ما أكثر الازعاجات التي يسببها الأطفال للمصلين في المسجد، والتي لا يرتدع عن فعلها الصغار مع تكرار العتاب والتوجيه، ومن هذه الازعاجات: رفع الصوت، الضحك، اللعب والالتفات والتحرش فيما بينهم أثناء الصلاة، البكاء، تمزيق الملصقات أو الكتابة عليها، غلق الأبواب وفتحها وعطبها، اطفاء الأنوار والمراوح وأجهزة التكييف، تمزيق المصاحف والكتابة عليها، الكتابة على الجدران، اللعب بمكبرات الصوت، التراشق بالأحذية، فتح صنابير المياه، عدم الاهتمام بنظافة الحمامات «عدم سحب السيفون، التبول وقوفاً وتنجيس المكان، عدم قضاء الحاجة في الأماكن المتخصصة»، كسر القوارير الزجاجية في ساحات المسجد وبالقرب منها، وقد تكون ثياب بعض الصغار متسخة وبها من الروائح غير الطيبة، بل ويحضر بعض الآباء أبناءهم الذين لا يعقلون شيئاً، بحجة انشغال أمهاتهم أو خروجهن، أو تعلق أحدهما بالآخر، فيؤذون المصلين بصخبهم، وترى أحياناً أثناء الصلاة بعض الأطفال يبكون وينطلقون بين الصفوف بحثاً عن آبائهم. حدث أن سمع أهل الحي أذاناً واقامة وقراءة الفاتحة وقراءة بعض سور القرآن، من صبي صغير، عبر مكبر الصوت في المسجد، في وقت ليس فيه صلاة قبل صلاة العصر، فدخل أحدهم موبخاً وناهراً، فصار الصبي يبكي ويقول: «لم أقل كلاماً سيئاً وانما كنت أصلي»، فقد يكون التصرف المندفع دون التوجيه المناسب سبباً في فعل عكسي نحو اهتمام هذا الصبي نحو المسجد مما يؤدي إلى انصرافه عنه والتخوف منه، وإن من الآباء من يتردد في الصلاة مع الجماعة بسبب كلمة قاسية قالها أحد المصلين، موبخاً بها الآباء الذين قام أبناؤهم بفعل بعض المزعجات أثناء الصلاة. إن رعاية هؤلاء الشباب الصغار واعدادهم لمواجهة الحياة بالثقة العالية والاطمئنان إلى صحة منهجهم الإسلامي في حياتهم، فينمون على حب الخير والدعوة إلى الصلاح، والعمل لحياة أجمل وآخرة أفضل، وربطهم بخالقهم، واظهار فضله علينا في نعمه وابرازها وتعريفهم عليها، كي يزداد حبهم لربهم، ويكون لديهم الاستعداد لتقبل أمره وتجنب نهيه وتقوية اتصالهم به عز وجل، على خلاف ما نراه في حالات كثيرة من الشباب، من فراغ قلبي وعقلي يعصف بهم في مهاوي الردى، وفقدان للهوية يضيع معها الطموح والهدف، يتلقفون بعده ما يلفظه العالم الخارجي الساعي إلى احتوائهم ودمارهم، ونظرة واحدة إلى بعض تصرفات الجيل تنذرك بالخطر. إن احضار الأولاد إلى المسجد وتعويدهم على الصلاة فيه أمر حسن ومطلوب، وحصول مثل الأمور السابقة متوقع، ويغيب عن البعض العمل على تفاديها وعلاجها، وتطول المحاولات وتتنوع لانجاح هذه المساعي، وتستغرق وقتاً وجهداً وصبرا وروية، حتى تحصل النتائج الطيبة المثمرة بإذن الله. مسؤولية توجيه الأولاد إلى العمل بآداب المسجد تناط بكثير من الجهات، ولعل أكثرها أهمية البيت والمسجد، ولا يمكن اغفال مسؤولية الجهات الأخرى. النقاط التالية ما هي إلا تذكير لجوانب قليلة قام بها بعض أولياء الأمور ونفذها القائمون على شؤون المسجد فنفع الله بها: فمن جهة البيت نرى الكثير من الآباء يحضرون الأبناء إلى المسجد لحبهم الخير لهم، وحرصاً على تعويدهم على الصلاة والروح الاجتماعية، ولينشأوا نشأة اسلامية وفي بيئة قرآنية، وهذا جانب مهم وحيوي ينبغي تشجيعهم عليه، ويعين على ذلك: - أن يرى الصغير أباه واخوته سريعي الاستجابة لنداء الصلاة، حين يصدع به المؤذن، تاركين ما بأيديهم ومسارعين بالوضوء والذهاب للمسجد. - عدم احضار الصغار الذين لا يميزون كي لا يسأموا وينفروا من المسجد وكي لا يؤذوا المصلين بصخبهم. - تعليمهم الوضوء وكيفية الصلاة عن طريق المشاهدة قبل قدومهم المسجد، والتمرن على أدائها في البيت لمدة من الزمن، ويكون هذا بتوجيه الأم والاخوات واشراف الأب، حتى يتعودها الولد، ويساعد على ذلك أيضاً صلاة الأب للنافلة في البيت. - التحدث إليهم عن المسجد واحترامه، ولفت أنظارهم إليه عند مرورهم عليه في الطريق. - تعليمهم معنى الصلاة وفضلها ولماذا نصلي، بما يتناسب مع عقولهم، وما هو الأجر الذي يحصل عليه المصلي من الله عز وجل، وما هو العقاب الذي يناله تارك الصلاة. - ازالة كل ما يعيق الولد عن الصلاة في المسجد. - اخبار الأب لابنه قبل الذهاب للصلاة كي يستعد بالوضوء والثياب النظيفة، وعدم انتشاله من أشياء محبوبة عليه، كي لا يكره المسجد من أجلها، واخباره بالعودة إليها بعد الصلاة. - أن يتفق ولي أمر الولد مع الإمام والمؤذن وبعض أهل المسجد بأن يرحبوا بالولد عند زيارته الأولى للمسجد والزيارات اللاحقة لها،ويتوددوا إليه ويتلطفوا به. - الابتعاد عن كل منفر له من المسجد، كالمكوث الطويل بعد الصلاة، إلى أن يعتاد على ذلك. - المديح والاطراء للولد، أمام الأقرباء والأصدقاء، على صلاته في المسجد والتزامه بالآداب العامة وقراءته القرآن وحفظه بعض السور. - حسن التوجيه عند الخروج عن الآداب العامة للمسجد أو التأخر عن الصلاة مع الجماعة، وقد يحتاج الأمر إلى بعض العقوبات التأديبية، كالحرمان من أشياء تعود عليها ويحبها، على أن ينظر ألا تؤدي هذه العقوبات إلى مردود عكسي، فلكل ولد ميزاته التي تختلف عن الآخرين. - تقديم الهدايا وتنفيذ بعض الرغبات للولد تقديراً لاهتمامه بالصلاة وبالمسجد. - عدم السماح للولد بالحضور منفرداً للمسجد، ان كان ذلك يتسبب في أذية المصلين وشغلهم عن صلاتهم، وهنا دور الأب أن يسأل عن سلوك ولده في حال غيابه. أما من جهة المسجد فيمكن ملاحظة الأمور التالية: - استقبال الأولاد وملاطفتهم من قبل الامام وجماعة المسجد، وتوزيع قطع الحلوى على الصغار منهم، والسؤال عنهم عند تغيبهم. - اقامة دروس مسلية ولطيفة خاصة بالأولاد، لتعليمهم الوضوء والصلاة بطريقة مناسبة لافهامهم، مع أدائها أمامهم بصورة عملية واعطائهم التوجيهات اللازمة، بالاضافة إلى المواضيع الهامة الأخرى مثل: تثبيت العقيدة، آداب المسجد، الأخلاق الفاضلة، بر الوالدين، حقوق المسلم، حقوق الجار، آداب الطريق، وغير ذلك مما يرى أهل المسجد طرحه من مواضيع. - الاعلان بين فترة وأخرى عن الأولاد المثاليين في المحافظة على الصلاة في المسجد، والملتزمين بآداب المسجد وكتابة أسمائهم في لوحة المسجد الحائطية، ويمكن اهداؤهم بعض الجوائز التشجيعية. - الصبر على عبثهم وأخطائهم ومعالجتها بحكمة دون اللجوء إلى الشدة، والتحبب إليهم، وليكن وجود المهتم بهم يضفي على الجو الراحة والطمأنينة، فإذا رأى الولد الشدة والصراخ والتهديد بالعقوبة، تعلمها وانطبع بها، وهذا خلاف ما هو مراد له. - تعريفه على أترابه من المحافظين على الصلاة، كي يأنس ولا يستوحش، ويسهل عليه التعلم والاقتداء بمن سبقه، وتعميق علاقاتهم ببعضهم ووضعهم في بيئة صالحة تحميهم من الزلل. - اعداد ملعب قريب من المسجد،والاشراف عليهم وعلى لعبهم، وتوفير ما يحتاجون إليه في هذا الصدد. - اقامة مسابقات رياضية وثقافية وتوزيع جوائز على المشاركين. - هذه البرامج من رياضة وتحفيظ ومشاركة في بعض الشؤون، تظهر نقاطاً فيهم حسنة وسيئة، مما يسهل معرفة ما يجب اصلاحه فيهم، ومناقشة الآباء المدركين وتوجيههم إلى سبل العلاج وحل المشاكل من أصولها. - الطفل مجهول الشخصية والميول وهو ساكت، وفي اللعب والأنشطة تظهر ميوله وهواياته وتبرز جوانب شخصيته، وتبدو خلفياته ويمكن التعرف على حلولها، كما أنه يتحرر من الخوف والضغوط التي يمارسها عليه أهله وزملاؤه، فاشعار الولد بدوره في مجموعته يضاعف من نشاطه ويقوي حماسه. - معاملة الأولاد كل بحسبه، فلا يعامل الصغير معاملة المراهق، ولا الشاب اليافع معاملة الصغير في انفعالاته ومستوى تفكيره. - اشراكهم في النشاطات، مثل تحفيظ القرآن الكريم ومجلة المسجد واللوحة الحائطية والمسابقات، وكذلك في برامج الكبار من حضور الدروس والصيام التطوعي والزيارات وغيرها مما يناسب حالهم. والحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قال: «جنبوا مساجدكم صبيانكم»، حديث ضعيف، وهناك من الأحاديث ما يعالج هذه المسألة، قال شداد بن الهاد: «خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في احدى صلاتي العشاء وهو حامل حسنا أو حسينا، فتقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضعه ثم كبر فصلى فسجد بين ظهراني صلاته سجدة أطالها، فرفعت رأسي واذا الصبي على ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ساجد فرجعت الى سجودي، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة قال الناس: انك سجدت بين ظهراني صلاتك سجدة أطلتها حتى ظننا أنه قد حدث أمر، أو انه يوحى إليك، «قال: كل ذلك لم يكن، ولكن ابني ارتحلني فكرهت أن أعجله حتى يقضي حاجته»، وروى أبوقتادة «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي وهو حامل أمامه بنت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولأبي العاص بن الربيع، فإذا قام حملها واذا سجد وضعها»، ووصف أبو مالك الأشعري، رضي الله عنه، صفوف مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «ويجعل الرجال قدام الغلمان والغلمان خلفهم والنساء خلف الغلمان» ولكن الصغار الذين لا يدركون حرمة المسجد ولا ينضبطون فيه، يجب منعهم، يقول ابن تيمية رحمه الله: «يصان المسجد عما يؤذيه ويؤذي المصلين فيه حتى رفع الصبيان اصواتهم فيها، وكذلك توسيخهم لحصره، ونحو ذاك، ولا سيما إن كان وقت الصلاة، فإن ذلك من عظيم المنكرات» مجموع الفتاوي ج 22/ص 204 «فتاوى ابن تيمية رحمه الله». (*) إمام وخطيب جامع السبيعي بمحافظة الخرج