روى الإمام مسلم وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولهم عذاب أليم قالوا: من هم يا رسول الله؟ قال: «أشيمط زان وملك كذاب وعائل مستكبر». يقول القاضي عياض في شرح هذا الحديث: سبب هذا الوعيد لهؤلاء الثلاثة أن كل واحد منهم التزم المعصية المذكورة مع بعدها عنه وعدم ضرورته إليها وضعف دواعيها عنده وإن كان أحد لا يعذر بذنب لكن لما لم يكن إلى هذه المعاصي ضرورة مزعجة ولا دواع معتادة أشبه إقدامهم عليها المعاندة والاستخفاف بحق الله تعالى وقصد معصيته لا لحاجة غيرها.. الخ كلامه. فمخالفة هؤلاء الثلاثة للفطرة التي صاروا إليها بموجب حالهم جعل هذا الوعيد الشديد ينصب عليهم، ومثل ذلك في المعنى كثير، فما أكثر أولئك الذين يخالفون الفطرة، فمن السهل مثلا أن ترى سارقا دعاه إلى السرقة أما الفقر والحاجة أو غياب الرقيب مجتمعا مع فساد الطبع فمثل هذا قد تجد له عذرا، لكن حين تجد غنيا مليئا يسرق مال غيره فإنك تلومه وترى أن عقوبته ينبغي أن تتضاعف، لأنه خالف النعمة التي أنعمها الله عليه. حين أعطاه مالا يستغني به عن الحاجة إلى الناس، وأعظم من ذلك الغني حين ترى رجل أمن وظيفته حراسة أموال الناس وممتلكاتهم ثم يخالف هذه الوظيفة ويستغلها في سرقة ما ائتمن عليه من أموال وممتلكات فهو إن لم يكن أعظم من الغني فهو مثله في الجرم، لكن حين تجتمع في الشخص عدة موانع عن الوقوع في الجرم ثم يجر نفسه إلى الوقوع في ذلك الجرم مع غياب الرادع والزاجر، فهذا الشخص أعظم من الشخصين السابقين في قدر الجرم الذي وقع فيه، ويزداد الأمر سوءاً وشدة إذا كان هذا الجرم إنما فعله صاحبه ليصل به إلى مناصب أو درجات دنيوية فهذا ينطبق عليه مع الحديث السابق قول الرسول صلى الله عليه وسلم: المتشبع بما يعط كلابس ثوبي زور». هذا الكلام السابق ينطبق على بحث وجدته في حولية كلية أصول الدين بجامعة الأزهر بالقاهرة في عددها الأخير عام/ 1423ه، وكان من بين البحوث التي حوته هذه الحولية بحث جاء في آخر المجلد الثاني من الحولية وكتب تحته: بقلم دكتور/ منصور علي منصور سعد: مدرس الحديث وعلومه كلية أصول الدين بالقاهرة جامعة الأزهر الشريف والأستاذ المساعد بكلية الشريعة واللغة العربية جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية وهذا البحث عنوانه: نسك الحج وأنواعه ونوع النسك الذي أحرم به رسول الله صلى الله عليه وسلم دراسة حديثية فقهية مقارنة، وقد تصفحت البحث من أوله إلى آخره وكنت أظن أني قد سمعت عن عنوان قريب من عنوان هذا البحث لكنه ليس عنوانا لبحث بل هو عنوان كتاب مطبوع ومتداول، نعم إن هذا العنوان هو عنوان كتاب طبعته مكتبة أضواء السلف بالرياض في العام الماضي/ 1422ه قام بتأليفه الشيخ الدكتور/ عبدالسلام بن سالم السحيمي عضو هيئة التدريس بالجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية وعنوان الكتاب هو «القول الحق في نسك الحج الذي أحرم به خير الخلق صلى الله عليه وسلم مع بيان نسك الحج الأخرى دراسة فقهية مقارنة، وأصل هذا الكتاب هوبحث ترقية قدمه الدكتور عبدالسلام السحيمي إلى الجامعة الإسلامية عام 1416ه، وهو مسجل لدى الجامعة الإسلامية بهذا التاريخ. ولما راجعت الكتاب وقارنت بينه وبين ما نسبه استاذ جامعة الإمام المتعاقد لنفسه في حولية كلية أصول الدين: إذا هو نسخة من الكتاب لم ينقص منه شيء سوى أنه صاغ مقدمة جديدة احتوت على نفس ما احتوت عليه مقدمة كتاب السحيمي، بل حتى الخاتمة والنتائج التي كتبها أستاذ الجامعة الإسلامية في كتابه هي منقولة نصا في بحث أستاذ جامعة الإمام، لم يتغير فيها سوى تقديم وتأخير، وهنا تساءلت كثيرا: كيف لذلك الأستاذ الجامعي الذي وثقت فيه حاضنته: جامعة الأزهر، والمتعاقدة معه: جامعة الإمام محمد بن سعود أن يسلك مثل هذه الأساليب التي هي معيبة على الطالب الجامعي الذي وسائل البحث لديه قاصرة أو ضعيفة وقد يستفيد أحياناً من كتابة غيره، ويشير إلى ذلك تصريحاً أو تلميحا ثم بعد ذلك يلومه استاذه بأنه لا يستطيع الاعتماد على نفسه في البحث والكتابة، ولكن الأخ الدكتور منصور الأستاذ الذي يشرف على رسائل جامعية ويعلم الطلاب الأمانة في رواية الحديث ونقلته وأخبار الوضاعين لم يستطع أن ينبه طلابه إلى الأمانة العلمية التي ينبغي أن يلتزم بها كل طالب علم وباحث. ولا أجدني مضطرا هنا إلى بيان الأدلة على أن بحث دكتور جامعة الإمام هو نسخة من مؤلف أستاذ الجامعة الإسلامية بل سأقتصر هنا على بيان الزيادة الوحيدة التي زادها أستاذ جامعة الإمام على البحث وهي موضع واحد فقط يبدأ من ص 1465 وينتهي ص 1497 فقد زاد هنا كلاما طويلا عن صفة العمرة ثم عن صفة الحج ثم تكلم عن محظورات الإحرام ثم عاد بعد ذلك إلى نقل كتاب السحيمي كلمة كلمة لم يترك منه كلمة ولا تعليقاً إلا ونقله ولم يزد على ذلك من عنده أي شيء فرحم الله الإنصاف وإن كنت أشك في أن يكون أستاذ جامعة الإمام هو كاتب هذا المبحث عن صفة الحج والعمرة. ثم هناك شيء آخر تصرف فيه وهو آنه قد يدخل الهوامش التي جعلها السحيمي في أسفل الصفحة فيدمجها مع نفس الكلام وكأنه بهذا الفعل يستطيع أن يغير في ذات الكتاب مثال ذلك: حين ذكر السحيمي من شروط وجوب الحج الاستطاعة ذكر في كتابه الخلاف في معنى الاستطاعة وذكر ذلك في الهامش كما في ص14 من الكتاب، أما الدكتور منصور أستاذ جامعة الإمام فأدخلها ضمن الكلام كما في ص1502 من الحولية. ولعل شخصا أن تلين به نفسه فيقول إن توارد الأفكار وارد هنا فأقول له: إن من السهل جدا أن يكتب شخصان عن موضوع واحد ويرجعان إلى نفس المصادر لكن أن تكون النتائج التي يصلان إليها في نهاية بحثهما متطابقة تماما حرفا بحرف فهذا لا يمكن وقوعه. وختاما أدعو بعد هذا الكلام كل منصف أن ينظر في هذا الكتاب ويقارن بينه وبين ما نسبه الدكتور منصور لنفسه ليرى إلى أي مستوى وصلت الأمانة العلمية لدى بعض أساتذة الجامعات. وهنا أرفع نداء إلى المسؤولين عن التعاقد في بلادنا وخصوصا في مجال التعليم العالي بأن يراجعوا عدة أمور منها: 1 كيف يوثق بأمثال هؤلاء وعسى أن تكون حالة فردية فمن اجترأ على أن يسرق كتابا كاملا وينسبه لنفسه ليقدمه إلى مجلة علمية لها مكانتها: كيف يؤتمن على تدريس الطلاب في درجات التعليم العالية، كيف وقد وكل إليه الإشراف على بحوث جامعية. 2 لابد من إعادة النظر في أساس الرسائل الجامعية التي حصل عليها أمثال هؤلاء ، فما أكثر المتشبعين بما لم يعطوا. 3 إن كان سارق المال إذا ثبتت عليه السرقة ثبوتا شرعيا كانت عقوبته قطع اليد التي مدها ليسرق بها فسارق الكتب والبحوث جدير بالقطع.