كان دور الإعلام في الماضي القريب قد اقتصر على جمع ونشر المعلومات، وأحيانًا تحليلها، وذلك ضمن مجالات عمل ضيقة، وباستخدام إمكانيات وأدوات محدودة الفاعلية.. إلا أن تبلور إمكانيات وأبعاد ثورات المواصلات والاتصالات والمعلومات أدى في الآونة الأخيرة إلى زيادة أهمية العملية الإعلامية، وساهمت في مضاعفة مسؤولياتها ومجالات عملها. ومع الزمن تطورت نشاطات واهتمامات العملية الإعلامية حيث أصبحت تتجاوز عالم السياسة والاقتصاد والإعلان، وما يترتب على ذلك من تحليل للحدث، ومحاولة استباقه، وتسليط الأضواء على القضايا الاقتصادية والاجتماعية، ولترويج بضائع وأشخاص وأفكار معينة؛ وبالتالي الإسهام بفاعلية واستمرار في تشكيل مواقف الشعوب، وأذواق المستهلكين، وتوجهات القادة في المجتمعات الإنسانية على اختلاف مشاربها. إن التطورات الحديثة في مجال الاقتصاد والسياسة، وتبلور مفهوم الاعتماد المتبادل بين الدول والشعوب المختلفة كحقيقة حياتية، أدَّيا إلى الإخلال بالتوازنات التي سادت علاقة الاقتصاد بالسياسة لقرون طويلة. ويمكن القول باختصار إن المجتمعات الإنسانية الحديثة أصبحت تخضع اليوم لثلاثة أمور رئيسية: العملية السياسية والعملية الاقتصادية والعملية الثقافية - الإعلامية. وهي عمليات متداخلة، لا تعترف بالحدود السياسية، ولا تقف عند شعارات أو أفكار أيديولوجية محددة؛ فنضوج ثورات الاتصالات والمواصلات والمعلومات من جهة، ونجاح الاقتصاد والنظم الرأسمالية الغربية في السيطرة على أهم النشاطات الدولية من جهة ثانية، أدَّيا إلى ظهور مجتمع استهلاكي عالمي ذي قيم حضارية ومواقف مجتمعية متشابهة إلى حد كبير. هذا بدوره ساهم في التحرك نحو الغرب من حيث القيم والمسلكّيات والتطلعات؛ وبالتالي أسهم في ترابط العملية السياسية والاقتصادية والإعلامية على الساحات الوطنية والدولية، وقيامها بتبادل الأدوار فيما بينها وفيما يختص بقيادة المجتمع نحو تحقيق أهدافه وتطلعاته الرئيسية. فبعد تبلور أبعاد ثورتَي الاتصالات والمعلومات، وظهور المجتمع الاستهلاكي المعقّدن أصبح من الصعب السيطرة على المجتمع للحدّ من الاستهلاك. وبسبب رخص وتوافُر أجهزة الراديو والتلفزيون والكمبيوتر والجريدة والكتاب أدى ذلك إلى تمكين العملية الإعلامية من إيصال رسالتها إلى كل من كانوا بحاجة إليها، وإلى كل من كان على استعداد لاستقبالها. وأصبح الإعلام بسبب قدرته الفائقة على الوصول إى كل مكان مباشرة أقدر على نقل الحدث حال وقوعه، وأكثر مصداقية من كل الأطراف الأخرى؛ إذ تميّزت رسالة الإعلام بالتنوع والجودة والعرض المشوّق والمريح، خاصة بعد تحررها من قيود الأدوات القديمة وظروف الخضوع لأوقات فراغ المستهلك؛ مما أعطى الإعلام دور السلطة الرابعة المؤثرة بكفاءة أكبر، وعرض رسالتها بأسلوب أفضل؛ فالعلاقة بين الإعلام والمجتمع علاقة حميمية، تتصّف بالتكامل والتفاعل المستمر، والتأثير المتبادل يجعلها تشكّل ثنائية فاعلة في تكوين وصياغة الرأي العام. ** **