الفقي بالنقد العلمي، ثم ختم نقده بقوله «1/254 - 255»: «كلمة إنصاف»: هذا ومن باب الإنصاف بعد ذكرنا لهذه الملحوظات على عمل الشيخ - رحمه الله تعالى رحمة واسعة - خاصة وقد حَطَّ رحاله عند ربه - تعالى - نُحِبُّ أن نشير إلى ما بذله من جهودٍ مشكورة في هذا الكتاب، وفي غيره من كتب التراث السلفي العريق. فقد بذل - رحمه الله تعالى - جهداً مشكوراً في هذا الكتاب بعينه، ولكن لم تسعفه النسخ كما سبق. وأما إِقدامه على نشر هذا الكتاب بهذه الصورة التي لم يرضَ عنها هو - كما أوضح في المقدمة - إلا لحرصه الشديد على نشر كتب السلف رحمة الله تعالى عليهم. وقد نشر كثيراً جداً من هذا التراث الضخم في فترة قَلَّ من يلتفت إلى مثل هذه الكتب، وإلى الاعتناء بها. وقد صرح هو بذلك، حيث قال في المقدمة: «واني لم آخذه، وأحرص على شرائه، إلا رغبة في نشر آثار السلف، لأني بذلك كلف، وأود لو أطال الله عمري، ووفقني ربي، لنشرها جميعاً، لأن المتأخرين لم تعج بهم الطريق، إلا لجهلهم بآثار سلفهم، فحُرِمُوا القدوة الحسنة، وذهبوا يتخذون من نصارى الفرنجة، ويهودهم، وملحديهم، وزنادقتهم، وفساقهم قدوة لهم. خابوا، وخسروا». وقد نشر تراثاً عظيماً من هذا النوع، سيجد جزاءه عند ربه - إن شاء الله تعالى - أضعافاً مضاعفة. كما أنه - رحمه الله تعالى - له تعليقات نفيسة على بعض قضايا الكتاب.. «ثم ذكر «سبعة وعشرين» مثالاً على تعليقاته النفيسة». ثم قال: لذلك، فإني لم أذكر هذه الملحوظات - عَلِمَ الله - إلا من باب النصيحة، والخدمة لهذا الكتاب النفيس، ومصنفه، وبغية الوصول إلى الحق، والدلالة عليه، وهذا هدف الجميع، والله الموفق للصواب» أ. ه. هذا كلامه بطوله، ذكرته لجودته، وهي طريقة حسنة ليت المحققين يجمعون عليها، دون غمز للمحقق السابق، أو الاستخفاف بعلمه، وعمله، وجهده، ولا سيما من عرف عنهم الديانة، وحب الحق، والاجتهاد في طلبه، والله الموفق. وأستودعكم الله - تعالى - إلى لقاءٍ آخر في الحلقات القادمة - إن شاء الله - عن مزالق التحقيق.. للتواصل ص.ب: «103871» الرياض : «11616» @hotma @hotmail.com45 shamrani (1) يقول الأستاذ الدكتور: أكرم ضياء العُمَرِي - وفقه الله - في تقديمه ل:«طبقات المحدثين بأصبهان» (1/8): «خدمة الدكتور: عبدالغفور البلوشي لكتاب أبي الشيخ من حيث: التعريف برجال الإسناد، وتخريج الأحاديث، والحكم عليها، وهو جهد لازمٌ لنيل مرتبة «الماجستير» في تخصص «السنة النبوية»، وإن كان ليس بلازمٍ لتحقيق الكتاب تحقيقاً علمياً في نظر عامة المحققين الذين يرون في ذلك إثقالاً للحواشي، ولا مفرَّ من قيام طلبة الدراسات العليا من تحويل رسائلهم من تحقيق الكتب إلى دراسة أحاديث كتاب مخصوص، دفعاً للاعتراض المذكور» أ. ه. (2) يقول الدكتور: محمد بن عبدالمحسن التركي - وفقه الله - في مقدمة تحقيقه ل«مسند الطيالسي» (1/13»: « حققتُ الكتابَ من أولهِ إلى نهاية مسند سعيد بن زيد، ثم تتابع على التسجيل في تحقيقه زملاء فضلاء، فأتوا على جل الكتاب.. لكن المنهج الذي سرتُ عليه مع إخواني المشاركين معي في تحقيقه، كان على حالٍ من التوسع، والبسط، والتفصيل، الذي يحسن في الرسائل الجامعية، ولا يناسب الاخراج العام، لما فيه من اطالة للكتاب، وإثقال على المستفيدين غير المختصين، لذا عمدت إلى تحقيقه، وإخراجه إخراجاً يحقق الغاية من خدمته، ويتحاشى الإطالة المؤثرة على انتشاره، وتداوله» أ. ه.