تفسير القرآن العظيم للإمام ابي الفداء اسماعيل بن كثير رحمه الله «700 774ه» من اهم التفاسير، ويأتي في المرتبة الثانية بعد «جامع البيان» لابن جرير الطبري رحمه الله ت«310ه» وامتاز بعدة امور، من اهمها: 1 تفسير القرآن ب القرآن وبالاحاديث والآثار مسندة الى اصحابها. 2 الاهتمام بنقد الروايات، والكلام عليها تصحيحاً وتضعيفاً، مع الكلام على الرواة جرحاً وتعديلاً. 3 ذكر الاقوال والآراء والمذاهب الخاصة بالتفسير او الاحكام الفقهية بادلتها مع الترجيح والتعليل.لذا اهتم به النساخ قديما، فوجدت له نسخ كثيرة، ولا تخلو منها مكتبة عامة، او خاصة، من المكتبات التي تهتم باقتناء المخطوطات. وعندما ظهرت المطابع سارع الناشرون الى طبعه ونشره، فكثرت طباعته وانتشرت، وغالب الطبعات مصورة من طبعتين قديمتين على مافيهما من نقص وتصحيف، وبعضهم اخرج طبعة جديدة كتب عليها «مصححة ومراجعة» وهي لا تعدو عن كونها صفاً جديداً لإحدى الطبعتين السابقتين.. انظر: ذكر طبعاته في «الدليل الى المتون العلمية، لفضيلة الشيخ عبدالعزيز بن قاسم.ومن افضل الطبعات التي وقفت عليها ان لم تكن افضل الجميع هي طبعة «دار طيبة» بتحقيق الشيخ الفاضل: سامي بن محمد السلامة وفقه الله، وقد تميزت هذه الطبعة بامور عدة خلت منها الطبعات السابقة، وتدل على قيمة الجهد الذي بذله المحقق في سبيل اخراج هذه النسخة، ظهرت فيما يأتي: رجوع المحقق الى نسختين «خطيتين» كاملتين، وعشر نسخ اخرى خطية، يستوعب مجموعها التفسير كله كما كتب على طرة الغلاف، وهذه حقيقة لا مبالغة تظهر لمن اكثر القراءة في هذه الطبعة، وقارنها بالطبعات الاخرى، ظهرت امانته العلمية في كثير من المواضيع حيث ساق بعض التعليقات في الحواشي ثم نسبها للمصدر الذي اخذها منه. (أ) في « 6/125» خرَّج حديثاً من كتاب «الورع»، لابن ابي الدنيا وقال: «وهو مرسل، وفي اسناده بقية، وهو مدلس» أ.ه ثم قال مستفاداً من كلام المحقق الفاضل محمد الحمود.. أي: ان التعليق على الحديث مأخوذ من كلام المحقق على كتاب الورع. «ب» وفي «6/293» ذكر كلاما للشوكاني في نقد حديث سنداً ومتناً، وقال في آخره: مستفاداً من حاشية تفسير البغوي، اي طبعة دار طيبة، وهي افضل طبعة خرجت لتفسير البغوي «معالم التنزيل» «ج» وفي «8/199» نقل كلاماً مفيداً فيما يخص صفة الساق، وقال في آخره انتهى نقلاً عن التحذير من مختصرات الصابوني. د.. وفي 8/423 له تعليق على مسألة التكبير من سورة الضحى الى آخر المصحف، قال في آخره انظر الآداب الشرعية لابن مفلح «2/310»، ومرويات دعاء ختم القرآن لبكر ابو زيد «ص6» ومن كتابه استفدت هذا، فجزاه الله خيراً. «ه» اما ماجاء من التعليقات في حاشية طبعة دار الشعب فما اخذه منها نسبة لمصدره بعبارة مستفاداً من حاشية الشعب، انظر على سبيل المثال 6/67، 6/500 و 6/501. 3 تعقب الحافظ في بعض المواضع بعبارة بعيدة عن الحشو الامر الذي يرغبه ارباب الحواشي. أ فمثلاً في 8/23 يقول الحافظ: كما جاء في الصحيحين، فقال المحقق لم اقع عليه عند البخاري.. وهذه عبارة علمية متينة، فلم يخطئ ابن كثير، ولم ينف الحديث من صحيح البخاري، وقد قرأنا لغيره في مثل هذه الموضع قولهم: رحم الله شيخ الاسلام لقد وهم في عزو الحديث للبخاري، وما ادري كيف فاته هذا الامر، وهو الحافظ الشهير، ولكن لكل جواد كبوة.. وهكذا تسود الصحائف في الحط من قدر الأئمة بمثل هذا اللغو، قصد المحقق، او لم يقصد. «ب» وقال في 8/427 تعليقاً على قول ابن كثير: وفي الصحيحين من طريق عبدالرزاق.. قال لم اقع عليه في الصحيحين من هذا الطريق وقد جاء فيهما من طرق أخر عن ابي هريرة فذكرها.. ج وقال في 8/445 تعليقاً على قول ابن كثير.. روى بن ابي عاصم النبيل بإسناده.. قال عزاه اليه صاحب الكنز 8/540 برقم 24069 ولم اقع عليه في السنة.. قلت لم يشر ابن كثير إلى ان ابن ابي عاصم اخرجه في السنة وقد اخرجه في الآحاد والمثاني برقم 1040 و 2593 بسند آخر عن الفلتان بن عاصم مرفوعاً مختصراً. «د» ومثل ذلك ماجاء في 8/479 تعليقاً على قول ابن كثير رأيت ابا بكر الخرائطي اسند في كتابه المعروف: مساوئ الاخلاق.. علق بقوله لم اقف عليه في المطبوع من مساوئ الاخلاق.. فلم يجزم بعدم وجوده في الكتاب، ولكن ابن كثير كما رأينا جزم بوجوده في كتاب الخرائطي مما جعلني ابحث في الكتاب المذكور فوجدت الاثر في مظنته، انظر مساوئ الاخلاق ص 83 84 برقم 175. 4 دافع عن ابن كثير في مسألة صفة الساق في 8/199 وذلك عند الكلام على تفسير قول الله تعالى «يوم يكشف عن ساق ويدعون الى السجود فلا يستطيعون» 42 سورة القلم حيث ظن بعض الجهلة ان الحافظ ممن اوّل صفة الساق لانه ساق بعض الاقوال في تفسير الآية واثبت المحقق في هذا الموضوع تعليقاً نفيساً لشيخ الاسلام ابن القيم رحمه الله. 5 له تنبيهات مليحة على بعض المواضع، وبكلام مختصر مفيد، ومن ذلك: أ تعليقه في «2/348» على قصة العتبي الواردة عند قوله تعالى «وما ارسلنا من رسول الا ليطاع بإذن الله ولو انهم اذ ظلموا انفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله تواباً رحيماً» «سورة النساء» والكلام على بطلانها سنداً ومتناً، وهو تنبيه فريد خلت منه الطبعات السابقة، ولاسيما ان الامر يتعلق بالتوحيد، وليته بيَّن في هذا الموضع ان هذه القصة الواهية لم ترد في جميع النسخ، واشارته الى ذلك في مقدمة التحقيق.. «1/43» لاتكفي.. ب ومر تحت رقم 4 تعليقه على مسألة صفة الساق في 8/199. ج ومنها: تعليقه في 8/423 على مسألة التكبير من سورة الضحى الى آخر المصحف حيث قال والصواب ان هذا مما لم يصح فيه شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن صحابته وما روي فيها مما لاتقوم به الحجة، وشيخ الاسلام ابن تيمية قد تكلم على هذا التكبير كلاماً شديداً في الفتاوى 13/417 419، وانظر الآداب الشرعية لابن مفلح 2/310، ومرويات دعاء ختم القرآن لبكر ابو زيد ص6 ومن كتابه استفدت هذا فجزاه الله خيرا، وتأمل قوله «ومن كتابه استفدت هذا» . «د» ومنها: ماجاء في 8/479 تعليقاً على قصة لقاء عمرو بن العاص لمسيلمة الكذاب، وذلك قبل اسلام عمرو، فكتب تعليقاً في صحة هذه القصة نظر، فان اسلام عمرو بن العاص متقدم على تنبؤ مسيلمة.. وبنى كلامه هذا على ماصح من ان اسلام عمرو كان سنة ثمان من الهجرة، بينما مسيلمة الكذاب تنبأ سنة عشر من الهجرة. 6 له استدراكات قيمة على النسخ، تدل على دقة مراجعته للتفسير، منها: أ ماجاء في 3/401 في آخر تفسير الآية 26 من سورة الاعراف عند قول ابن كثير روى ابو القاسم الطبراني في معجمه الكبير له شاهداً من وجه آخر، حيث قال: حدثنا.. هكذا بياض في جميع النسخ، واستدركه المحقق بعد معرفة الطريق المقصود بقرينة قوية، واثبت النص كاملاً في الحاشية، ونبه على ذلك ولو اثبته في المتن بين معكوفين ( )، لما أخطأ، ولكنه تقيد بنصح النسخ، وجعل في رأيه في الحاشية، وله في ذلك سلف، ولكن عند يقين المحقق من وجود النص الساقط، وتحققه من ذلك، فلا حرج من اضافته في المتن، والتنبيه على ذلك في الحاشية، وهي جادة مطروقة. ب ومن هذا الباب ماجاء في 5/40 41 عند ذكر المصنف لروايات حديث الاسراء قال رواه ابو يعلى في مسنده عن.. بابسط من هذا السياق، فليكتب ههنا، فعلق المحقق في الحاشية بقوله: كذا ولم اجد في النسخ اثباته، وقد رواه ابو يعلى في معجم الشيوخ.. وساق الخبر بطوله وهذه زيادة هامة، لم ترد في الطبعات السابقة، ولاسيما انها زيادة رغب فيها المصنف رحمه الله ونبه عليها ولو ادرج المحقق هذا الخبر بطوله في المتن بين معكوفين، ونبه على ذلك في الحاشية لما كان مخطئا، ولكان عمله تصرفا مأذوناً له فيه من قبل المصنف، حيث قال: فليكتب ههنا.ومما يحضرني في هذا الباب ماقاله ابن حميد رحمه الله في السحب الوابلة (2/414) عند ذكره لاثنين من علماء الحنابلة لايعرف تراجمهما، قال ولكوني لم اقف على حقائق احوالهما، لم افردهما بترجمة.. ومهما وقفت عليه ان شاء الله الحقته، ومن عثر على شيء من ذلك فليلحقه مثاباً عليه ان شاء الله لتتم الفائدة.. وعلق على ذلك محققه أ.د عبدالرحمن العثيمين حفظه الله بقوله: لم نجب المؤلف لدعوته الى الحاق التراجم، بل ذكرناها في ذيل الكتاب مختصرة.. لان هذا احوط، ولانه المنهج الصحيح المتمشي مع قواعد نشر التراث، ولكي لاينسب الى المؤلف من المعلومات مالم يقله.. أ.ه وانظر 3/1193 من المصدر نفسه. «ج» اعود الى صاحبنا المحقق فاقول ومما استدركه على النسخ ماجاء في 5/444 عند تفسير الآية «52» من سورة الحج. حيث قال المصنف تعرض القاضي عياض رحمه الله في كتاب: الشفاء لهذا واجاب بما حاصله، كذا دون تتمة، فعلق المحقق بقوله: كذا في جميع النسخ، وكلام القاضي عياض في الشفاء 2/107 اذكره مختصراً له.. فذكره وذكره باختصار تمشياً مع رغبة المصنف بقوله اجاب بما حاصله. د. ومن استدراكات صاحبنا ماجاء في 7/47 عند آخر سورة الصافات حيث قال المصنف وقد وردت احاديث في كفارة المجلس.. وقد افردت لها جزءاً على حدة، فلتكتب هاهنا ان شاء الله.. فقال المحقق: كذا ولم اجد اثباته في النسخ، والاحاديث التي وردت في كفارة المجلس جاءت عن جمع من الصحابة والتابعين وهم... وقد اطال في ذكر هذه الاحاديث بما يتوافق مع قول المصنف.. وقد افردت لها جزءاً على حدة. «ه» ومن استدراكاته ماجاء في 6/290 291 حيث استدرك من احدى النسخ قصة هجرة الحبشة من رواية ابن اسحاق، فذكرها بطولها في الحاشية ولم يثبتها في النص المحقق، ولم يذكر سبباً وجيهاً لذلك بل اكتفى بقوله اظنها من الناسخ. ولست اعلم وجه نسبة هذه الزيادة الى الناسخ، علماً بان النسخة التي وجدت فيها الزيادة، نسخة: ولي الدين جار الله ب تركيا وهي نسخة قديمة، كتبت سنة 799ه اي بعد وفاة المصنف ب 25 سنة، وناسخها هو: علي بن يعقوب «ابن المخلص» رحمه الله، ويغلب على الظن انه ادرك المصنف، فكان على المحقق ان يذكر سبباً وجيهاً لعدم الاعتماد على هذه الزيادة، واهمالها من النص المحقق. ولو اعتل بعدم وجود هذه الزيادة الطويلة الا في نسخة واحدة نسخة «ت»، وهي نسخة ناقصة، كما ذكر في وصفها 1/ 38 لكان اقرب. وعلى اية حال فقد ذكر المحقق هذه الزيادة بطولها، وبذلك لم يفوت الفائدة على القارئ. هذا ماتيسر لي فيما يخص هذه الطبعة من تفسير القرآن العظيم للامام بن كثير رحمه الله.ولم اتعرض لما في هذه الطبعة من التصحيف، او الخطأ المطبعي، وهو قليل، اذ لا يسلم من ذلك كتاب.وقبل الختام اود ان اشير الى ثلاثة امور: الامر الاول: ماقيل عن هذه الطبعة من وجود بعض السقط هنا او هناك، فكلام يحتاج الى تنبيه، وهو ان الحافظ ابن كثير رحمه الله كتب كتابه اكثر من مرة وطارت نسخه في الآفاق نسخاً ونشراً ولذلك نجد خلافاً بين النسخ يرجع لاختلاف نسخ الحافظ نفسها، وهذا مايبرر وجود نقص في بعض النسخ، عن غيرها. إذاً فوجود النقص في بعض النسخ قد يرجع إلى الحافظ بن كثير نفسه، وهذا ليس على اطلاقه. ثم ان السلامة قد استدرك السقط الحاصل في المجلد الاول من طبعة الشعب وذلك في الطبعة الثانية، وهي في الاسواق منذ سنتين ولم يعلم بها من عنده الطبعة الاولى، فلزم التنبيه. وعرفت مؤخراً ان المحقق وفقه الله اتم مراجعة الكتاب مرة اخرى على اصوله، واستدرك ما فاته في الطبعة الاولى، وسيطبع قريباً ان شاء الله، بصورة اكمل من سابقتها. الامر الثاني: هناك طبعتان اود الاشارة اليهما عند حديثي عن طبعة السلامة: الطبعة الاولى: طبعة اخرجتها مؤسسة الرسالة ب بيروت في مجلد واحد كبير وقالوا في مقدمتها انهم راجعوا هذه الطبعة على عدة طبعات. وهذا جهد مشكور، وان كان لايغني عن الرجوع الى النسخ الخطية، مما لا يجعلها منافسة لطبعة السلامة. الطبعة الثانية: اخرجتها «دار ابن الجوزي» بتحقيق ابي اسحاق الحويني، وهي طبعة عجيبة لم ار منها سوى مجلدين فقط وقد وصل فيها المحقق الى الآية 78 من سورة البقرة. فقلت في نفسي: في كم مجلد سيصل هذا التفسير؟ وهل سيخرج بالصورة التي يرضاها ابن كثير؟ ان هذه الطبعة محشوة بتعليقات طويلة، وقد كان في وسع ابن كثير ان يكتبها واحسن منها، ولكن آثر التوسط لنفع الناس، فالتوسع في التعليق والتخريج قد يخرج الكتاب عن مراد مصنفه. ثم ان المحقق الحويني باستطاعته ان يقابل التفسير بين نسخه الخطية، ويخرج لنا طبعة كاملة موثوقة، ويفوز بالأجر ورضا طلاب العلم، ثم يخرج كل مايود ان يقوله تعليقاً او تخريجاً في كتاب له مستقل، ليأخذه من اراد، دون الزام الناس به. وانا لا اود الحط من قدر هذه الطبعة، ولكن فقط اردت التنبيه على عادة جرت عند بعض المحققين المعاصرين الذين يخرجون الوريقات في مجلد والمجلد في مجلدات وليس لي نقدها ولم يخرج منها سوى اليسير. وقد بلغني ان طبعة الحويني هذه ستصل الى عشرين مجلداً فان صح هذا فلا حول ولا قوة الا بالله. الامر الثالث: بعد الكلام على طبعة الحويني وكونها ناقصة لم يخرج منها سوى ثلث سورة البقرة، او اقل، فقد تعجبت عندما اطلعت على كتاب الدليل الى المتون العلمية، لاحد علمائنا الافاضل وقال في (ص 96).وهي احسن الطبعات.. ا.ه فقلت: كيف يحكم بين طبعتين الاولى كاملة جيدة متقنة، والثانية ناقصة جداً، لم يخرج منها سوى القدر اليسير، كما اشرت اليه، ثم يحكم لصالح الناقصة، ولم يطلع على باقي العمل؟ولو كانت الطبعة كاملة فالقارئ اي قارئ ان يفضل مايراه مناسباً من حيث الدقة وتحري الصواب. عبدالله الشمراني