أعادت شركة «واتساب» إلى الأذهان أهمية خصوصية المستخدمين، وسرية بياناتهم، بعد أن بدأت في تنبيه مستخدميها إلى تحديث سياسة الخصوصية، وإلزامية قبولها في حال أراد المشتركون الاستمرار في استخدام التطبيق. لا تعدو سياسة واتساب الجديدة أن تكون تقنينًا للإجراءات المتبعة أصلاً؛ فبيانات المشتركين كانت متاحة ومستغلة من قِبلهم؛ إذ تعتمد الشركات المطلقة للتطبيقات المجانية على البيانات لتوفير الدخل من خلال بيعها لأغراض تسويقية، وربما لأغراض استخباراتية. لا تتوقف مخاطر التطبيقات عند استغلال بيانات المشتركين، والمتاجرة بها، بل تتجاوزها إلى آلية تقنين منهجية للسيطرة عليها وقت الحاجة، وتوجيهها بحسب المصالح المرجوة منها. ولنا في تطبيقَي تويتر وفيسبوك المثال الحي؛ إذ علّقا حساب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لمنعه من التواصل مع الأمريكيين خلال الأيام الماضية تحت عذر العنصرية، أو تجييش الشارع، بالرغم من أن التطبيقَين شكّلا الجيش الرقمي الذي تسبب في زعزعة أمن واستقرار بعض الدول العربية، وتغذية الثورات التي تسببت في تدمير سوريا وليبيا واليمن، وزعزعة أمن مصر واستقرارها. منصات رقمية في ظاهرها تسهيل التواصل الاجتماعي، والمشاركة العامة، وتعزيز الحريات، وفي داخلها استراتيجيات السيطرة والتحكم بالمجتمعات، وتنفيذ أجندات استخباراتية محددة. كيف تحولت منصتا تويتر وفيسبوك من دعم الحريات في الدول العربية، وتشجيع المظاهرات، واقتحام المقار الرسمية، إلى تقييدها بطريقة مخجلة بمجرد تعارضها مع توجهات الدولة العميقة، وخططها الاستراتيجية المستقبلية! ما دفعها نحو الدكتاتورية القمعية، حتى مع الرئيس الأمريكي نفسه. سمحت منصات التواصل للإرهابيين والخارجين على المجتمعات والفطرة السوية ببث سمومهم دون حسيب، في الوقت الذي حجبت فيه حسابات المدافعين عن أوطانهم ومجتمعاتهم لأسباب واهية. انقلبت منصات التواصل الاجتماعي، والقنوات الفضائية، والصحف الأمريكية على سياسة حرية الرأي التي دعمتها بشدة في الثورات العربية، وأصبحت أكثر تشددًا في تقييد الحريات وحجب الرأي العام، وتزويره، تحقيقًا لأهداف استراتيجية محددة. ما حدث في الولاياتالمتحدة أزال الستار عن نفاق الحرية الغربية التي حفزت بعض الشعوب العربية لتدمير دولهم دون تبصر بمآلات الأمور. ومن المؤسف أن يبقى كثير منهم تحت تخدير الحرية المزعومة التي انكشف عوارها بعد تحول الكونجرس الأمريكي، وواشنطن دي سي بأكملها، إلى ثكنة عسكرية من أجل فرض النظام، الذي دعموا الخروج عليه في مصر وسوريا وليبيا واليمن. مشهدان متناقضان؛ يجب على الشعوب العربية التمعن فيهما لأخذ الدروس والعِبر، ولحماية أوطانهم من عبث الغرب، وأجهزته الاستخباراتية التي ما زالت تخطط لموجة ثانية من الثورات الممنهجة. ما نراه اليوم في تطبيقات (واتساب، فيسبوك وتويتر) يقودنا إلى التذكير بأهمية خلق منصات تواصل سعودية مستقلة بعيدًا عن سيطرة الغرب. الأكيد أن الاستغناء عن التطبيقات العالمية شبه مستحيل إلا أن خلق منصات سعودية موازية، لا يمكن وقفها أو التأثير عليها من الخارج، يمكن أن يحقق جانبًا مهمًّا من الأمن الاستراتيجي. وإذا كانت المنصات المفتوحة للعموم مهمة فالمنصات الحكومية التي تربط المسؤولين ببعضهم أكثر أهمية؛ لضمان الأمن المعلوماتي. نجحت المملكة في خلق تطبيق «أبشر» الذي يقدم خدمات جليلة وآمنة للمواطنين، المقيمين، والجهات الحكومية، وبنيت عليه تطبيقات مختلفة، وساهم في دعم التحول الرقمي الحكومي؛ ما يعني أن لدينا القدرة على خلق منصات تواصل آمنة، تكون موازية للتطبيقات العالمية، وبديلاً محليًّا في أوقات الأزمات. يُفترض أن يكون خيار إنشاء منصة تواصل حكومية آمنة في مقدمة برامج التحول الرقمي، وأهداف صندوق الاستثمارات العامة التكنولوجية؛ فمن غير المنطق الاعتماد على منصات تواصل غربية مخترقة في الوقت الذي يمكننا فيه خلق منصاتنا الآمنة كباقي الدول التي استشعرت خطر التحول الرقمي على سرية بياناتها الرسمية والعامة؛ فتوجهت نحو الاستثمار في شبكات الاتصالات، والمنصات الرقمية المحلية الآمنة بمعزل عن المنصات الغربية.