في كثير من المؤتمرات، والمهرجانات والندوات الكبرى التي تقام في العالم لمناقشة قضايا دينية، وفكرية، وسياسية، وإعلامية واجتماعية وغيرها من القضايا التي تشغل بال الإنسان المعاصر، في كثير من هذه اللقاءات تُطرح الآراء المتباينة والأفكار المختلفة، والحلول المقترحة للمشكلات التي تُعْرَض، وتدور مناقشات طويلة هادئة وغير هادئة قبل الوصول إلى النتائج وكتابة التوصيات التي عٌقدت من أجلها تلك اللِّقاءات. ولا شك أن هذه اللقاءات ذات قيمة كبيرة، وأهميَّة أكبر لأنها تتيح المجال للمناقشة، وكتابة البحوث وورقات العمل التي تضيف جديداً من المقترحات والأفكار التي لا تخلو من فائدةٍ تٍسهم في معالجة المشكلات. ولكنّ الذي يلفت النظر في كثير من تلك اللقاءات خاصة في عالمنا العربي ذلك التضايُق الواضح المعلن الذي يقابل به كثيرٌ من المشاركين ما يُطرح من آراء إسلامية تتضمّن حلولاً شرعيةً مقرَّرة في »شرع الإسلام الكامل الشامل»، وذلك الاعتراض المصحوب بالتذمُّر الشديد، أو السخرية والاستهزاء، على الآراء الإسلامية النيَّرة التي تتضمَّن الحلول الصحيحة لكثير من القضايا المطروحة. وهذا موقف عجيب يدعو إلى التأمُّل والتفكير في أسبابه ودواعيه ودوافعه التي تكمن في نفوس اولئك المعترضين وأذهانهم. لماذا التضايُق من الرأي الشرعي؟، ولماذا يتجنب كثير من المشاركين في تلك اللقاءات استخدام مصطلحات إسلامية شرعية واضحة، مع أنَّ المجال مفتوح للآراء الأخرى كلِّها بدون تحفُّظ ولا اعتراض. إنَّ الموضوعية تقتضي أن تتعامل تلك اللقاءات مع أصحاب الآراء المطروحة بأسلوبٍ موحَْدٍ من التفهُّم والتقبُّل لما يطرح من الآراء دون تمييز بين الاتجاهات، من حيث إتاحة فُرص تقديم الفكرة والرأي، ومن حيث احترام أصحاب هذه الآراء. بصرف النظر عما يكون فيها من القوة والضعف، أو الصحَّة والخطأ. إنَّ ظاهرة التضايُق بما يُطرح من آراء الشرع الإسلامي الحكيم تتسلَّل أحياناً إلى مجالس عامة أو خاصة، يظهر فيها تذمُّر بعض الناس من كلمة تذكّرُ الإنسان بربِّه، وتوجِّهه توجيهاً صحيحاً فيما يقول ويفعل. ومع أننا نعلم أنْ من بين الذين سيطرحون آراء شرعية إسلامية في بعض اللقاءات والندوات، والمجالس، مَنْ لا يكونون قادرين على الطرح المقنع، والخطاب المقبول، ومَنْ لا يراعون حالة الناس حتى يخاطبوهم بما يفهمون إلاَّ أن التضايُق من هذه الآراء يُعَدَّ ظاهرةً «مشكلة» لابد من مراجعة النفس فيها. ونحن نتحدَّث هنا عن المسلمين والبلاد الإسلامية، وهذا ما جعل هذا الموضوع جديراً بطرحه والإشارة إليه، فالمشكلة تكمن في أن بعض المسلمين يشعرون بالضيق حينما يستمعون إلى طرح إسلامي لموضوع في لقاءٍ أو ندوة أو مجلس ويتجاوز الأمر شعورهم بذلك إلى جرأتهم على الاعتراض صراحة، وإعلان التبرُّم، وكأن هذه المجالس لا علاقة لها من قريب أو بعيد بالإسلام الذي أكمل الله به الدين فأصبح قادراً على معالجة كل المشكلات المطروحة معالجة ناجحة ناجعة. إذا كان المؤتمر أو الندوة أو المجلس متقبِّلا لرأي يطرحه علماني ملحد، أو عبثيَّ منحرف، أو نصراني، أو يهودي، فما الذي يمنع أن يكون متقبّلاً لرأي يطرحه مفكر أو مثقف مسلم مستمداً من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. في إحدى الندوات الكبرى الثقافية في بلدٍ عربي، طرح أحد الحاضرين رأياً في وجوب تعميم الثقافة الإسلامية إذا كنا نريد أن ننشئ أجيالاً مسلمة واعية تعرف كيف تعيش عصرها مع المحافظة على قيمها ومبادئها، فكانت المواجهة من معظم المشاركين في الندوة عنيفةً لصاحب هذا الرأي الإسلامي في مجال الثقافة، مما جعله يقول لهم: عجباً لكم تتسع صدوركم لآراء واضحة الانحراف سمعناها في هذا اللقاء، وتضيق برأي واحدٍ هو أصح ما طرح من آراء لو تأملتموه، فلماذا؟؟ إشارة: قل للذين تنكَّبوا درب الهدى جهراً، ولم يستمسكو بعهود قرآننا جسر النجاة لنا بما