حلقات أعدها: محمد عبدالله الحميضي ونسير قليلاً وباتجاه الجنوب في حلقة اليوم لنصل إلى مدينة «رغبة» مدينة تربعت على تقاطع الطرق من الشمال والجنوب ومن الشرق إلى الغرب وبرجها الشامخ يحكي قصة الماضي ويذكر الشباب فيما كان يتحمله آباؤهم وأجدادهم من المشقة والتعب، زارها العديد من الملوك والأمراء للاستمتاع برياضها وجمالها في مواسم الأمطار والربيع وخشم الحصان يطل عليها من جبال طويق الشرقية. فلنتعرف على تاريخها وماضيها المجيد. الأمير سلمان وجه بترميم برج رغبة على نفقته الخاصة عام 1392ه رغبة أحدى بلدان المحمل أرضها منبسطة بارزة ترى للعيان من بعد. يأتي سيلها من صفحة جبال طويق الغربية بجوار خشم الحصان ثم يتوجه السيل مخترقاً البلدة ثم إلى النفود ثم إلى أعيوج وبعدها يستقر في سبنحة القصب «المملحة». وكان لهذا السيل المندفع من جبال طويق باتجاه البلدة منافع كثيرة حيث توجد الرياض المجاورة لها مثل روضة «الكثير أم السدر الطريف البردان أم الشقوق» ولكن وبعد ان تم تعبيد وردم الطريق العام المؤدي من طريق الحجاز القديم عن طريق اليره إلى مدينة ثادق أصبح كأنه سد يحتجز المياه ومع قوتها أحياناً تسبب أضراراً كبيرة تعرضت مباني البلدة قديماً لأكثر من مرة إلى سقوط أجزاء كبيرة منها. الموقع تقع بلدة رغبة في الشمال الغربي لمدينة الرياض وعلى بعد حوالي 130 كيلومترا تقريبا وأرضها منبسطة تحفها جبال طويق وهضابه من جهة الشرق ونفود رغبة من الجهة الغربية. كما ان لموقعها المتميز بين مدن وقرى المحمل وقرى الوشم الشرقية جعلها ذات موقع ميزها عن غيرها حيث تقع في تقاطع طريق الرياض مروراً بحريملاء فالقصب ثم شقراء. والآخر طريق ثادق مروراً برغبة إلى البرة حتى طريق الحجاز القديم. كل هذه الاستراتيجية في الموقع جعلت بالإمكان أن تكون مدينة كبيرة حيث أنها في الماضي كانت من القرى العظيمة في المحمل ولكن قربها من مدينة ثادق وتواجد جميع الخدمات والدوائر الحكومية جعل من بلدةرغبة تباطؤاً في النمو السكاني لعدم توفر الوظائف الحكومية بها وقلة المياه جعلت من الزراعة أمراً صعباً مع قلة المياه مما ساعد على الهجرة السكانية إلى المدن المجاورة وإلى المدن الكبيرة مثل مدينة الرياض لطلب العلم والرزق. واذا اردنا تحديدها جغرافياً: الشمال/ هضبة الغرابة وهي بين رغبة وثادق وبين الرويضة وثادق. الجنوب/ جبل عريض «اليره والعويند». الشرق/ جبال طويق وتتكون من عدد من الخشوم أهمها «خشم الحصان». ومن المدن حريملاء الغرب/ رمال النفود «نفود رغبة» ومن المدن مدينة القصب بلد الملح. أمراء رغبة نظراً لعدم وجود المصادر والمراجع القديمة التي تذكر بتاريخ معظم بلدان نجد إلا أن التاريخ المدون والمعروف لدى الجميع هو ما بعد القرن الحادي عشر حتى الآن ومعظم الأحداث لم تسجل في فترات ماضية في القرون السابقة للقرن الحادي عشر. ولقد تعاقب عليها العديد من الأمراء حيث تم تسجيلهم أعتباراً من العام 1171ه وهم: علي الجريسي. فوزان بن حماد العريني. خالد بن علي الجريسي. سعد بن علي العريني. إبراهيم ناصر آل ربيق. محمد آل حسين العريني. عبدالعزيز آل حمد العريني من أوائل من عاصر الملك عبدالعزيز. عبدالعزيز آل خريف الثميمي. عبدالعزيز بن راشد الحقباني. عبدالعزيز آل خريف. عبدالعزيز بن عجلان الهذلي. ناصر بن عبدالعزيز آل ربيق. عبدالرحمن بن سعدي. محمد بن حسن القحطاني. عبدالرحمن بن خميس. محمد بن سويد. عبدالرحمن بن غنيم. فهد بن سحيم القحطاني. سعد بن عبدالله ال جبرين رئيس المركز الحالي. رغبة والتاريخ مدينة رغبة ذات الشهرة الكبيرة في الماضي والذي يتمثل بموقعها المتميز حيث تعتبر خط الدفاع الأول عن أقليم المحمل وذلك عند التعرض للغزاة وقطاع الطرق.. وذلك لكونها في طريق القوافل وواجهة المحمل الجنوبية. مما جعل مهمة الأهالي صعبة في الدفاع عن أنفسهم في صد كل قاصد الاعتداء عليهم أو على جيرانهم. وكان للبرج الشاهق الارتفاع المقام في البلدة الدور الكبير في مراقبة الغزاة والاستعداد لهم وصدهم قبل حدوث مكروه منهم. ومن الجانب الآخر وهو الجانب الأمني حيث تقع على طريق القوافل المتجهة من الشرق إلى الغرب والعكس. جعل منها سوقاً تجارياً رائجاً للبضائع حين يتوقفون في أسواق البلدة للراحة والتزود بالمؤونة والماء.. وممارسة البيع والشراء مما جعلها تنتعش اقتصادياً. وتعتبر المنطقة المحاذية لنفود رغبة من الجهة الغربية وهي منطقة «القفير» هي أول منطقة سكنها العرينات وهم سكان رغبة من سبع في بداية القرن التاسع الهجري. كما ان منطقة الجرف التي فيها عين خشم الحصان تقع بقربها مما وفر الماء والكلأ لهم وأصبحت منطقة صالحة للسكن. ولكن بعد فترة من الزمن وبعد نضوب ماء العين وزحف الرمال التي أدت إلى طمر المنازل والمزارع حيث أصبحت الحياة اكثر صعوبة والعيش فيها أقسى حيث لا ماء ولا كلأ ولا سكن مناسباً. عندها انتقل أهل البلدة مرة أخرى إلى مكان آخر قريب من الأول. وهو ما يسمى ب«البلاد السفلى» ولكن الرمال عدوهم الأول في ذلك المكان مما أدى إلى طمرها بالرمال ولم يبق منها سوى آثار قليلة لأسوار وجدران وآبار قديمة تدل على وجود عمارة قديمة وحياة كانت في هذا المكان. وهي آثار أشهرها «عقدة عبيكة» ولكن في عام 1179ه أعاد السكان بناءها مرة أخرى على انقاض البلدة القديمة الأولى. وفي عام 1107 ه خرج الأهالي ليستقروا في جوهم الطالعي كما يسمونه. الذي سكنوه وتم بناؤه على شكله الحالي الموجود الآن ببرجه القديم «المرقب» ولكن مع تعاقب السيول والأمطار عليه ونزوح السكان إلى المحطات الجديدة تهدمت أجزاء كبيرة منه ولم يبقى سوى أطلال تدل على الماضي العريق في ذلك المكان. النهضة الحديثة نهضة بلدة رغبة كغيرها من المدن والقرى في مختلف مناطق المملكة في شتى المجالات ومن أهمها التطور العمراني حيث قامت بلدية محافظة ثادق باعتماد العديد من المخططات السكنية وتم توزيعها على المواطنين مع اشتمالها على المرافق المختلفة من مدارس ومساجد ودوائر حكومية وحدائق عامة وشوارع فسيحة. وقد بلغ عدد هذه المخططات أربعة مخططات سكنية اشتملت على عدد من القطع بلغت 1051 قطعة تم توزيعها على المواطنين مما جعلها تنعم بمباني حديثة وشوارع مسفلتة ومضاءة. بالاضافة إلى العمل في مخطط سكني سيتم الانتهاء منه وتوزيعه مؤخراً كذلك مخطط للمنطقة الصناعية يجري العمل فيه تمهيداً لتوزيعه ليكون مقراً للورش والأعمال الصناعية التي هي في أمس الحاجة إليه حيث تبلغ عدد القطع فيه حوالي 80 قطعة شاملة لجميع الأنواع الصناعية والمهنية المختلفة. كما تم انشاء حديقة بمساحة أكثر من عشرة آلاف متر مربع بلغت تكاليفها أكثر من 450 ألف ريال. بالاضافة إلى مشروع درء أخطار السيول بطول 500م وبتكاليف تقدر بأكثر من 800 الف ريال. اضافة إلى مشاريع السفلتة والانارة والرصف المستمرة دائماً حيث تقوم بها البلدية إضافة إلى أعمال النظافة والصيانة المستمرة طوال العام. خشوم طويق تميزت بلدة رغبة بحكم قربها من جبال طويق بكثرة «الخشوم» أو ما يسمى ب«الأنوف» وهي بروزات كبيرة في امتداد سلسلة جبال طويق شرق رغبة وهي أشبه ما تكون بالأنف البارز في الوجه ولذلك سميت بالخشوم نسبة إلى الخشم وهو الأنف. ومن هذه الخشوم المشهورة التي تغنى بها الشعراء «خشم الحصان». وهو بروز شامخ يشاهد من بعد، يقع في شرق بلدة رغبة وهو من العلامات البارزة في البلدة يقصده الناس للنزهة ويتغنى به الشعراء في الكثير من أشعارهم. يقول الشاعر ابن عويدي في حنينه إلى بلدته رغبة: واحظ أبو من شاف هاك المشاريف شاف المعيقل هو وخشم الحصان أما الشاعر سعود بن عبدالعزيز آل فليج فقال: صاحبي لو لاك ما عفت الجزيرة ما قعدت مشاهدٍ خشم الحصان وإبراهيم بن دخيل الله آل قاسم: وإلى ما على الضلع المسمى ينهذب له شليل خشم الحصان مذكر الغياب قل له سلام أما فايز السهلي فيقول: بنيت لي قصر بخشم الحصان سوره حديد واللوايح حديد خشم الأصبع: ويقع شمال غرب بلدة رغبة. خشم رغبة: وهو ما يسمى باسم البلدة ويقع بمحاذاتها من جهة الغرب. خشم الحصين: وهو تصغير للحصان وهو من الخشوم المجاورة للبلدة جهة الشرق. خشم التراب: سمي بخشم التراب لأنه تغلب عليه وعلى تكوينه الطابع الترابي أكثر من الصخري. وتطلق هذه الأسماء على هذه البروزات الصخرية كنوع من الدلالة على الأمكنة ولتحديد المواقع والاتجاه وهي أشبه ما تكون الآن باللوحات الارشادية. ومن الأماكن التي أصبحت أسماء يتداولونها للدلالة على بعض الأمكنة هي: «الطرفية الزاوية المعترضة الشعبة أم شطرين وغيرها. وقد قيل في هذه الأماكن أشعار كثيرة ومنها ما قاله عمرو بن كلثوم فاعرضت اليمامة واشمخرت كأسياف بأيدي مصلتينا وقال أحد شعراء رغبة: يا مرحباً بالطارفه يوم شفناه ضلع وكنه واحد من الجماعة الزيارات كان لموقع بلدة رغبة أهميته حيث الأرض المنبسطة والأراضي الخصبة والرياض التي تجاورها بحللها وجمالها في فصل الربيع عند هطول الأمطار شتاءً وامتلائها بالماء فأصبحت محطاً للأنظار مما جعل الزيارات لها شيئاً محبباً إلى النفس سواء كان الزائر يقصدها أو يقصد بلدات المحمل أو الوشم أو أي منطقة مجاورة لها وعلى طريقها حيث ان بلدة رغبة بحكم موقعها على مفترق الطرق بين الرياض والوشم والمحمل التي هي جزء منه وخرما والبرّة. فلقد زارها جلالة المغفور له الملك عبدالعزيز حيث زارها مروراً بها ومعه 6 سيارات له ولمرافقيه في تلك الرحلة ولقد كانت سيارات جلالته هي أول سيارات تمر مع هذا الطريق بعد أن كانت تسلكه الجمال وغيرها من وسائل النقل الحيوانية. واستبشر الأهالي خيراً وفرحاً بمقدم جلالته بعد توحيد المملكة. حيث كانت هذه الزيارة الميمونة في عام 1353ه ونزل جلالته في روضة الكثير بجوار بلدة رغبة. وتقدم له أحد المواطنين وهو إبراهيم المفرح طالباً منه باسم الأهالي الحضور إلى البلدة للاحتفاء به وتكريمه. ولكن جلالة المغفور له باذن الله شكر له حسن الترحيب وأمر له بشرهة «مناخ» أو العوائد التي تصرف سنوياً ومقدارها آنذاك (15) خمسة عشر ريالاً. أما في عام 1374ه فقد زارها جلالة الملك سعود - رحمه الله - واجتمع بالأهالي واستمع إلى مطالبهم وحاجاتهم الخاصة بهم والعامة للقرية. ثم أمر لهم ببعض العطايا من نقود ولباس وغادرها داعين له بالأجر والثواب وبالعزّة لدولتنا المباركة. وفي عام 1384ه زارها جلالة الملك فيصل - رحمه الله - وأقام حوالي عشرين يوماً في روضة «أم الشقوق» بجوار بلدة رغبة.. تفقد خلالها الأهالي وقضى حاجاتهم وتلمس حاجات المنطقة عن قرب وكان لهذه الزيارة وغيرها الأثر الكبير في نفوس الأهالي من حيث أحساسهم بقرب حاكمهم منهم ومشاركته لهم والاطمئنان عليهم وتلمس احتياجاتهم بنفسه. وفي عام 1392ه زار المنطقة صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز حفظه الله اجتمع بالأهالي وحضر الاحتفال الذي أقيم له بمناسبة الزيارة وزار البلدة واستمع إلى مطالب الأهالي وحاجاتهم ومنها «برج رغبة» وحاجته للترميم خشية السقوط آنذاك. ثم أمر سموه بترميمه على نفقته وذلك بعد الزيارة حيث ثم أصلاحه في عام 1394ه وهو الآن بعد الترميم بشكل جيد. ولقد أزالت هذه الزيارات وغيرها الحواجز بين الحاكم والمحكوم وأصبح الشعب في تلاحم مع قيادته وذلك من خلال الوقوف على حاجات المواطنين عن قرب وقضاء حوائجهم وتنفيذ المشاريع التي يحتاجها المواطن في أي مدينة وقرية من قرى المملكة. اضافة إلى زيارات الوزراء والمسئولين المستمرة في مختلف أجهزة الدولة للأشراف على المشاريع وتنفيذها بشكل صحيح. بيت الجماعة لعل من أهم الروابط الاجتماعية ومظاهر التكاتف للأهالي فيما بينهم هو وجود غرفة تسمى «بيت الجماعة» وهذا البيت يجتمع فيه الأهالي عند الحاجة إليه. ويقوم ممثلون لكل عائلة ولكل مجموعة يمثلهم شخص واحد يكون مندوباً عنهم ثم يجتمعون في هذا البيت وكأنه مجلس للشورى. ويقول أحد كبار السن وهو الشيخ/ عبدالرحمن نامي النامي بأن الأمور التي يتم مناقشتها كثيرة وليس لها جدول أعمال بل يتوافدون إليها عند الحاجة لأي فرد من أفراد البلدة أو عند حدوث خطر للبلدة. أو لاصلاح شيء ما ويحتاج إلى المال أو الرجال فإن هذا المجلس يقرر ما يجب على الأهالي فعله تجاه أمر من الأمور. أما الأمر الثاني لهذا البيت وهو بيت الجماعة فإنه مكان لاستقبال الضيوف الذين يفدون إلى البلدة ضيوفاً عليها وليسوا ضيوفاً على واحد منها. حيث يتم تقديم واجب الضيافة بشكل مشترك وجماعي كل يحضر من منزله ما يستطيع لتقديمه بشكل جماعي باسم أهالي البلدة «قهوة تمر حطب أنواع من الأكل من منزل كل منهم أو بشكل مشترك». قهوة المهوس قهوة المهوس كما يسميها أهالي رغبة من كبار السن وحسب رواية المواطن ناصر إبراهيم الخنيزان حيث يقول: إنها قهوة قديمة يعني غرفة كانت موجودة تبرع بها في ذلك الوقت ابن مهوس وبها جميع مستلزمات القهوة من مشب للنار ودلة وفناجيل ومحمامسة وغيرها من الأدوات التي تستعمل للقهوة وأوانيها ومهمتها مساهمة للأهالي الذين ليس لديهم أماكن يستقبلون ضيوفهم فيها حيث أن معظم الناس فيما مضى فقراء البعض يعيش في غرف لا تكفي لسد حاجته مع أولاده فقط وربما كان والداه معه. والبعض الآخر لا يوجد لديه أواني لكي يصنع فيها القهوة مثل الدلّة والفناجيل ولذا كانت هذه القهوة تحل مشاكلهم وأزماتهم مع ضيوفهم. حيث يقوم المواطن بالذهاب بضيفه إليها ومعه القهوة والهيل والتمر والحطب ثم يكرم ضيفه فيها دون عناء وكأنها استراحات اليوم التي تؤجر باليوم ولكن هذه القهوة بالمجان لأجل الأجر والثواب والمساهمة مع أهالي البلدة في حل أزماتهم ومساعدتهم. وهذه من الأمثلة التي تدل على التكافل الاجتماعي فيما مضى بين الناس. مما يجعل القوي يشد من الضعيف والغني يساعد الفقير وهكذا في مجتمع متكاتف يسعى إلى الخير.