يركز كل من الرئيس الأمريكي جورج بوش والكونجرس على أمر واحد تقريبا هو الرئيس العراقي صدام حسين وما لديه من أسلحة دمار شامل وبدون أي إشارة إلى فكر هذا الرجل أو أيديولوجيته، وهذه الرؤية من جانب إدارة بوش والكونجرس ترتبط بعلاقة واهية مع الرؤية الأوسع لتأمين انتصار الحرية الذي حدده الرئيس بوش كرسالة للسياسة الخارجية الأمريكية خلال الألفية الثالثة. والحقيقة أن الجدل الدائر حاليا حول العراق أسفر عن ثلاثة عناصر تشتيت خطيرة: الأول أن المناقشات خلطت بين أسلحة الدمار الشامل والإطاحة بنظام الرئيس العراقي صدام حسين كأهداف نهائية أو وسائل في هذه الحملة، ففجأة أصبح كل من صقور الجمهوريين ومناهضي الحرب الديموقراطيين يؤكدون على أن تدمير أسلحة الدمار الشامل هو الهدف الجديد الدائم للحرب ضد الإرهاب، وبالنسبة للصقور فإن تغيير نظام الحكم هو الوسيلة لتحقيق هذا الهدف، ولكن هؤلاء الأقل حماسة للحرب يقولون ان هناك وسائل أخرى لتحقيق هذا الهدف بدون الإطاحة بنظام الحكم مثل إرسال المفتشين الدوليين أو حتى من خلال عملية عسكرية محدودة تستهدف معامل انتاج هذه الأسلحة. ويبدو أن كل معسكر من المعسكرين يركز على الهدف الخطأ، فتغيير نظام الحكم- ولكن بطريقة ديمقراطية - يجب أن يكون هدفا، فإذا قام نظام حكم ديمقراطي في العراق على مدى السنوات أو حتى العقود القادمة فلن يهم الولاياتالمتحدة أن تكون لدى العراق أسلحة دمار شامل أم لا، هل يعرف أحد في أمريكا حجم أسلحة الدمار الشامل لدى بريطانيا أو فرنسا مثلا؟، هل يشعر أي شخص بالقلق بشأن حقيقة أن روسيا مازال لديها الآلاف من الأسلحة النووية ووسائل إطلاقها لتصل إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية في ظرف لحظات؟، يحذر المتخصصون ومعهم الحق من خطورة مستوى تأمين أسلحة الدمار الشامل في روسيا، ولكن أغلب الأمريكيين لم يكن لديهم خطة للتحرك في حالة وقوع هجوم سوفيتي بالأسلحة النووية، ولم يكن وجود نظام حكم في الاتحاد السوفيتي لا يدعم انتشار أسلحة الدمار الشامل ولا إرسال مفتشي أسلحة إلى الاتحاد السوفيتي ولا شن هجوم وقائي ضد الاتحاد السوفيتي هو الذي أدى إلى تحول مواقف الأمريكيين من أسلحة الدمار الشامل لدى روسيا. ولكن ما حدث هو تغير نظام الحكم في الاتحاد السوفيتي ثم روسيا. ونفس الأمر يمكن أن يحدث يوما ما في العراق، فقد دمرت إسرائيل بالفعل البرنامج النووي العراقي مرة في عام 1981 ولكن ذلك لم يقض على التهديد ولكنه أجله فقط، إن أي هدف حقيقي تجاه العراق يجب أن يكون هو إقامة نظام حكم ديموقراطي رأسمالي مؤيد للغرب. ولكن تركيز كل الاهتمام على أسلحة الدمار الشامل يمنع الولاياتالمتحدة من متابعة استراتيجيتها الأوسع التي يمكن أن تضمن الهدف الأوسع في إقامة حكم ديموقراطي. علاوة على ذلك فإن هناك وسائل كثيرة لتحقيق هذا الهدف بطريقة غير عسكرية بطبيعة الحال وهو العنصر الذي ذهب ضحية النسيان خلال هذه المناقشة. أما العنصر الثاني فهو أننا أصبحنا مشغولين بقائد واحد ودولة واحدة وفئة واحدة من الأسلحة ولم يكن لأي من هذه الأشياء دور بشكل مباشر في هجمات الحادي عشر من سبتمبر، بالفعل يمكن القول ان نظام الحكم الديكتاتوري في العراق -وليس صدام حسين فقط- جزء من المشكلة ولكن لا يمكن أن يكون العراق الجبهة الوحيدة للحرب ضد الإرهاب، بل إن النصر على الإرهاب في جبهات ثانية قد يؤدي إلى سقوط نظام الحكم في بغداد. فاستراتيجية الرئيس الأمريكي الأسبق رونالدريجان لهزيمة الشيوعية لم تبدأ بالغزو العسكري للاتحاد السوفيتي إنما بدأت بتدمير الأنظمة الموالية له في دول أخرى مثل بولندا وأفغانستان ونيكارجوا. وتخيل الوضع عندما يتم عزل نظام الرئيس العراقي صدام حسين من خلال القضاء على الأنظمة الديكتاتورية في العالم. العنصر الثالث هو الصمت شبه الكامل عن نوع الحكم الذي تعتزم الإدارة الأمريكية إقامته في العراق بعد الحرب، فإدارة الرئيس بوش مشغولة جدا بإقناع الآخرين بأهمية حرب العراق ولم تعط أي اهتمام لوضع خطة لنظام الحكم الجديد في العراق. وهل سيظل العراق دولة واحدة أم سيتم تقسيمه إلى ثلاث دول وهل سيكون دولة فيدرالية أم دولة واحدة؟ وهل ستحكمه الولاياتالمتحدة أم الأممالمتحدة وكم عقدا سيستمر احتلال العراق بعد الحرب؟ يجب أن نخصص الوقت الكافي لمناقشة قضية إعادة بناء العراق بنفس القدر الذي نخصصه حاليا لبحث تدمير العراق، فمثل هذه المناقشة الجادة للعراق بعد الحرب يمكن أن تساعد في الحصول على دعم الكونجرس والمجتمع الدولي وربما الشعب العراقي، والآن يجب أن يتم التركيز على خطط المستقبل، ولكي يكتسب الموقف الأمريكي مصداقية يجب أن تكون رسالة تغيير نظام الحكم في العراق موجهة إلى الأنظمة الديكتاتورية الأخرى في العالم، فاحتمال وصول المتشددين إلى الحكم في باكستان واستخدام الأسلحة ضد الحلفاء الأمريكيين أكثر من احتمال استخدام صدام حسين للأسلحة ضد الأمريكيين، وبدون مثل هذه الاستراتيجية فإن الجنود الأمريكيين سيجدون أنفسهم مضطرين لمحاربة صدام حسين وغيره مرات ومرات. * أستاذ العلوم السياسية المساعد في جامعة ستانفورد خدمة كريستيان ساينس مونيتور - خاص ب«الجزيرة»