حتى يكون حبي لك عادياً! كنت طوفاناً يجرف أمامه كل أشجار القلق، وجلاميد الترقب والتروي! كنت قادمة كوجه الفجر الذي يسقط رهبانية الليل الطويلة! كنت نازلة على جبين الكوكب المهجور.. وبين يديك.. ماء.. وحياة.. ومخلوقات.. ودورة شمسية جديدة!» (سقف الكفاية، ص 7) هكذا يستهل محمد حسن علوان نصه «سقف الكفاية» وهكذا يسير إلى ختامه.. بل إلى قصيدة النثر الملقاة على الغلاف الأخير من كتابه عن «السيدة الملونة»، المنسوبة إلى مها في ثنايا السرد «ص 286 - 287). لغة شعرية لا في انزياحاتها فحسب، ولكن في ايقاعاتها ونبرها أيضاً. وقد يرى القارئ من خلال توزيع النص في أسطر -كما هو فوق - تقطعات النفس الشعري وراء ظاهرية النص النثري. والفتى شاعر ايقاعي يغلب على تجربته الشعرية النظم الأبياتي، الموزون المقفى: «ماذا أكتب! هل أبقيت لي حرفاً لم يهرب؟ انظري إلى قدميك يا حبيبتي.. تجدين ثمانية وعشرين حرفاً سقطوا مني.. يحاولون تسلقك!..» (ص 50 -51). أفنثر هذا أم شعر؟! إنه شعر كما نعرف الشعر، لا بلغته وحدها بل بايقاعاته كذلك وتناغم مفرداته. حتى لو شئت أن تقسم عباراته في أسطر هكذا: «ماذا أكتب! هل أبقيت لي حرفاً لم يهرب؟ انظري إلى قدميك يا حبيبتي.. تجدين ثمانية وعشرين حرفاً سقطوا مني.. يحاولون تسلقك!..» لكوّن قصائد تفعيلية، بشيء طفيف من التعديل. (ولولا خوف الإطالة في الشواهد على هذه الظاهرة لكان منها الكثير،لكنه يمكن لمن شاء مثالاً جلياً أن يرجع إلى الفقرة الأولى: ص 198). ذلك أن تعرجات الإيقاع علة كانت تلازم بعض القصائد الشعرية نفسها لدى علوان، بسبب اعتماده على أذنه الموسيقية أكثر من معرفته بالأوزان الشعرية. ألا ترى كيف حمل شعره -كنثره- من مغبة ذلك ما حمل من خلل الإيقاع. كأن يقول مثلاً على لسان بطل «سقف الكفاية» ناصر من قصيدة ص 84 - 85: «ما عاد لي شيء أعيش لأجله.. أو منتهى حُلُم إليه أُجاهدُ!.. كل ريح الأرض ترفضني وما عندي أنا.. إلا شراع واحد!..» وكان بامكانه أن يقول «كل رياح..»، ليستقيم السطر الخامس بعض استقامة، لكن السطر السادس غيرمستقيم بدوره. أو في قصيدته على ص 38، وهي من مجزوء البحر الوافر: «لأول مرة مني يضيع الحرف.. والمعنى لأول مرة أحسست أنا وفمي تفرقنا» (فالبيت الأخير مكسور». أو في قصيدة أخرى (ص 339 - 341)، من وزن الرمل: صوتك الحاني أتى يمطرني وبكائي هادئ لم يزل لم يكن إلا عناق والة فانفجرت أنوح مثل الثكل فكسر الشطر الأخير من البيت الثاني، وكان حقه أن يكون مثلاً: «فانفجرت كنواح الثكل»، أو «وانفجار نائح كالثكل»، كي يستقيم. إلى غير هذه من الأمثلة على اختلاله في الأوزان. بل إنه ليخطئ حتى في ما ينقله من الشعر الموزون، وذلك كأبيات سعاد الصباح، التي يسوقها هكذا: كن صديقي.. ليس في الأمر انتقاص للرجولة.. غير أن الشرقي لا يرضى بدور.. غير أدوار البطولة! والصواب «المفترض»: «غير أن الرجل الشرقي..». (على أني وجدت هذا المقطع بخطئه هذا عند غير الكاتب، وفي أكثر من مكان، ولعله قد غُني بتلك الصيغة أيضاً. أهكذا هو في قصيدة الشاعرة؟ هو خطأ وزني تفعيلي على كل حال!). ولوقوع علوان في شباك نزار قباني -فضلاً عن مكابدته قيود الأوزان - فإن نثره ليبدو أشعر من نصوص يحسن الظن بشعريتها فيدرجها على أنها قصائد، فتظهر جماليات الشعر الفائضة في نثره مكبلة، أو متعثرة، في نظمه. ولا أدل من لاميته (ص 339 - 341)، التي جاء منها المثال الآنف. وقد يصل الأمر بالنص إلى درجة من الخواء الشعري كذلك الذي يسوقه (ص 266 - 268) قائلاً فيه: لم أنتبه.. للخوف في عينيك يا سيدتي.. والكره في كلماتك لا تأبهي.. بالغيرة الحمقاء في حبي، واستمتعي بحياتك!! أيّاً تكن تلك العلاقة.. ما دمتِ قد أخفيتها عني.. فالأمر أكبر من صداقة!! *** إلى آخر هذا الكلام المغسول شعرياً، معنى ومبنى! وفي المساق المقبل يتواصل الحديث عن معالم الخطاب الشعري في «سقف الكفاية». (*) آداب جامعة الملك سعود - قسم اللغة العربية [email protected]