جميلٌ أن تجمع الحكومات العربية على رفض العدوان الأمريكي على العراق.. والأجمل أن يعلن عن الالتزام بعدم التعاون عسكرياً مع أمريكا لتسهيل شن الهجمات العسكرية على العراق. هذان القراران مطلب لكل مواطن عربي رغم وجود شكوك حقيقية بعدم الالتزام بالقرار الثاني.. فرفض العدوان على العراق يُعد موقفاً سياسياً ودبلوماسياً إلا أنه لا يعدو عن كونه موقفاً لفظياً.. أما القرار الثاني وهو عدم التعاون عسكرياً مع أمريكا فهذا هو موضع شك العديد من العرب، فلا أحد يضمن أن تمتنع دولة أو أخرى من وضع قواعدها العسكرية تحت تصرف القوات الأمريكية خاصة وأن هذه القواعد وبالتحديد بدول الخليج العربية أُعدت ويتواصل إعدادها لتكون جاهزة لانطلاق الطائرات الأمريكية. هذا التناقض بين القرار العربي.. وبين ما هو موجود على الأرض، هو ما يمثل شرخاً في المصداقية العربية وهو ما يختلف مع المواقف الغربية المعارضة للحرب الأمريكية ضد العراق. فالغربيون لا يعارضون الحرب من حيث المبدأ، بل تتركز المعارضة على الأسلوب والتوقيت والالتزامات. فبالنسبة للأسلوب يرى الغربيون أن أمريكا تريد تصفية حسابات مع نظام العراق وأنه يمكن بالحوار وبالاتصالات الدبلوماسية أن تُحل مشاكل عدم تنفيذ بغداد لقرارات مجلس الأمن وبالذات مراقبة الأسلحة. ولذلك فالدول الغربية تصر على أن يأتي قرار مهاجمة العراق من الأممالمتحدة ظناً من هذه الدول بأن قراراً أممياً بشأن الحرب لا يمكن أن يصدر إلا بعد استنفاد الجهود الدبلوماسية. وسواء اقتنعت الدول الغربية بصحة الحجج الأمريكية أو اختلفت معها حول أسلوب المواجهة مع العراق أو توقيته، فإنها تخشى أن تطالبها أمريكا بالمشاركة في تحمُّل نفقات الحرب التي ستشن على العراق والتي ستبلغ نفقاتها أكثر من 75 مليار دولار. والذي تابع تصريحات قادة الدول الغربية بدءاً من شرويدر إلى شيراك يستنتج أن اعتراضهم على إصرار واشنطن شن حرب على العراق ليس اعتراضاً مبدئياً كما هو بالنسبة للعرب الذين قد «ينسوا» مبادئهم ويقدموا التسهيلات للحرب على بلد شقيق، في حين معارضة الغرب.. معارضة للأسلوب والتفرُّد الأمريكي، وهو تقريباً نفس أسباب المعارضة التي أظهرها عدد من الشخصيات السياسية والعسكرية الأمريكية. ويظهر أن الرئيس جورج بوش قد تنبَّه للخطأ الذي وقع فيه، واستمع إلى النصيحة فبدأ في إجراء اتصالات مكثفة بحلفائه من رؤساء الدول الغربية للتنسيق والتفاهم حول التعامل مع العراق، وهناك احتمالات كبيرة في توصل بوش إلى إقناع هؤلاء الحلفاء أو على الأقل ضمان عدم اعتراضهم عندما يُعرض الأمر على الأممالمتحدة. وهنا، وقياساً على الموقف العربي اللفظي، والمواقف الغربية التي لا تعارض ضرب العراق مبدئياً وإنما اختلافها تكتيكي .. يصبح واجباً على القيادة العراقية ألاّ تندفع وتنساق إلى مواجهة ليست في صالح العراق والمنطقة، ولعل أولى خطوات إفشال المخطط الأمريكي ونزع فتيل المواجهة هو الإسراع في تنفيذ قرارات الأممالمتحدة وليس وضع شروط يعرفون أكثر من غيرهم أنه لا مجال الآن لطرحها.. رغم كل ما يُثار من معارضة لخطط أمريكا الحربية.